34 شهرًا مرت منذ اقتادت قوات الأمن، الصحفي أحمد علام، من منزله بإحدى قرى مركز العياط التابع لمحافظة الجيزة، في إبريل/ نيسان 2020. 34 شهرًا مرت على وعود أمنية -وقت القبض عليه- بأنه سيخضع للاستجواب في بعض الأمور ثم يعود لاحقًا لأسرته.
كانت الليلة الأولى في شهر رمضان. وكان مقررًا فيها كما هي العادة أن تجتمع الأسرة ليلًا للسهر والاستمتاع بالحكايات ومشاهدة المسلسلات. لكنه لم يسهر معهم.
الصحفي والمعد التلفزيوني الذي كان من مؤسسي قناة “اكسترا نيوز” في بداية عام 2014، قال لشقيقته في آخر زيارة، إنه “مل الوعود التي لا تُنفذ، ومل الانتظار، ولم يعد يشعر بأن هناك انفراجة قريبة، رغم كل ما يٌثار من أحاديث عن الحوار الوطني بما يتضمن من عمليات إفراج عن المحبوسين”.
شقيقته إيمان التي اضطرت إلى عقد زفافها نهاية العام الماضي في غير وجوده، بعد انتظار طال لأكثر من عامين ونصف، تقول أنها لم تهنئ بيوم واحد في غياب شقيقها الذي لا تعرف لماذا يبقى في الحبس حتى اليوم، ناهيك عن فكرة حبسه من الأساس.
اقرأ أيضًا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة
تقول إيمان إنها تقدمت بطلبات بالإفراج عن شقيقها لكل الجهات المرتبطة “بقضايا المحبوسين” وحصلت من لجنة العفو على وعود كثيرة بقرب الإفراج عنه. لكن لا جديد يذكر، حتى قارب على إكمال ثلاث سنوات حبيسًا.
وتؤكد دعاء النجار، عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات بالنقابة، أن هناك قائمة بأسماء الصحفيين المحبوسين احتياطيًا تقدم بها الدكتور ضياء رشوان نقيب الصحفيين للأجهزة المختصة بالعفو الرئاسي. بينما توقعت أن يشهد ملف الصحفيين المحبوسين تحركًا قبل الانتخابات القادمة؛ في الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار المقبل، على حد قولها.
وهي انفراجة ينتظرها كثيرون، من بينهم “علّام”، الذي تقول شقيقته إنه أُصيب بخراج في الفم منذ فترة، أدى إلى حدوث مشاكل أخرى له في المعدة، نتيجة دخول الصديد إليها، في الوقت الذي لم يجد المسئولون في عيادة السجن ما يسعفونه به سوى بعض المضادات الحيوية والمسكنات، بدعوى ضعف الإمكانات. حتى تمكن نهاية العام الماضي من إجراء جراحة بمستشفى تابع لمصلحة السجون. لكن دون أن تستقر حالته حتى اليوم.
الأمل وقوائم الإفراج
بعد ظهوره في مقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، في 27 إبريل/ نيسان 2020، عرف محامو علام أن التحقيق معه شمل سؤاله عن نشاطه وعمله الإعلامي والصحفي وعلاقته بإعداد برنامج تتم إذاعته في قناة الجزيرة الوثائقية.
كما سألته النيابة عن مضمون ما جاء في تحريات الأمن الوطني حول انضمامه لجماعة إرهابية. ذلك قبل أن تأمر نيابة أمن الدولة العليا بحبسه 15 يومًا على ذمة القضية رقم 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، وتجدد حبسه منذ ذلك التاريخ مرات ومرات حتى اليوم.
تقول إيمان -الشقيقة الصغرى لأحمد- إن أصعب الأيام التي تمر على أسرتها منذ القبض عليه هي الأيام التي تسبق الإعلان عن خروج قائمة جديدة من المفرج عنهم على ذمم قضايا رأي. “أقسى اللحظات تلك التي تزامنت مع توالي الإعلان عن قوائم الإفراج المرتبطة بالدعوة لانعقاد الحوار الوطني، حين ظلت الأسرة بكاملها في حالة انتظار دون نوم، مع توتر وقلق وتفاؤل أُجهض مع كل قائمة تلت خلت من اسمه”.
ملف المحبوسين احتياطيًا
يقول مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الاشتراكي، إن ملف الإفراج عن المحبوسين يسير ببطء شديد رغم تأكيد الدوائر الرسمية -المستمر خلال المناقشات- على الرغبة في غلق ملف الحبس الاحتياطي، مشيرًا إلى تحفظات أبدتها الحركة المدنية على هذا البطء قبل المشاركة في جلسات الحوار الوطني المزمع انعقاده قريبًا.
ويشير الزاهد إلى أن تأخر الإفراج في الأشهر الأخيرة، كان نتيجة توسيع دائرة الاشتباه وتشديد القبضة الأمنية، على إثر دعوات 11/11 نهاية العام الماضي، والإصرار على إدارة الموضوع بمنطق الضربات الاستباقية، تحسبًا لحدوث أزمات اجتماعية. وهو ما تبعته ذكرى ثورة 25 يناير، فارتفعت معه أعداد المقبوض عليهم.
يضيف الزاهد، عضو الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم 12 حزبًا، أن كل الأسماء مطروحة في القوائم التي قدمتها الحركة المدنية. ومن بينهم الصحفي أحمد علام وباقي المحبوسين على ذمة قضايا الرأي والعمل العام، وكل معارض سلمي. “من حق كل بريء أن يكون خارج السجن”؛ يقول الزاهد.
وجددت إيمان علام مناشداتها السلطات المختصة سرعة الإفراج عن شقيقها، وعودته لحياته الطبيعية، مبديةً قلقها على أوضاعه الصحية داخل محبسه، في ظل تلقي الأسرة أنباء عن معاناته من مشاكل صحية، مؤكدة أنه لم يرتكب أي جريمة يستحق عليها كل هذه المعاناة.
اقرأ أيضًا: “معاناة ما بعد السجن”.. باحثون عن الحياة يروون تجاربهم مع العمل بعد الحبس الاحتياطي
من هو أحمد علام؟
عمل علام البالغ من العمر 35 عامًا صحفيًا ومعد تلفزيوني في العديد من المؤسسات الصحفية والإعلامية، من بينها “المصري اليوم” و”الأخبار” و”السفير” اللبنانيتين، وموقع “الغد”، وجريدة “الكرامة”. كما أسس موقع “بوسطجي”، المعني بنقل مشاهدات حية للتفاعلات الاجتماعية السائدة في مناطق عدّة حول العالم، ونشر قصصًا تعكس طبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية في القطرين المصري والعربي.
وعلام ضمن عدد من الصحفيين يخضعون للحبس الاحتياطي أمام محاكم أمن الدولة العليا، خارج إطار القانون بالمخالفة لنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي وضعت حدًا أقصى للحبس الاحتياطي، وحددته بـ 18 شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام؛ وذلك كما في حالة أحمد علام.
يواجه علام اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي رغم ميوله اليسارية، وانتقاداته المعروفة لسياسات جماعات الإسلام السياسي.
المحامي نبيه الجنادي، الذي حضر جلسة التحقيق مع علام، قال في تصريحات سابقة، لم يتم ضبط أي أحراز بحوزة علام، وعلى الرغم من اتهامه بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن هناك أي مطبوعات لمنشوراته على “فيسبوك”، كما أن وكيل النيابة لم يفحص حسابه من الأساس.