واصل القطاع الخاص غير النفطي الانكماش في مصر للشهر الـ 26 على التوالي. مع انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي، الذي ولّد تسارعًا كبيًرا لضغوط الأسعار على تكاليف الإنتاج، وفق ما ذكرته مؤشرات مدراء المشتريات لمصر التابع مؤسسة “ستاندرد أند بورز جلوبال”.

ذكرت “ستاندر آند بورز جلوبال” -وهي وكالة تقدم للحكومات والشركات بيانات تمكنها من اتخاذ القرار- إن تضخم تكلفة المشتريات في مصر قفز لأعلى مستوى له في أربع سنوات ونصف. ما أدى إلى زيادة أسعار البيع بأقصى معدل منذ شهر فبراير/ شباط 2017. وقد أسفر عن تراكم الضغوط التضخمية انخفاض ملحوظ ومتسارع في تدفقات الأعمال الجديدة. ما دفع الشركات إلى إجراء تخفيضات إضافية في النشاط والمشتريات والتوظيف.

قدمت الشركات التي تم استطلاع آراءها في الفترة من 12 وحتى 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، ويبلغ إجماليها نحو 400 شركة، تقييمًا متشائمًا حول الوضع المصري. حيث انخفضت توقعات الإنتاج إلى ثالث أدنى مستوى في تاريخ السلسلة التي وضعت أول دراسة لها خلال إبريل/ نيسان 2012. وتتضمن تغطية مجالات التصنيع والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات.

اقرأ أيضًا: كيف يتضرر المواطن من انكماش القطاع الخاص للشهر العشرين؟

وسجل مؤشر مدراء المشتريات الرئيسي التابع لـ”ستاندرد أند جلوبال”، هبوطًا من 47.2 نقطة في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى 45.5 نقطة في شهر يناير/ كانون الثاني. ليسجل قراءة أدنى من المستوى المحايد 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.

يقول ديفيد أوين، كبير الباحثين الاقتصاديين بالمؤسسة، إن الانخفاض القوي في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في شهر يناير أضاف المزيد إلى توقعات التضخم القاتمة بداية عام 2023.

وأظهرت أحدث بيانات دراسة مؤشر مدراء المشتريات زيادة تكاليف المشتريات بأعلى معدل في أربع سنوات ونصف. حيث أدى انخفاض الجنيه إلى زيادة أخرى في أعباء الاستيراد، وارتفاع التكاليف لأكبر ارتفاع في أسعار البيع في الشركات غير المنتجة للنفط منذ شهر فبراير/ شباط 2017. ما يشير إلى أن التضخم قد يرتفع أكثر من 21.3% ويظل مرتفعًا طوال معظم العام.

يضيف “أوين” أيضًا أن نقص الدولار أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية بشكل كبير في مصر عام 2022 وسيظل على الأرجح مشكلة كبيرة هذا العام. وبناء عليه، انخفضت توقعات الشركات للأشهر الـ 12 القادمة إلى ثالث أدنى مستوى لها على الإطلاق. حيث تتوقع الشركات أن تؤدي المشكلات المتعلقة بالتوريد والأسعار إلى إعاقة الطلب بشكل أكبر”.

أجواء تشاؤمية تسود

في ديسمبر/ كانون الأول، سجل مؤشر “ستاندرد آند بورز” ارتفاعًا لمستوى 47.2 نقطة مقابل 45.4 نقطة خلال نوفمبر/ تشرين الثاني. وصعد المؤشر الفرعي للإنتاج إلى 44.8 نقطة من 40.8 في نوفمبر نفسه. كما ارتفع المؤشر الفرعي للطلبيات الجديدة إلى 45.5 نقطة من 41.4، حينها. لكنه ارتد مجددًا في يناير/ كانون الثاني.

أشارت قراءة يناير أيضًا إلى تدهور حاد بأحوال القطاع غير المنتج للنفط في أسرع مستوى ضمن سلسلة التراجع الحالية المستمرة منذ 26 شهرًا.

انخفضت تدفقات الطلبات الجديدة بوتيرة ملحوظة وأسرع خلال فترة الدراسة الأخيرة. (وكالات)
انخفضت تدفقات الطلبات الجديدة بوتيرة ملحوظة وأسرع خلال فترة الدراسة الأخيرة. (وكالات)

وانخفضت تدفقات الطلبات الجديدة بوتيرة ملحوظة وأسرع خلال فترة الدراسة الأخيرة. إذ أكد كثير من الشركات أن ارتفاع الأسعار حد من ميزانيات الأعمال. وكذلك انعكس التراجع في انخفاض حجم المبيعات الخارجية مرة أخرى، والتي تراجعت بأكبر معدل منذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.

