في سبتمبر/ أيلول 2020، عندما وقعت البحرين -رفقة الإمارات- على “الاتفاق الإبراهيمي” للتطبيع رسميًا مع إسرائيل، كانت تلك الخطوة الأولى للتقارب الإسرائيلي مع المملكة العربية السعودية؛ سعيًا لتوقيع اتفاقية مماثلة مستقبلًا. إذ أعطت الرياض الضوء الأخضر للبحرين، حيث تتمتع بنفوذ حاسم، للانضمام إلى الاتفاقية.

أواخر العام ذاته، أفادت تقارير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد حينها يوسي كوهين، إلى جانب مسئولين إسرائيليين آخرين ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو، زاروا مدينة “نيوم” المطلة على البحر الأحمر للقاء ولي العهد، محمد بن سلمان، في أول لقاء رفيع المستوى معروف بين زعيم إسرائيلي وسعودي.

ومنذ ذلك الحين، كان البحر الأحمر هو بوابة التطبيع السعودي الإسرائيلي، عبر مشاريع استثمارية منتظرة وأخرى سياحية، ضمن خطة المملكة الطموحة للتنويع الاقتصادي في عالم ما بعد النفط. وعبر جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، اللتين تم المصادقة على تسليمهما للسعودية وفق معاهدة رسمية ولكن لم تتم إجراءات النقل الفعلي حتى الآن. وهما ممر آمن للسفن العسكرية والمدنية الإسرائيلية وبوابة الوصول للبحار المفتوحة.

عودة نتنياهو

منذ عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ضمن حكومة يمينية متطرفة غير مسبوقة، وهو يعبّر علنًا عن رغبته في توقيع اتفاق مع السعودية. وقد برر ذلك بأنه “عندما ينتهي الصراع العربي الإسرائيلي بشكل فعال، أعتقد أننا سنعود إلى الفلسطينيين ونحصل على سلام عملي معهم”.

“لقد درت من حولهم (الفلسطينيين)، وذهبت مباشرة إلى الدول العربية وصغت مفهوما جديدا للسلام.. لقد أقمت أربع اتفاقيات سلام تاريخية، وهو ضعف عدد اتفاقيات السلام التي سبق أن أبرمها كل من سبقوني في 70 عامًا”، هكذا قال “بيبي” الذي يشغل منصبه للولاية السادسة.

وأضاف في تصريحات أخرى عن المسار مع السعودية بأن الأمر “بالطبع يعتمد على السعوديين… نعتقد بوضوح أن هذا الشيء يمكن أن يحدث تغييرات تاريخية ضخمة”. وقد كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية -نهاية 2022- أن نتنياهو، مستعد لتعليق خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية مقابل صفقة تطبيع مع السعودية. وهو مسار مشابه لما تم الاتفاق عليه مع الإمارات لتوقيع الاتفاقية. ولكن لم يلتزم به نتنياهو في النهاية.

وأظهر رئيس وزراء حكومة الاحتلال رغبته مجددًا خلال لقائه مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، الشهر الماضي، حينما استكشف مع الجانب الأمريكي فرص تحقيق انفراجة دبلوماسية مع المملكة السعودية. كذلك، ناقش الجانبان الخطوات المقبلة لتعميق “اتفاقات ابراهام”، و”توسيع دائرة السلام مع التركيز على المملكة العربية السعودية”.

اقرأ أيضًا: هل يتحول “الزواج العرفي” بين السعودية وإسرائيل إلى “وثيقة شرعية”؟

في المقابل، أكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن بلاده لن تُطبّع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية. وأوضح في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية السعودية -الشهر الماضي- عبر حسابها على تويتر “التطبيع والاستقرار الحقيقي لن يأتي إلا بإعطاء الفلسطينيين الأمل من خلال منحهم الكرامة وهذا يتطلب منحهم دولة”.

ومع ذلك، فإن الخطوات الفعلية تكشف تطبيعًا يجري على الأرض بين الطرفين، وإن كانت المملكة تتأنى في مسار اتفاقية رسمية، نظرًا لحساسية وضعها في العالم الإسلامي، وكذلك كونها صاحبة مبادرة السلام العربية والتي هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.

وقد قال ولي العهد السعودي في مارس/آذار الماضي: “نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، فنحن ننظر إليهم كحليف محتمل، ولديهم العديد من المصالح التي يمكننا متابعتها معًا… لكن علينا حل بعض القضايا قبل أن نصل إلى ذلك”.

مدخل تيران وصنافير

في صيف العام الماضي وقبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة، وافقت حكومة يائير لابيد ونفتالي بينيت الإسرائيلية على معايير اتفاق حول الجزيرتين الاستراتيجيتين على البحر الأحمر ما يمهد الطريق للسعودية لاتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

كانت الولايات المتحدة تتفاوض بشأنها بهدوء لأشهر. وأتاحت الصفقة إبرام اتفاقية منفصلة مع السعودية تسمح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي للرحلات الجوية المتجهة شرقًا إلى الهند والصين، فضلاً عن السماح برحلات طيران مباشرة من إسرائيل إلى المملكة للحجاج المسلمين -من فلسطينيي 48- الذين يرغبون في زيارة مكة والمدينة.

