للمرة الأولى منذ عام 2013 خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر من تصنيف B2 إلى B3 وعدلت نظرتها المستقبلية إلى “مستقرة” من “سلبية”، وذلك لأسباب عدة شرحتها المؤسسة في بيانها، والتي سنتعرض لها في هذا المقال.

شركة موديز هي ضمن أهم 3 شركات أمريكية تقوم بإصدار التصنيفات الائتمانية وهي: (فيتش سوليوشنز، موديز، ستاندرد أند بورز)، وتعد الـ3 وكالات هي المسيطرة على 95% من السوق، تاركة الـ5% المتبقية لجميع الوكالات اليابانية والصينية والروسية وغيرها.

اقرأ أيضا.. هل تنخفض أسعار السلع بتراجع سعر الدولار؟

وتعد موديز تحديدًا التي تأسست عام 1909 على يد الأمريكي جون مودي، شركة رائدة في تقديم التصنيفات الائتمانية والأبحاث وتحليل المخاطر للشركات والدول، ويتمثل عملها في تقييم “الجدارة الائتمانية” للأطراف (حكومات أو شركات ) التي تسعى للحصول على التمويل من أسواق الأوراق المالية عن طريق إصدار السندات.

يُقصد بـ”الجدارة الائتمانية” مدى قدرة الجهات الراغبة في الاقتراض على الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها لمستحقيها في الآجال المتعاقد عليها، فمعنى أن يكون التصنيف ضعيفا أن هناك احتمالا بألا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته، أما التصنيف المرتفع فيعني استبعاد الاحتمال، وتتم عملية التصنيف بناء على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة أهمها الربحية، ثم الأصول، والتدفقات المالية التي توضح الوضع المالي للمؤسسة والدولة.

وتعبّر “موديز” عن هذا التقييم بتصنيف دوري تنشره لإرشاد المستثمرين وتوجيه قراراتهم بشأن الاستثمار في سند ما من عدمه. وينبئ هذا التصنيف بمدى جودة السند ودرجة المخاطر الائتمانية المرتبطة به، وتغطي في نشاطها تصنيف الديون السيادية لأكثر من 120 دولة، وديون ما يناهز الـ11 ألف شركة خاصة.

مستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني، تتراوح ما بين (AAA) “درجة أمان عالية”، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، ويتضمن درجات أدنى مثل AA و A، وهو تصنيف يتضمن دول مثل الصين وألمانيا واليابان وقطر والسعودية والإمارات، ثم تصنيف (BBB) ويعني جدارة ائتمانية متوسطة” ودرجاته المختلفة، كما هو في التصنيف السابق، ويشمل دول مثل تركيا والمغرب والهند والمكسيك ثم التصنيف (CCC) ودرجاته المختلفة وهي دول “ذات جدارة ائتمانية عالية المخاطر” مثل لبنان وباكستان والسلفادور وأنجولا ونيجيريا وتونس. ثم التصنيف الأخير (DDD) ودرجاته المختلفة وهي دول ذات “جدارة ائتمانية متعثرة”، مثل سريلانكا التي أعلنت إفلاسها منذ أشهر.

النظرة المستقبلية والتي يتراوح تصنيفها بين موجب ومستقر وسلبية، تعني احتمالية تغيير التصنيف على المدى المتوسط، بمعنى لو كان التصنيف موجب فمن المحتمل أن يرتفع التصنيف الائتماني، ولو كان التصنيف سالب من الممكن أن يتراجع التصنيف.

في التصنيف السابق لـ”موديز”، ورغم استقرار مصر في التصنيف عند B2، إلا أن النظرة العامة كانت سلبية، وهو ما كان أمرا سيئا، والآن في التقييم الحالي هبطنا بالفعل إلى التصنيف الأدنى وهو B3، لكن على المدى القصير والمتوسط فإن انخفاض النظرة أو التصنيف غير وارد حاليًا، وهو أمر جيد، حيث الانخفاض إلى الدرجة C عالية المخاطر بتصنيفاتها المختلفة، يضع مصر في ذات القائمة التي تضم دولًا ذات سمعة غير جيدة في أسواق السندات والدين.

ذكرت موديز في تقريرها أن انخفاض الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية في مصر هو أحد أسباب هذا التغيير في تصنيفها، بالإضافة لزيادة صافي مراكز الالتزامات الأجنبية للنظام المصرفي إلى 20 مليار دولار مقارنة بـ13 مليار دولار سابقًا، فضلًا عن انخفاض الاحتياطيات السائلة من 29.3 مليار دولار في أبريل الماضي، إلى 26.7 مليار دولار حاليًا.

مصاعب أخرى تواجه التصنيف الائتماني لمصر، مثل ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد أوضاع أسواق رأس المال العالمية، وإعلان الفيدرالي الأمريكي نيته استمرار سياسة رفع الفائدة بالرغم من مؤشرات انخفاض التضخم، كذلك أشارت الوكالة إلى أن زخم الطروحات الحكومية الذي اتفقت عليه الحكومة مع صندوق النقد سيخلق مصادر لتدفقات رأس المال لكن دون توقع بأن تنتعش السيولة في مصر ومراكزها الخارجية بسرعة.

في نوفمبر الماضي كانت وكالة “فيتش” خفضت في تصنيفها النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية، بسبب ما وصفته آنذاك بتزايد جوانب الضعف الخارجي.