وجاء التضخم مدفوعًا بالانخفاض السريع بقيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكي. ما أدى إلى تفاقم مشاكل التكلفة بالنسبة للشركات المحلية. حيث وصل تضخم أسعار المشتريات إلى أعلى مستوياته منذ شهر يوليو/ تموز 2018. وشهدت نصف الشركات التي شملتها الدراسة تقريبًا زيادة في تكاليف المشتريات منذ نهاية العام الماضي. ما أدى إلى ارتفاع قوي وسريع في النفقات الإجمالية.

الشركات ترفع أسعارها

نتيجة لذلك، رفعت الشركات أسعار منتجاتها بشكل كبير خلال شهر يناير/ كانون الثاني. مع ارتفاع معدل التضخم إلى أسرع معدل مسجل منذ ما يقرب من ست سنوات. كما شهدت تجارة الجملة والتجزئة أكبر ارتفاع في متوسط الأسعار من بين القطاعات الأربعة الكبرى “التصنيع والبناء وتجارة الجملة والخدمات”، يليها قطاع التصنيع.

أدى الارتفاع السريع في الضغوط التضخمية وتأثير ذلك على حجم الطلب، إلى انكماش حاد في الإنتاج على مستوى القطاع غير المنتج للنفط في شهر يناير/ كانون الثاني.

وذكرت بعض الشركات أن قيود الاستيراد أدت إلى مزيد من النقص في المعروض. ما أعاق النشاط التجاري، وساهم في الارتفاع المستمر بالأعمال المتراكمة، بينما اشتكى بعضها التأخير في وصول المواد اللازمة للإنتاج للشهر الثالث على التوالي.

اقرأ أيضًا: كيف دفعت قرارات “المركزي” القطاع الخاص للانكماش؟

وفي ظل تقييد المعروض من بعض مستلزمات الإنتاج وانخفاض الطلب، اتخذت الشركات إجراءات التخفيض الإضافية على النشاط الشرائي في بداية العام. وقلصت الشركات مخزونها من المشتريات للشهر الثالث على التوالي.

وكان الانخفاض الحاد في مشتريات مستلزمات الإنتاج أحد أقوى الانخفاضات المسجلة في تاريخ دراسات المؤسسة الذي يقترب من 12 عامًا.

وبالنظر إلى المستقبل، قدمت الشركات غير المنتجة للنفط تقييمًا ضعيفًا في يناير/ كانون الثاني الماضي عن الإنتاج في الأشهر الـ 12 المقبلة. حيث انخفضت التوقعات العامة إلى ثالث أدنى مستوى لها منذ 11 عامًا. فالتضخم المرتفع من المرجح أن يعيق الطلب في الأشهر المقبلة، رغم أن البعض يأمل أن تستقر أوضاع السوق.

الانعكاس على التوظيف

أثرت التوقعات الضعيفة ومستويات النشاط على التوظيف في شهر يناير/ كانون الثاني. حيث انخفض للمرة الثالثة في الأشهر الأربعة الماضية.

ومع ذلك، ارتفع متوسط تكاليف التوظيف بأسرع وتيرة منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. حيث سعت الشركات إلى زيادة الأجور في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.


مؤشرات مدراء المشتريات من أكثر الدراسات أهمية وتفضيلًا حاليًا، وهي المعتمدة لدى البنوك المركزية والأسواق المالية وصانعي القرار بمجالات الأعمال. ذلك لقدرتها على تقديم مؤشرات شهرية حديثة ودقيقة ومميزة حول اتجاهات الاقتصادات والأسواق بشكل أفضل، والكشف عن الفرص الاستثمارية.

يتم جمع بيانات المؤشر من استطلاعات الرأي لكبار المديرين التنفيذيين بشركات القطاع الخاص، ما يعطي في النهاية بيانات تشير إلى الأوضاع العامة للاقتصاد مثل الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والصادرات والتوظيف والمخزونات. وهو مؤشر مركب تم إعداده ليقدم نظرة عامة دقيقة على ظروف التشغيل في القطاع الخاص غير المنتج للنفط،