وتشمل الصفقة نقل قوات متعددة الأطراف من المراقبين الأجانب في تيران وصنافير إلى مواقع جديدة في شبه جزيرة سيناء. بجانب تركيب كاميرات لمراقبة النشاط في الجزر ومضيق تيران، بحسب ما كشف موقع “أكسيوس” حينها.

كجزء من الصفقة، ستتعهد السعودية للولايات المتحدة بأنها ستلتزم بالالتزامات الواردة في اتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية لعام 1979، وخاصة الحفاظ على حرية الملاحة في مضيق تيران للسفن الإسرائيلية.

لاحقًا، نقل “أكسيوس” عن مصادر إسرائيلية قولهم إن مصر أظهرت تحفظات ذات طبيعة فنية، بما في ذلك المتعلقة بتركيب كاميرات مراقبة بالجزر وهو ما ورد ضمن اتفاقية نقل الجزيرتين على أن تراقب القوات متعددة الجنسيات الوضع بهما من داخل شبه جزيرة سيناء عبر تلك الكاميرات. وأدعت المصادر أن مصر تعطل تنفيذ الصفقة بسبب خلافات حول المساعدات العسكرية الأمريكية للقاهرة. وتبعها توتر في العلاقات بين القاهرة والرياض.

السياحة الإسرائيلية

رغم تعطيل الصفقة، إلا أنه يُرجح أنها مسألة وقت ليس أكثر حتى يتم إتمامها. ويشير إلى ذلك تخطيط السعوديين لتحويل تيران وصنافير إلى وجهات سياحية مزدحمة بالفنادق والكازينوهات، بما فيها بناء جسر يربط الجزيرتين بمصر.

ونهاية الشهر الماضي، قالت مصادر مطلعة على الأمر -لصحيفة “جلوبس” الإسرائيلية- إن السعودية ستسمح للإسرائيليين بقضاء عطلاتهم على الجزيرتين. وتتمثل الرؤية بعيدة المدى لولي العهد السعودي في تطوير بلاده وفتحها على العالم بما في ذلك المشاريع السياحية الضخمة على طول ساحل البحر الأحمر وصولاً إلى خليج إيلات، وفق التقرير.

استؤنفت المحادثات بين الجانبين حول الفوائد التي تعود على السياح الإسرائيليين، مع إعادة انتخاب نتنياهو. وسيتمكن حاملو جوازات السفر الإسرائيلية الذين يدخلون مصر من مطار طابا أو شرم الشيخ، من قضاء بعض الوقت في الفنادق والكازينوهات التي تديرها الشركات السعودية على الجزيرتين.

وقالت مصادر سياسية مطلعة للصحيفة إن فتح تيران وصنافير أمام السياح الإسرائيليين يشير إلى رغبة السعودية في تعزيز خطوات الاقتراب من إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية ستتحقق تدريجيًا وبطرق ليس لها أهمية سياسية بعيدة المدى.

وأضافت المصادر أن التطبيع “سيكون بوتيرة بطيئة، مع المزيد من الخطوات الإضافية التي ستقرب الدول من بعضها البعض. لكن الاختراق الحقيقي لم يحدث بعد. الأمور بحاجة إلى التهدئة قليلاً، وسنرى أين هي حكومة نتنياهو. لكن في النهاية من مصلحة كل الدول المعنية التوصل لاتفاق كامل”.

سائحون في أحد شواطئ خليج العقبة في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، مصر، 12 يوليو/ تموز 2018. (وكالات)
سائحون في أحد شواطئ خليج العقبة في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، مصر، 12 يوليو/ تموز 2018. (وكالات)

مدينة نيوم كقبلة استثمارات

خلال الأعوام الماضية، سافر عشرات رجال ورواد الأعمال إلى المملكة بجوازات سفر إسرائيلية بتأشيرات دخول خاصة لإجراء محادثات حول الصفقات والاستثمارات. وذكرت تقارير أنه تم منذ ذلك الحين توقيع عدد من الاتفاقيات، في القطاعين المدني والدفاعي، بين الإسرائيليين والسعوديين في دول أوروبية ودول أخرى، بما في ذلك صفقة بملايين الدولارات في قطاع التكنولوجيا الزراعية وصفقة ثانية لحلول تكنولوجيا المياه الإسرائيلية.

رافق ذلك تقارير تحدثت عن أن المملكة تخطط لتخصيص ملايين الدولارات للاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية عبر شركة الأسهم الخاصة الجديدة التي يملكها جاريد كوشنر. والتي أسسها صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره السابق، “أفينيتي بارتنرز” في أواخر 2021. وجمع حتى منتصف العام الماضي حوالي 3 مليارات دولار من التمويل أغلبها أموال سعودية.

