لمواجهة الفجوة في النقد الأجنبي، واستغلال مقومات البلاد السياحية لزيادة عائدات القطاع، أعلنت الحكومة في سبتمبر/ أيلول الماضي، استهدافها زيادة إيرادات السياحة إلى 30 مليار دولار خلال 3 سنوات مقبلة. وهي رؤية تفاؤلية بينما يرى متخصصون إمكانية تحققها استغلالًا للميزة التنافسية للسياحة المصرية في أعقاب تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وبالتالي انخفاض تكلفة سفر وإقامة السائح، يدفع آخرون بأن عوائقًا بنيوية وفنية تقف أمام تنفيذ هذا الطموح.
وضع السياحة المصرية
خلال الأشهر التسعة الأولى في العام (2021/ 2022)، تجاوزت إيرادات السياحة 8 مليارات دولار، بصعود ناهز 156%. لكن بيانات ميزان المدفوعات تظهر تراجعًا بالعائدات نسبته 21% على أساس ربع سنوي في الربع الأول من 2022. وهو ما يرجعه البنك المركزي إلى تأثر القطاع سلبًا بالأزمة الاقتصادية الحالية.
وحسب تصريحات سابقة لوزير السياحة أحمد عيسى، فإن السعي إلى تحقيق رقم 30 مليون سائح سنويًا من شأنه حل أزمة نقص العملة الأجنبية. وهو ما سيغلق عجز الميزان التجاري تمامًا.
لكن زيادة عوائد السياحة المصرية لا يمكن أن يتم بشعارات رسمية، رغم الجهد المبذول في اتجاه تنشيط القطاع، كما يقول محمد عثمان الخبير السياحي ومسئول السياحة الثقافية بالأقصر.
اقرأ أيضًا: “براند ثقافي”.. كنز مصر المفقود على خريطة السياحة العالمية
وهو يرى ضرورة وضع خطوة تسويقية متنوعة المقاصد مبنية على “بيانات صحيحة”. إذ لا نملك حتى الآن قواعد بيانات صحيحة، على حد قوله.
“عثمان” الذي سبق وتقدم بخطة حول تطوير القطاع لوزارة السياحة، وهي مبنية على قاعدة بيانات واضحة وجاهزة للتنفيذ، على حد قوله، يضيف أن استهداف 30 مليون سائح ليس بعيدًا. لكنه يستوجب العمل وتشكيل لجنة تضم مجموعة متخصصين لوضع دراسة علمية حول كيفية الوصول لهذا العدد.
ويحتل قطاع السياحة المرتبة الثالثة بين مصادر الدخل الأجنبي، بعد “الصادرات” وتحويلات المصريين بالخارج. إذ يحقق نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 15% من إيرادات العملات الأجنبية.
مقاعد الطيران لا تكفي
يرى الخبير السياحي محمد فاروق، رئيس لجنة السياحة الإلكترونية بغرفة شركات السياحة، أن ثمة معوقات تعطل الطموح المصري في استهداف 30 مليون سائح سنويًا؛ أبرزها “الطيران”.
يقول إن المطارات المصرية تستوعب 20 مليون راكب سنويًا. بينما لم يطرأ عليها أي تطوير منذ نحو 13 عامًا. علمًا بأن السياحة إذا أردنا النظر إلى عوامل نجاحها فتتلخص في: طائرة – فندق – وسيلة نقل. ونحن لا نملك طيرانًا مخفضًا، في حين أن دولًا شقيقة حينما قررت دخول المجال السياحي خفضت التكاليف، على حد قوله.
ومع إشارة وزير السياحة إلى ضرورة تنمية قطاع الطيران ضمن استراتيجية استهداف الـ 30 مليون سائح سنويًا، فإن “فاروق” يشير إلى شركات طيران مرخصة، ولديها قدرات تنافسية متاحة بالسوق. ويتساءل: “لماذا لا نعطيها فرصًا للمنافسة؟ وأين تحركاتها؟ وأين المساحة المخصصة لها للوصول إلى سعة استيعابية تفي بالطموح السياحي المصري”.
اقرأ أيضًا: كيف يواجه قطاع السياحة المصري تأثيرات الحرب الأوكرانية؟
وكان رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، أشار -في تصريحات سابقة– إلى إجراء تطوير شامل لمطار شرم الشيخ الدولي مما يؤهله لاستقبال أكثر من 10 ملايين سائح على مدار العام.
يتفق حسام هزاع، عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، مع الطرح القائل بضرورة تطوير المطارات، رغم إقراره بأن الطاقة الاستيعابية للمطارات المصرية جيدة.
