استقبلت السودان وفدا من 6 مبعوثين يضم المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي مايك هامر، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي آنيت ويبر والمبعوث الفرنسي الخاص للاتحاد الإفريقي فريدريك كلافيه، ومسئول القرن الإفريقي في الخارجية الألمانية تورستن هوتر، والمبعوث البريطاني للقرن الإفريقي والبحر الأحمر سارة مونتجمري، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان جون جونسون. الزيارة تعكس جدية الحضور الغربي الرامي إلى دفع العملية السياسية في السودان، ودعم الاتفاق الإطاري، بالتوازي مع جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي استقبلته الخرطوم أيضا، ما يشير إلى وتيرة التجاذب الدولي الذي تشهده السودان في الفترة الراهنة.
المشهد السياسي الراهن في الخرطوم
تأتي الزيارة عقب توقيع ممثلي القوى والأحزاب السياسية في السودان وثيقة توافق السياسي من أجل تسوية الاتفاق الإطاري، كما صرح رئيس حزب الأمة مبارك المهدي: “الخطوة التالية هي الجلوس مع المكون العسكري والرباعية الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) والوسطاء لمناقشة عملية تشكيل الحكومة.”
أسفرت جولة الحوار السوداني في القاهرة عن توقيع ممثلي القوى والأحزاب السياسية السودانية وثيقة توافق سياسي لتشكل خارطة طريق المرحلة القادمة، وتمثلت الكتل السياسية المشاركة في الكتلة الديمقراطية للحرية والتغيير، وكتلة التوافق الوطني، وكتلة الحركة الوطنية، وكتلة القوى الوطنية، والجبهة الثورية، والمجلس الأعلى للبجا والهيئات المستقلة (شرق السودان)، إلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني وبعض لجان المقاومة، كما حضر الورشة عدة دبلوماسيين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وجنوب السودان وجامعة الدول العربية.
ونص البيان الختامي على اعتماد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/ آب 2019 والمعدلة في 2020 بتعديلات تتوافق مع المتطلبات الحالية لحكم ما تبقى من الفترة الانتقالية، والتركيز على تكوين سلطة مدنية تستأنف عملية الانتقال للوصول إلى الانتخابات، وتكوين حكومة منتخبة من غير العاملين بالأحزاب، والاتفاق على إجراء الانتخابات في فترة أقصاها عامين من تاريخ تعيين رئيس الوزراء.
وكذلك جرى الاتفاق على التزام الجيش بدوره العسكري وعدم تدخله في الشأن السياسي، كما أكد المشاركون الالتزام بتنفيذ اتفاق سلام جوبا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتهيئة الظروف لإقرار السلام من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المناطق الفقيرة لضمان تحقيق الأمن والاستقرار.
وفيما يتعلق بأزمة شرق السودان، ركز البيان على ضرورة حلحلة المشاكل بواسطة منبر تفاوضي متفق عليه ومقبول لأهل الشرق، وعن اضطراب الأحوال الأمنية، نص الاتفاق على ضرورة الإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية وفق خطة إصلاح أمني وعسكري تقود إلى جيش وطني واحد، بما ييضمن دمج قوات الدعم السريع وقوات حركات الكفاح المسلح في القوات المسلحة من خلال خطة متزامنة ومنتظمة.
ولمعالجة إشكالية العدالة الانتقالية التي تعتبر بمثابة عثرة رئيسية أمام تسوية الاتفاق الإطاري، اتفق المشاركون على تضمين مبدأي المسؤولية والمحاسبة، كما أكدوا حتمية تفكيك بقايا نظام 30 يونيو/حزيران 1989م، إضافة إلى التركيز على تفعيل دور الشباب اقتصاديا واجتماعيا من خلال إنشاء مفوضية للشباب تضطلع بتمويل مشاريع الشباب، وتخفيف معدلات البطالة.
كما جرى التنسيق بشأن تشكيل “تنسيقية القوى الوطنية الديموقراطية” كهيكل جامع لكل الكتل والمكونات المشاركة للقيام بمهمة التواصل مع كل الأطراف الداعمة للتحول الديمقراطي.