زار رجال الأعمال الإسرائيليون كذلك مدينة “نيوم” على البحر الأحمر حيث تمتلك المملكة خططًا كبيرة لدمج تقنيات المدن الذكية التي يمكن أن تشمل الحلول الإسرائيلية. والمدينة هي جزء من رؤية السعودية لعام 2030، وهي “مخطط وطني للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.

يقول مركز “كارنيجي” لدراسات الشرق الأوسط إن العلاقات مع إسرائيل ضرورية للسعودية من أجل إنجاز مشروع “نيوم”. ولا يمكن أن تزدهر المدينة في غياب اتفاق مع إسرائيل. ويضيف أن سياسة محمد بن سلمان الخارجية مرتبطة ارتباطًا شديدًا برؤيته الاقتصادية والاجتماعية.

اقرأ أيضًا: “بن سلمان” والعرش: طريق الأمير الشاب لحكم السعودية يمر عبر إسرائيل

“مشروع نيوم هو مثال على المشاريع الضخمة المختلفة في السعودية. ويمنح زخمًا لجهود المملكة الدبلوماسية. تسعى الحكومة إلى تحسين صورتها وتعزيز فرص الأعمال من خلال هذا المشروع. وبما أن محمد بن سلمان هو وريث العرش، فغالب الظن أننا سنشهد على استخدام متزايد لدبلوماسية نيوم”، يوضح المركز.

خريطة مشروع نيوم
خريطة مشروع نيوم

بينما يشير تحليل لمعهد الدول الخليجية بواشنطن، إلى “القرب الجغرافي لإسرائيل من المشروع العملاق، وهو اتجاه إقليمي يدعم تطبيع العلاقات في نهاية المطاف، وبراعة إسرائيل التكنولوجية وريادة الأعمال، يشير إلى تنامي الروابط بين نيوم وإسرائيل”.

مسئول سعودي رفيع المستوى معني بالمسألة قال لموقع “المونيتور“، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن هناك زيادة في عدد الطلبات المقدمة من رجال الأعمال السعوديين للحصول على تأشيرات دخول للإسرائيليين.

وأضاف أن الاهتمام والتعطش للمعرفة بالتقنيات الإسرائيلية يتزايدان بسرعة. “هناك اجتماعات بين رجال الأعمال من الجانبين تجري أيضا في دبي وأبو ظبي في الإمارات وكذلك المنامة عاصمة البحرين. الحكومة هنا ترى الإمكانات، وهذا يتناسب مع الخطط والإصلاحات الكبيرة التي قدمها ولي العهد”.

غاز إسرائيلي للمملكة؟

تزعم صحيفة “جلوبس” الإسرائيلية أن مصر تخطط لبناء خط أنابيب غاز سيمر عبر خليج إيلات بإسرائيل إلى السعودية. وأن الغاز الذي سيباع للسعوديين سيكون من مصادر إسرائيلية.

وقال التقرير “من بين المشاريع المطروحة على جدول الأعمال تحرك ثلاثي لتزويد السعودية بالغاز الإسرائيلي والمصري. السعوديون قوة طاقة، لكنهم يعتمدون بشكل أساسي على النفط. ومع ذلك، من أجل تحقيق رؤية محمد بن سلمان، والتي تتضمن إنشاء مدينة نيوم المبتكرة ومشاريع سياحية على طول ساحل البحر الأحمر بالقرب من إيلات، يحتاج السعوديون إلى إمدادات كهرباء على نطاق واسع”.

وتضيف “على الرغم من أن هذه الخطوة لا تزال في مهدها… فإن المبادرة الجديدة تظهر أيضًا دفء العلاقات الاقتصادية بين البلدين”.

بجانب ذلك، جرى مد كابل بيانات عالي السرعة تحت مياه البحر الأحمر، ليربط لأول مرة إسرائيل بالمملكة السعودية. الرابط، الذي يعد جزءًا من كبلين بحريين أطول يمتد على طول الطريق من فرنسا إلى الهند، لا يعد فقط بتحسين السرعة وخفض التكلفة التي يمكن أن تنتقل بها المعلومات بين أوروبا وآسيا. بل أنه “يربط تحالفًا إقليميًا جديدًا بين إسرائيل ودول الخليج التي كانت تعتبرها ذات يوم عدوًا”، بحسب “الإيكونومست“.

لكن مؤسسة “المجلس الأطلنطي” البحثية ترى أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان رئيس الوزراء نتنياهو سيتمكن من قيادة ائتلافه الجامح في الاتجاه الصحيح. “في حين أنه مهتم بالوصول إلى مدينة نيوم، على شواطئ البحر الأحمر، فإن وزرائه يفضلون بناء مستوطنة أخرى في الضفة الغربية”.

من الحقائق المعروفة -بحسب المركز- أن الإمكانات الاقتصادية للتعاون بين إسرائيل والسعودية هائلة. علاوة على ذلك، ينظر ولي العهد محمد بن سلمان إلى إسرائيل من منظور أكثر إيجابية من أسلافه. ومع ذلك، يواصل السعوديون الإشارة إلى أن “الصفقة الكبرى” ستتطلب تغييرًا في السياسة الإسرائيلية الحالية.