أثيرت في الآونة الأخيرة قضية الزيادة السكانية كأحد مواضيع المحور الاجتماعي للحوار الوطني. وانطلقت رؤية الحكومة والمؤيدين لها، بوصف هذه الزيادة عقبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتطرح المشكلة السكانية أسئلة عدة، حول كيف يمكن للسياسات السكانية احترام حقوق الإنسان، وتحقيق مجتمعات عادلة في الوقت نفسه. وهل يمكن طرح سياسات سكانية تعالج مواطن الخلل.

وفي سياق متصل، طُرحت الزيادات السكانية على طاولة المناقشات المتعلقة بالتغيرات المناخية، وتأثيرها على الغذاء الكافي والماء والمأوى. ووفقًا لرؤى البعض، فإن كل هذه الحقوق قد تكون مهددة بسبب الزيادة السكانية، ويمكن أن يصبح تأمينها مستحيلًا مع التكاثر والتناسل المنفلت من عقاله. لذا قد يكون وضع ضوابط وتنظيم الحقوق الإنجابية ضَرُورِيًّا لتأمين مستقبل أكثر أمانا للبشرية.

السياسات السكانية والصحة الإنجابية

في العام 1968 وخلال انعقاد مؤتمر دولي في طهران، أعلنت الأمم المتحدة أن “للأزواج حقًا إنسانيًا أساسيًا في أن يقرروا بحرية ومسئولية عدد أطفالهم والمباعدة بين الولادات”. كما شددت على ضرورة أن تولي السياسات السكانية للدول الاعتبار للاختيار الحر في تحديد عدد أفراد الأسرة.

وعلى صعيد محلي، أحرزت مصر تقدمًا هَامًّا في ضمان الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية على نطاق واسع. هذا بالإضافة إلى الحد من وفيات الأمهات، وتحسين صحة المرأة والطفل. حيث تُظهر الأرقام انخفاضًا بوفيات الأمهات، ووصلت النسبة إلى 46 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية. وهو ما يوضح -بحسب كثيرين- أن سياسات الحكومة ملتزمة بمواصلة الاستثمار في صحة الأم والطفل من أجل مزيد من انخفاض معدل الوفيات.

لكن من الملاحظ أيضًا أن هناك انخفاضًا بمعدلات الإنجاب بصفة عامة. لذا فإن الزيادة السكانية في الواقع ليست ناتجة عن الزيادة في المواليد. وإنما نتيجة التراجع في معدلات الوفاة بتحسين الرعاية الصحية المقدمة. بالإضافة إلى عدم استهداف الشريحة الأعلى للسكان من الشباب (62%) في برامج تنظيم الأسرة.

مصر 151 مليون نسمة في 2050

شهد عدد السكان في مصر زيادة كبيرة خلال العقد الماضي. وبحسب إحصائية عام 2022، وصل عدد السكان إلى نحو 102 مليون نسمة، مقارنة بإجمالي 89.2 مليونًا في عام 2011. لتكون مصر فى المرتبة الثالث عشر بين دول العالم فى عدد السكان.

هذه الزيادات تسبب ضغطًا شديد على الموارد المحدودة. خاصة وأن 97% من السكان يعيشون على 7.8% من المساحة. الأمر الذي يهدد جهود التنمية، ونوعية الحياة والخدمات الأساسية من تعليم وصحة وإسكان ومياه، في ظل نسبة زيادة تبلغ  2.4 في المائة سَنَوِيًّا.

تشير التوقعات السكانية الأخيرة لشعبة السكان في الأمم المتحدة، إلى أن عدد سكان مصر قد يصل -بناءً على السيناريو المتوسط- إلى 151 مليونًا بحلول عام 2050. ما سيكون له تأثير كبير على الموارد الطبيعية، وخاصة المياه والطاقة.

وتترك هذه الزيادة آثارًا خطيرة على الأمن الغذائي ومعدلات الفقر والاستقرار الاجتماعي. ومن غير المحتمل أن تستفيد الدولة من عائدها الديموجرافي “السكاني” إذا لم تنخفض مستويات الخصوبة في السنوات القليلة المقبلة، مع باقي العوامل السابقة.

ارتفاع في معدلات الفقر

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، زادت معدلات الفقر للأسر والأفراد من 22.5 % في 2017/ 2018 إلى 29.7% لعام 2019/ 2020. وهي الأعلى في المناطق الريفية بصعيد مصر، ومرتبطة بأحجام العائلات كمعيار في العديد من المناطق الريفية، خاصة الفقيرة منها، وضمن أسبابها المساعدة في العمل، ذلك إلى جانب الضغوط الثقافية والتفسيرات الدينية.