وتعتبر مصر من أبرز الفاعلين السياسيين في السودان، وبذلت جهودا مضنية لأجل دعم عملية التحول الديمقراطي وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين باعتبار السودان تعتبر إحدى ركائز الأمن القومي المصري، كما تبين في الزيارات المكوكية من المسئولين المصريين إلى السودان، كذلك رعاية جلسات الحوار الوطني لأجل حلحلة القضايا الخلافية الخمسة التي تعرقل مسار الاتفاق الإطاري.
وتتمثل أهداف الزيارة الغربية في عدة نقاط:
دفع عملية الاتفاق الإطاري
رحب الاتحاد الأوروبي بتوقيع الاتفاق الإطاري، كما دعا إلى عملية شاملة في السودان تتضمن أصحاب المصلحة بهدف توسيع قاعدة العملية السياسية، وتتضمن أجندة زيارة المبعوثين الغرب أهداف سياسية تتعلق بجهود الإصلاح السياسي، كذلك التباحث بشأن المساعدة الإنسانية التي تقدمها بلدانهم من خلال الوكالات وبرامج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
تؤكد الدكتورة أماني الطويل الخبيرة في الشأن الإفريقي، إن أهداف الزيارة بشكل واضح هي دفع للاتفاق الإطارى، حيث يواجه عدة مخاطر تتمثل في عمق الانقسام السياسي بشأن بعض البنود، ويعتبر هذا الاتفاق من أهم الوثائق التي تم التوصل إليها لحل أزمة الخلاف بين المدنيين والعسكريين كونه منبثق عن ورشة عمل في نقابة المحامين السودانية حضرته جميع الأطراف، لذلك استرعى اهتمام المجتمع الدولي.
كما تشير “الطويل” إلى أن الاتفاق الإطاري يواجه تشاحن بين مجموعتين رئيسيتين، الأولى مجموعه تحالف الحرية والتغيير والمجموعة التي دعمت انقلاب 25 أكتوبر أو ما يسمى الحاضنة السياسية العسكرية، وهو ما يهدد تمرير الاتفاق، كما تكشف تصريحات رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان وكذلك عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي والتي أثارت حالة من السيولة السياسية وأثارت الشكوك بانسحاب المكون العسكري من المشهد السياسي.
وتنوه “الطويل” إلى أن المجموعة الرباعية (بريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات) بذلت جهودا متواصلة لحث المكون العسكري على الوفاء بوعوده، كما أن المصلحة الرئيسية المرتبطة بتمرير المشروع السياسي للغرب، هي إحداث تحول ديمقراطي بإبعاد المكون العسكري من المشهد السياسي مع الاحتفاظ بقدرته على ضبط إيقاع الدولة، وتقليص قدره المكون العسكري السوداني على التأثير في الحياة الاقتصادية، ودعم حكومة مدنية بالكامل.
الحفاظ على النفوذ الغربي في السودان
يرى الباحث في الشئون الاستراتيجية عباس محمد صالح، أن أجندة الوفد الغربي تندرج في إطار مسألة الحفاظ على النفوذ في المنطقة، فمع الانسداد شبه التام لعملية التغيير بعد سقوط الرئيس البشير بعد فشلها في إرساء نظام سياسي جديد ومستقر ومتماسك، بات السودان أحد بؤر الصراع والتنافس الدولي حول النفوذ والهيمنة في القارة الإفريقية؛ أو بالأحرى الحرب الباردة الجديدة بين القوى الغربية التي ترفع شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان عالمياً من جهة، والصين وروسيا اللتين يُنظر إليهما على أنهما قوتان صاعدتان تجسدان الأوتوقراطية العالمية وتعززانها خاصة في قارة إفريقيا.
ويضيف صالح أنه بناء على ذلك، فإن توافد المبعوثين الدوليين إلى السودان في هذا التوقيت يأتي بهدف لإظهار دعم القوى الغربية للمجموعات المدنية التي وقعت على الاتفاق الإطاري مؤخراً باعتبارها قوى مؤيدة للديموقراطية pro- democracy في مقابل المكون العسكري الذي يُنظر إليه على أنه معوق للانتقال الديموقراطي كما تتيح سيطرته الواضحة إمكانية تعزيز نفوذ الصين وروسيا.