وهو يشير إلى حاجة مصر لمزيد من المطارات، داخل وخارج القاهرة. لأن ذلك من شأنه تحقيق إقبال سياحي كبير. وأن يصل الطيران المخفض إلى الأماكن المختلفة، وليس في أماكنه المخصصة فقط، مع زيادة عدد خطوط الطيران.
ويضيف: “أن الوصول إلى رقم 30 مليون سائح يرجع إلى استراتيجية 2030. لكن المستهدف هذا العام ما بين 12 إلى 13 مليون سائح، بما يعادل 13 مليار دولار”.
وكشفت غادة شلبي، نائب وزير السياحة والآثار لشؤون السياحة، في تصريحات متلفزة سابقة، أن الوزارة تسعى لزيادة عدد المقاعد الوافدة إلى مصر، بالتنسيق مع وزير الطيران في ضوء استراتيجية “السياحة” لتحقيق عوائد بقيمة 30 مليار دولار.
أسطول نقل يتناقص
من بين المقترحات التي واكبت دعوة الخبراء، والمستثمرين للارتقاء بالقطاع السياحي كان مقترح “زيادة البنية التحتية من فنادق ومراكب ومنشآت”، وفق ما اقترحه محمد عثمان مسئول السياحة الثقافية بالأقصر. وهو يدعو إلى إعادة النظر في أسطول النقل السياحي، الذي يتضمن نحو 8 آلاف مركبة سياحية، تناقصت بنسبة تزيد على 50%.
يقول “عثمان”: “تقدمت بمقترح رسمي لاستيراد أوتوبيسات سياحية موديلات أقدم بعامين أو ثلاثة، لدعم أسطول النقل السياحي. لدينا 5 مقاصد سياحية هي على الترتيب: الأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، وشرم الشيخ، والساحل الشمالي، والقاهرة. لابد من خطة تسويقية متنوعة المقاصد، مع وجود أجندة ثقافية ثابتة، وواضحة تتضمن 10 أحداث تقام سنويًا في الأقصر وأسوان مثلًا”.
يأتي ذلك، بالتزامن مع تأكيده على جودة البنية التحتية في السنوات الأخيرة، واحتلال مصر المركز الـ 16 في قطاع الطرق. يوضح: “مشكلتنا في البنية التحتية السياحية على وجه التحديد”.
وسبق أن أطلقت الحكومة مبادرات عدة لدعم القطاع السياحي منذ جائحة كورونا؛ أبرزها مبادرة البنك المركزي لتأجيل استحقاقات البنوك لدى الشركات السياحية لمدة 3 سنوات، وللعاملين لمدة 6 أشهر، وتخفيض سعر وقود الطيران للرحلات السياحية إلى 15 سنتًا، والإعفاء من الضريبة على العقارات السياحية والفندقية، وإرجاء سداد المديونيات المستحقة على المنشآت السياحية للحكومة.
شقق فندقية
على صعيد المنشآت، تضم مصر ما يقرب من 8 آلاف منشأة سياحية مرخصة، موزعة ما بين 1200 فندق، و2200 شركة سياحية، إضافة إلى 1400 مطعم، و2200 بازار (محل هدايا وتحف)، و480 مركز غوص وأنشطة بحرية، إلى جانب 2000 موقع أثري، منها 133 مفتوحًا للزيارة، إضافة إلى أكثر من 40 متحفًا، بينها 31 يستقبل الزائرين.
وتسعى الحكومة ضمن استراتيجية “عوائد 30 مليار دولار” إلى زيادة عدد الغرف الفندقية إلى 500 ألف غرفة، وعدد المطاعم السياحية إلى 6 آلاف مطعم. بما يحقق قفزة سنوية في عدد السياح بنسبة 25% إلى 30%.
يقول حسام هزاع عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية: “لدينا نحو 175 ألف غرفة فندقية، يرتكز 75% منها في شرم الشيخ، والغردقة.. أين باقي المناطق؟!.. لماذا لا يتم تقنين أوضاع طاقة الشاليهات وآلاف الوحدات السكنية بالقرى السياحية في المناطق الأخرى، لتستخدم كوحدات فندقية بالتنسيق مع الوزارة، وتحت إشرافها؟”.
ويشير “هزاع” إلى أن السائح الخليجي قد يمتلك مسكنًا في مصر. ويتساءل: “لماذا لا تكون هناك شقق فندقية، مع توفير عنصر الأمان لها، لرفع الطاقة الاستيعابية، وتحقيق الهدف؟”.
وهو ما يتفق معه رئيس لجنة السياحة الإلكترونية بغرفة شركات السياحة محمد فاروق. يقول: “الوحدات المنتشرة في الساحل الشمالي والقرى الأخرى إذا خضعت لوزارة السياحة ستزيد عدد الوحدات الفندقية بمعدل 100 ألف وحدة”. لافتًا إلى ضرورة استثمار حاجة السائح الأوروبي إلى الإقامة شتاءً بعد أزمة الطاقة الحالية. ويضيف: “ثمة دول جوار منافسة سبقتنا في هذا الشأن، وساعدها تخصيص شقق فندقية لهذا الغرض”.