كما تشير نتائج المسح الصحي 2021 إلى أن معدل الإنجاب الكلي -لفترة الثلاث سنوات السابقة على إجراء المسح- قد وصل إلى 2.85 طفل لكل سيدة، والذي يمثل انخفاضًا عن المستوى الذي تم رصده في سنة 2014 بحوالي 0.7 طفل. وقد بلغ المعدل 3.5 طفل لكل سيدة في المسح السكاني الصحي 2014.

العائد الديموجرافي

يفرض النمو السكاني السريع في مصر ضغوطًا على اقتصاد البلاد وبيئتها ويهدد صحة ورفاهية المواطنين. وتترتب عليه تحديات في توفير الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك السكن اللائق والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والوظائف.

ومع ذلك، يمكن أن تترجم زيادة عدد الشباب الملحوظة ضمن الهرم السكاني إلى تحديات أو فرص، اعتمادًا على الاستثمارات التي تتم في هذه المجموعة. يقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن “البلد الذي لديه عدد متزايد من الشباب ومعدل خصوبة متراجع، لديه إمكانية جني ثمار العائد الديموجرافي”.

وتبلغ معدلات الخصوبة في مصر حوالي 2.85 حاليًا، نتيجة لتوجه الدولة إلى وضع برامج ورسم سياسات تخص الصحة الإنجابية. لكنها جميعًا وسائل قسرية تهدف إلى إقناع الأسر بإنجاب أقل، والتركيز ضمنيًا بشكل أكبر على النساء.

النساء متلقيات

خلال 2019، ناقش البرلمان قانونًا لتنظيم الأسرة للتخفيف من الزيادة السكانية، اعتمد على تقديم الحوافز الاجتماعية والاقتصادية للآباء والأمهات الذين لديهم طفلان.

وتواجه مصر الزيادة السكانية داخل سياسات التعليم بوضع مفاهيم حول الصحة الإنجابية داخل المناهج، تهدف إلى توعية الطلاب بالحق في اتخاذ القرار المناسب فيما يتعلق بالإنجاب. لكنها تدخل ضمن الأنشطة التربوية والتي عادة لا يهتم بها القائمون على عملية التدريس.

أطلقت مصر في 2018 حملة “اثنين كفاية” بهدف خفض معدل الخصوبة الإجمالي إلى 2.4، وبالتوازي أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان بالشراكة مع قطاع تنظيم الأسرة التابع لوزارة الصحة والسكان والاتحاد الأوروبي حملة مستمرة بعنوان “حقك تنظمين”، الذي يقدم خدمات الاستشارة الأسرية ويوزع وسائل منع الحمل.

وعلى الرغم من اختلاف الخطاب في كلتا الحملتين، فإنهما اشتركتا في التركيز على النساء. في الحملة الأولى تفرض الدولة قواعد تنظيمية على حجم الأسرة. فيما تقوم الوكالات الدولية في الحملة الأخيرة بتصميم برنامج يضمن ظَاهِرِيًّا حقوق المرأة في مجال الصحة الإنجابية، ودور المرأة فيهما يتمثل في كونها متلقية لرسائل التوعية، وليس كصانعة قرار فاعلة. تم خلال حملات الصحة الإنجابية، استخدام المخاوف المتعلقة بالنمو السكاني لتبرير الانتهاكات للحقوق الإنجابية.

في الوقت الذي تطلق فيه الدولة حملات وبرامج الصحة الإنجابية، لا يزال هناك تجريمًا لعمليات الإجهاض قانونيًا إلا في حالات فردية بعينها أو بفتوى. وهو ما يمثل زيادة للمعاناة. حيث تلجأ الفتيات والنساء إلى الإجهاض غير القانوني غير الآمن أو يواجهن مخاطر أكبر لوفيات الأمهات بسبب الحمل غير المقصود.

حلول سكانية

رغم حملات الصحة الإنجابية، وتشجيع تنظيم الأسرة، إلا أن هناك تحديات عدة للوصول للصحة الإنجابية، منها نقص في موانع الحمل، وفقر وعادات ثقافية وعدم شمول خدمات الصحة الإنجابية.

ومن المهم إزالة الحواجز التي تحول دون إشراك النساء في القرارات الإنجابية وفي الحملات المتعلقة بالصحة والسياسات السكانية، هذا إلى جانب الحد من الزواج المبكر.

وقد اتجهت سياسات الدولة مؤخرًا إلى التأكيد على الأهداف السكانية في برامج التحويلات النقدية المشروطة “المقصود برامج التضامن الاجتماعي مثل تكافل وكرامة” كوسيلة لتعزيز التحول الاجتماعي وتحسين نوعية الحياة. لكن تبقى ضرورة أن يزداد الوعي لدى الأفراد بخصوص حقوقهم الإنجابية والتي لا تتعارض مع توجهات الدولة. ذلك مع ضمان الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، والصحة الإنجابية، والتصدي لزواج الأطفال، مع دمج الصحة الجنسية والإنجابية للشباب في النظام الصحي والتعليمي.