إضافة إلى ذلك، يؤكد الباحث عباس صالح، يمكن القول إن السودان، في ظل تعقيدات الانتقال السياسي التي يمر بها، يمثل اختباراً جدياً للسياسات الغربية الرامية لاحتواء روسيا على وجه التحديد جيوسياسياً في القارة السمراء؛ فبالتالي نجاح هذه السياسة في السودان سيعني تعميم نتائجها، سلباً أو إيجاباً، على بقية الدول التي تعزَّز فيها النفوذ الروسي وبالتالي باتت محل اهتمام غربي كبير.
حصار التحركات الروسية
يجري وزير الخارجية الروسي جولة إقليمية تضمنت العراق ومالي وموريتانيا والسودان، وتتركز الزيارة على شقين أولهما ترسيخ العلاقات مع الدول الصديقة لاسيما مالي، وثانيهما إنشاء شراكات مع الدول التي تتمتع بعلاقات قوية مع الدول الغربية.
وفي ظل انقسام المشهد السياسي السوداني وانخراط الأوروبيين والأمريكان في المسار السياسي في الخرطوم، كان من الضروري على روسيا توسيع رقعة تواجدها في السودان، حيث تشكل زيارة لافروف بمثابة الزيارة الثانية له منذ عام 2014 مما يعكس الطموحات الروسية الكبيرة من حيث ضرورة التفاعل في الوقت الراهن وعدم تفويت فرصة المشاركة في العملية السياسية، ولعب دور فعال من خلال تدشين شراكات اقتصادية وبحث سبل زيادة التجارة والاستثمار بين بلديهما.
الجدير بالذكر، أن روسيا تعمل مؤخرا على تعزيز حضورها في السودان منذ استيلاء البرهان على السلطة، حيث أفادت تقارير عن وجود مرتزقة روس في السودان، كما قام نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حميدتي دقلو بزيارة إلى موسكو في 23 فبراير/ شباط من العام الماضي، أي قبل يوم من غزو روسيا لأوكرانيا، وهي الزيارة التي جاءت بترتيب من قبل قوات فاغنر، كذلك التزمت السودان موقف حيادي إزاء الحرب الروسية الأوكرانية، وامتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين ضم روسيا لأربع مناطق أوكرانية ويؤكد دعمه لوحدة أراضي أوكرانيا.
وأفادت وسائل إعلام دولية بأن زيارة لافروف تهدف إلى مواجهة السياسات الأمريكية في إفريقيا، وكسب دعم إفريقي لموسكو في حربها في أوكرانيا، والتحضير للقمة الروسية الإفريقية المقبلة المقرر عقدها في يوليو/ تموز.
كما صرح وزير الخارجية المكلف علي الصادق إن السودان يرحب بزيارة لافروف ويتطلع إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتنفيذ برامج التعاون الثنائي وفق مخرجات اللجنة الوزارية المشتركة التي عقدت. في موسكو عام 2018.
وتمضي زيارة الوفد الغربي بالتزامن مع زيارة لافروف في إطار مساعٍ غربية حثيثة لتضييق الخناق على روسيا ومحاولة السيطرة على المشهد السياسي.
من ذلك يتبين، أن السودان تقع في مسرح نزاع بين القوى الدولية المختلفة، نظرا إلى وقوعها على البحر الأحمر وكونها إحدى نقاط رئيسية في منطقة القرن الإفريقي التي هي بطبيعة الحال منطقة تنافس بين القوى الإقليمية لاسيما تركيا وإسرائيل والخليج وإيران، ويشكل متغير الصراع السياسي في السودان مدخل مباشر لأجل جذب القوى الأجنبية المختلفة للتدخل في القرار الوطني، وتشهد الفترة الحالية تحركات روسية متسارعة في إفريقيا بوجه خاص باعتبارها وجهة رئيسية لاستعراض القوة، وقد يشتعل التنافس الفترة القادمة في منطقة القرن الإفريقي بعد استحواذ روسيا على رصيد كبير من منطقة الساحل وغرب إفريقيا.