التحول لدولة سياحية.. ضرورة!
مع إقرار الخبراء بإمكانات مصر السياحية في عدة مجالات، وتنوع مقاصدها “ثقافيًا، وترفيهيًا، وشاطئيًا، وعلاجيًا، ودينيًا”، فإن الخبير السياحي محمد فاروق يعتقد في ضرورة تحول مصر من مجرد “مقصد سياحي” إلى دولة سياحية. بما يعني أن يتمكن السائح من التجول بأريحية في شتى المقاصد. وهو يرى هذا الهدف غير ممكن إلا بتدريب عميق للعاملين في الفنادق، والقطاع السياحي، وتبني حملة توعية شعبية بأهمية السياحة ودور السائح في دعم اقتصاد البلاد.
اقرأ أيضًا: قليلة الإنفاق ولكن.. لماذا عودة السياحة الروسية لمصر مهمة؟
يضيف “فاروق، في حديثه لـ”مصر360”: “لدينا مشاكل كبيرة في تقنينة الأونلاين. فالسائح لا يستطيع السائح أن يأتي من بلاده بشكل منفرد، ويستقل سيارة ما، ويتجول في البلاد.. بل لا يزال يحشر في (كبسولة) وسط فوج سياحي، يتجول معه لتوفير حدود الأمان والراحة”.
لكن الدكتورة وصال محمد أبو علم، الأستاذة بكلية السياحة بجامعة حلوان، ترى أن “إشكالية تجول السائح بأريحية تطرح تساؤلًا حول ماذا سيرى، وكيف سيتحرك؟”.
وتضيف: “لابد من طيران منخفض التكلفة أولًا، ومن بعد ذلك نتحدث في خدمة أونلاين. وهي مرتبطة بتحرك السائح في مصر بآمان دون التعرض له.. علينا الآن التركيز في توفير سبل الراحة لكي يعود إلى بلاده عازمًا على المجئ مرة أخرى، وموصيًا أصدقاءه بزيارة مصر”.
قروض القطاع الخاص
يؤكد الخبراء أيضًا -في إطار طرح استراتيجيات لتحقيق المأمول لقطاع السياحة- إلى ضرورة دعم القطاع السياحي بالقروض، التي تساعد في تحسين بنيته التحتية ومشروعاته. وهم يشيرون في مطالبتهم تلك إلى تصريحات رئيس الوزراء التي أكد فيها نصًا: “لو قطاع السياحة محتاج لبن العصفور هييجى”.
يقول حسام هزاع عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية: “لا بد من دعم القطاع السياحي الخاص والمستثمرين بقروض. لأن أهم العوائق تأتي في صعوبة الحصول على قروض بحجة أن القطاع السياحي (عالي المخاطر).. هناك فنادق أقيمت وتعثر أصحابها، ولم يستطيعوا إكمالها لهذا السبب”.
كذلك، يشير “هزاع” إلى ضرورة التسويق الجيد لمصر، عبر دراسة الأسواق في البلدان المختلفة، ومراعاة فترات الإجازات، وإقامة الحملات التنشيطية، وغزو المعارض الدولية المعنية بالقطاع.
وأنفقت الحكومة المصرية نحو 1.6 مليار جنيه (الدولار يساوي 24.7 جنيها) على الحملات الترويجية للسياحة، وبرنامج تحفيز الطيران خلال العام المالى الماضي 2021-2022.
تسهيلات للسائح والمستثمر
كذلك، يدعو “هزاع” إلى ضرورة تسهيل الحصول على التأشيرات السياحية، سواء “إلكترونيًا” أو عبر الوصول إلى المطار، وتذليل العقبات أمام السائح، والمستثمر السياحي.
ويشير “هزاع” إلى ضرورة ردع الكيانات التي تعمل “أونلاين” دون ترخيص، والتي تتورط في النصب على السائحين، مقابل تخصيص شباك واحد للمستثمر الأجنبي، حتى لا يوجه عوائق إضافية.
يأتي ذلك إلى جانب ضرورة التسويق المدروس، حيث دراسة تفضيلات البلدان المستهدفة، ووسائل الترويج المناسبة لها. وهو يلفت إلى أن دول الخليج مثلًا تهتم بمنصة “تويتر”، في حين يفضل الألمان التسويق عبر “التلفاز”، وهناك دول أخرى تفضل “فيسبوك”، و”انستجرام”، وهو ما يوجب الوصول إليها جميعًا.