كان (م . ك) يبكي دون أن يرافقه الخجل، إذ أننا في مجتمعاتنا الشرقية نبخل على الرجل أن يبكي، لكنه كان يبكي دون الالتفات لأحد، بل والأصعب أنه كان يبكي لأنه يُحب، يتألم من افتقادهم، ويوجعه إنكارها لمشاعره، وتهديدات البُعد، تختلط الكلمات المبحوحة بمرارة الدمع، وحرقة الكرامة المُهدرة على عتبات البوح، بينما أترك له كامل الوقت ليعبر عما يشعر به، دون خجل ليتحرر من ألمه ويقف مجددًا.

عند لحظات الوجع تبدو كل النصائح ماسخة، أشبه بشخص يقف في شرفته ويوجه أحدهم لعبور بركة مياه في الشارع البعيد عن الناصح، فهو لا يعرف حجمها الحقيقي أو عمقها، بينما تبدو الأزمة الحقيقية أن أي منا يدخل علاقة الحب منزوع الخبرات، متجردًا من كل مهاراته، وكأنه ولد للتو.

مثل تجارب القيادة الأولى عليك أن تعرف أنك كلما تركت مسافة بينك وبين السيارة التي أمامك كلما دعمت مساحة الأمان لك، وضمنت فرص التراجع والوقوف الاضطراري دون خسائر حقيقية أو فادحة، في القيادة الأخطاء ليست أخطاءك وحدك في الأغلب أخطاء الآخرين لكنك تدفع ثمنها، القيادة لا تختلف عن الحب، فكلاهما تحتاج من صاحبهما أن يكون ذو تركيز حقيقي وأن ينتبه بجدية لما حوله.

فقبل أن تبدأ الحب هناك تساؤلات عليك أن تصارح نفسك بها، هل أنت بحاجة إلى الحب؟ هل تحب الحب أم أن الحب مجرد مشاعر تربطك بآخر؟

وهناك فارق كبير بأن تبدأ علاقة حب لأنك بحاجة أن تحب، وأن تبدأ علاقة حب مع شخص قررتما أن الحب هو السياق المناسب لكما.

والسؤال الدائم هل هذا الشخص الذي تُسميه حبيب يناسبك أم لا؟

بينما الحب شرارة تشتعل فلا نعرف بأي اتجاه تُضرم النيران، فالمؤكد أن المُحب يفرح ويتعذب، وبين الفرح والعذاب هناك مفقودات وضحايا.

لا تُحتمل الحياة بغير الحب، فهو ذلك الاستثمار الذي يحقق نتائجه، ولكننا دومًا بحاجة إلى الوعي بحقيقة الملابسات التي تؤدي إلى الوقوع في الحب.

الوقوع في الحب جملة دالة وكاشفة، إذ أن الوقوع أو السقوط دومًا يكون من الأعلى إلى الأدنى، وليس العكس، إن هذه الجملة كاشفة لما نُخفيه بأننا حين نسقط في الحب نصير أضعف وأرق وأكثر عُرضة للكسر، فكيف نحتمي من ضعف نفوسنا؟

الحب كقوة مكتسبة

صعب أن نقول لأحدهم احترس من الوقوع في الحب، فأول شروط الحب هو أن يأتي فجأة، أنت لا تنتبه إلا وأنت تُحب، ولذلك فإن المُحب يجد نفسه محاطًا بأسوار عالية تغلق عليه الرؤية، فلا يرى غير من يُحب، ولذا فإن عمى يُصيب الانسان عندما يُحب، وهذه أو ضربات الوجع، لأن هذا العمى يقلل من الحذر، بل أنه يجعل المحب غير حذر تجاه المفاجآت والكشف.

المفترض أن الحب طاقة إيجابية، محرك نحو الأفضل، صحيح أننا نسقط في الحب، لكن السعادة التي تتحقق في هذه العلاقة تصنع لنا أجنحتها لنتحرر ونحلق عاليًا، فلنترك السقوط جانبًا لنُفكر في السعادة المكتسبة، وطاقة الحب التي تدفع صاحبه ليتحسن ويكون في أفضل صوره، ليست فقط من قبيل المظهر ولكن أيضًا أن تتحقق شروط تطور المُحب بأن يخطو خطوات نحو تحسين نفسه ومهاراته، فليس من المفترض أن يصبح الحب معرقلًا، أو يمنعك من إجادة عملك، أو تطوير شخصيتك، وعندما تجد نفسك في وضع سيء أعرف أنك سقطت فقط، وعليك أن تستعيد توازنك لتخرج من الحفرة المسماة بالحب.

الحب بأقل الخسائر

لا يرى المحب أي خسارة وهو في بدايات سقوطه، إذا أنه لا يهتم بما يدور من حوله، بينما المشاعر التي تفاجئه تسبب له دوارًا يربكه، وإذا كانت حالات الوقوع في الحب تصنع بهجة وحالة من التخدير الممتع لأصحابه، فإن الانتباه ضرورة، وترك مسافات بينك وبين من تُحب من الضوابط الهامة لتضمن سلامتك، فهل فاجئ أحدكم دوارًا في أثناء سيره في طريق عام؟ إذا تعرضت للإغماء في طريق فإنك عُرضة لكل شيء، أن تكون عسر الحظ فتجد من يسرقك، أو يؤذيك، أو يهملك، وربما كنت حسن الحظ فوجدت من يعتني بك وهذا قليل، والوقوع في الحب لا يختلف كثيرًا عن اغماء يفاجئك، ولهذا عندما تقع في الحب حاول أن تستند إلى ذكرياتك السابقة، الخبرات السيئة التي سمعتها أو عرفتها من غيرك، ضع النهايات الموجعة طرفًا في أفكارك، وليس هذا رأي سلبي، ولكنها محاولات لتقليل الاندفاع نحو الهوة، التفكير في أن الطرف الآخر ليس ملاكًا، وأن هناك عيوبًا لم نرها، ولن نرها لفترة سيجعل المحب مستعدًا لمفاجآت أخرى.

ضع عوائق وعراقيل أمام نفسك، فكر لأبعد من اللحظة الجميلة التي تشعر بها، نظف أذنك واستمع لرفاقك، فربما كانت هناك أراء سوف تصدقها لاحقًا، إن الحل الذي نقوم به أمام الفيضان حتى لا يتسبب في خسارات، ان نصنع امامه سدودًا، ومثل هذه النصائح لا تبتغي الوقوف أمام الحب وفيضه، ولكنها محاولات للاستمتاع بحقيقة الحب، والبعد عن أوجاعه وما يمكن ان يتسبب فيه من انكسارات.

كم من شرارة اشتعلت في غير موضعها فخلفت حريقًا أتى على كل شيء، فالحب ليس مجرد لحظة ولكنه مسار لطريق ممهد من المفترض أن يقود صاحبيه لحياة ناجحة مستقرة، وليس مجرد لقاءات عابرة ومشاعر متأججة سرعان ما تنطفئ عندما تدخل المسئولية إلى العلاقة كمنهج حقيقي.