هذه التصنيفات قد تتسبب في صعوبات إضافية على الحكومة المصرية في سعيها الحثيث نحو طرح الشركات في البورصة المصرية وجذب الاستثمارات الأجنبية والحصول على تدفقات مالية دولارية من الأصدقاء والأشقاء، صحيح هذه التقارير والتصنيفات ليست بالعامل الحاسم في اتخاذ القرارات الكبرى ولاسيما ذات الطابع السياسي بجانب كونها قرارات اقتصادية، إلا أن مثل تلك التقارير تؤثر بشكل ما أو بآخر على المناخ الاستثماري العام داخل الدولة.

وزارة المالية المصرية التي علقت على تقرير موديز بأنها تقدر تخوفات موديز، ذكرت في بيان لها بعض النقاط التي تحاول بها التخفيف من أثر هذا التقرير، حيث أكدت أن الحكومة تقوم بإصلاحات عديدة، وأن وكالة ستاندرد آند بورز كانت قد ثبتت منذ أسبوعين تقريبًا تصنيفها لمصر مع نظرة مستقبلية مستقرة، مستشهدة في ذلك بتحقيق قناة السويس أعلى عائد شهري في يناير الماضي، وبزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإيرادات السياحة، وزيادة الصادرات غير البترولية وتخفيض العجز في الميزان التجاري.

التقييم الموضوعي إذًا بين كل تلك التقارير هو أمر مطلوب بالضرورة، فلا يمكن التهويل أو التهوين من قيمتها، فطالما كانت وزارة المالية تستشهد بتقارير تلك الوكالات وتصنيفاتها وتقاريرها الإيجابية عن مصر طوال الأعوام الماضية قبل الأزمة الروسية الأوكرانية تحديدًا، وفي أوقات أخرى قد نسمع أصواتًا تعيد التذكير بأخطاء وكالات التصنيف الائتماني واتهامها بالتسييس، وسنجد من يذكرنا إذًا بما فعلته وكالات التصنيف الائتماني في أزمة الرهن العقاري 2008/2009 والتي أثبتت تحقيقات مجلس الشيوخ الأمريكي تورط تلك الوكالات في تقديم تقارير غير دقيقة بغرض البحث عن الربح، وكذلك تذكر البعض سحب وكالة “ستاندرد آند بورز” تقريرها عن الاقتصاد الأمريكي في 2010 بعد غضب إدارة الرئيس أوباما، وإصدار الوكالة لتقرير بديل خلال 24 ساعة يعيد التصنيف الائتماني لأمريكا إلى AAA، بما يشير لكونها لا تنفصل تمامًا عن التسييس.

وبغض النظر عن مدى القناعة والتقدير لدور تلك المؤسسات، فإن التخوفات التي تطرحها لابد أن تؤخذ بجدية كبيرة، بغض النظر عن مدى قطعية تأثيرها بشكل ما على باقي دفعات صندوق النقد المقدمة لمصر من حيث حجم تلك الدفعات كما يشير بعض الخبراء أم لا، ومدى تأثير ذلك على قرارات الاستثمار وحصيلة الطروحات وغيرها، لكن هناك أسباب حقيقية تدعونا للمراجعة الشاملة للموقف الاقتصادي بشكل عام، خاصة أنه ومع تحسن بعض المؤشرات مثل ارتفاع قيمة الصادرات المصرية وزيادة حجم إيرادات السياحة وقناة السويس، إلا أنه في المقابل نلاحظ انخفاضًا في قيمة ونسبة تحويلات المصريين في الخارج مما يؤثر على تواجد النقد الدولاري، وكذلك نجد أن العجز في الميزان التجاري والذي يبدو انخفاضه إيجابيًا إلا أنه يشير لانخفاض قيمة الواردات الإجمالية، نتيجة السياسات الجديدة لتقييد الواردات والتي حتى مع تغيرها مؤخرًا إلا أن الشكاوى من سياسة الإفراجات الجمركية لازالت ملحوظة ومتكررة.

في ذات السياق فإن زيادة الإنفاق الاجتماعي وتحقيق فائض أولي للموازنة العامة المقبلة تعد أحد التحديات الهامة الملقاة على عاتق الحكومة، حيث أسعار الفائدة المرتفعة تعيق تحقيق ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فهناك الكثير من الحاجة والضرورة للحفاظ على الإنفاق الاجتماعي وتقليص عجز الموازنة وتحقيق انضباط مالي يحسن تصنيفات مصر وتقييمها لدى صندوق النقد ومؤسسات التصنيف الدولي والمعنيين بالاقتصاد المصري بشكل عام.

التحول في سعر الصرف المرن هو بالتأكيد أمر له انعكاس إيجابي على المدى المتوسط، بالرغم من صعوبة ذلك الأمر نتيجة ارتفاع التضخم، وهي معضلة كبيرة أمام الحكومة والبنك المركزي، خاصة مع جنون الأسعار الذي يشكو منه المواطنين بشكل متزايد دون توقف.

ختامًا، تصنيفات وكالات التصنيف الائتماني هي مؤشر ضمن العديد من المؤشرات الاقتصادية والسياسية الأخرى التي تعبر عن اقتصاد كل دولة، تضعها الحكومات موضع تقدير عالي حينما تكون تلك التقارير تقدم صورة وردية باعتبارها شهادة ضمان لحسن سير الاقتصاد تمامًا كما يتعامل الجميع مع تقارير صندوق النقد الدولي، وتقلل الحكومات وبعض النخب أحيانًا من قيمة تقارير وكالات التصنيف وتتهمها بالتسييس حينما تكون التصنيفات والتقديرات سلبية أو متراجعة، بما يشبه إنكار لما قد تتسبب فيه من أثار، لكن بشكل عام فإن الكرة دومًا في ملعب الحكومات بضرورة السعي الحقيقي لتحسين المؤشرات والقيام بالإصلاحات الهيكلية الحقيقية التي تحتاج جهدًا كبيرًا وإخلاصًا عاليًا.