10 سنوات داخل السجون في مصر، متنقلًا من سجن إلى آخر. برأيك.. كيف يمكن تصور حالة سجين “سياسي” قضى أكثر من نصف هذه المدة وحيدًا في زنزانة انفرادي؟ مع العلم أن هذا السجين حين تم حبسه كان شابًا في منتصف العشرينيات من عمره، لم يحمل سلاحًا. 10 سنوات حبس أكلت نصف عشرينيات عمره، ونصف ثلاثينياته. وفي حال استمر تنفيذ الحكم كاملًا (15 عاما)، فهذا معناه أنه سيقضي على ما تبقى من هذه الثلاثينيات.
كيف هي حالته الصحية؟ كيف حالته النفسية؟ وكيف هي حالة عقله؟
في عرين العشرين من عمره، جاء الناشط السياسي أحمد دومة من مركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة، مقبلًا على ساحة السياسية، محتضنًا أحلامه، منخرطًا في فاعليات عدة في العاصمة. شارك إلى جانب أبناء جيله في ثورة 25 يناير، متصورًا أن الأحلام ستتحقق وساحات الحرية تنفتح، ومستقبل يحترم أعمار المواطنين وأحلامهم يلوح في الأفق. لم يتوقع دومة أنه سيدفع هو وآلاف غيره الثمن إدانة وتشويهًا، وفي مرات أخرى سجن بارد يسرق العمر.
قضى دومة ما يقارب ثلث عمره رهين الجدران، نصف فترة السجن، وحيدًا في الحبس الانفرادي. ما يزيد عن 6 سنوات، ممنوعًا من التريض، محرومًا من حقوقه كسجين. وهي الحقوق التي يقرها القانون والدستور، تم -وفق رسائله التي يتمكن من تهريبها كلما أمكن.
عانى من السجن الطويل الذي يضيع العمر، ويفقد الزمن معناه “السجن وما فيش في السجن زمن”. هكذا يؤدي سعيد صالح أغنية يرد بها على سؤال ما هو السجن.. وينهي الأغنية بأن “عشمنا في بكره ملهش حدود”.
الشاعر والناشط السياسي، أحمد دومة، سطر في ديوانه “كيري” من داخل محبسه، بعض الأبيات معاتبًا وشاكيًا: “ليه غاوية تعذيبي.. ودبحي بسكينك.. يا هل ترى عيبي.. إني على دينك؟ يتمسك دومة بإيمانه، هناك يربي الأمل كما كل المحتجزين فى فترات السجن.
المرض رفيق الحبس
عشر سنوات خلف القضبان والجدران الخرسانية، وكوة صغيرة يدخل منها الضوء، كافية أن تشعرك بالشيخوخة، وأنت في سن الثلاثين. الوقت بطيء جدًا داخل الزنزانة، لا يتحرك. يحاصره المرض في ظل رعاية طبية غير ملائمة، تتآكل مساحات الأمل وتتهتك المفاصل.
يشتكي الجسد أحيانًا، يعتل حين يمنع عن التعبير عن آلام نفسية ثقيلة، ليشتكي الجسد ألمه في صورة مرض، وفي ظل ظروف سجن غير ملائمة صيفًا، بينما في الشتاء يُحرم من الملابس الثقيلة ويمنع عنه البطاطين، ومن وصول طعام منزلي يحمل رائحة العائلة التي تنتظره. يحرم من متابعة صحية جيدة، والخروج لمستشفى السجن، مع أنها ليست نزهة.
يقول شقيقه محمد، لـ”مصر 360″ إن وضع دومة يزداد صعوبة. فالرعاية الصحية شبه منعدمة. خشونة المفاصل وتأكلها تزيد كل يوم. يحاول دومة ممارسة تمارين رياضية داخل زنزانته لتخفيف الضغط على المفاصل، والحد من تآكل الغضاريف، محاولة ذاتية للعلاج، دون إرشاد طبي. بينما حالته بما فيها تآكل الغضاريف وألم المفاصل تحتاج تدخلًا جراحيًا.
رحلة دومة مع المحاكمات
أحمد سعد دومة، خريج حقوق، وهو من مواليد عام 1985، سجن لأول مرة عام 2009، بتهمة عبور الحدود بين مصر وفلسطين بطريقة غير شرعية. ذلك بعد مشاركته في مسيرة مناهضة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
بينما احتجز خلال عام الثورة 2011 بالتزامن مع مظاهرات شهدها محيط مجلس الوزراء، اعتراضًا على تعيين كمال الجنزوري رئيسًا لحكومة تسير الأعمال. وفي 2013 حُكم عليه بالحبس لمدة 6 أشهر بتهمة سب الرئيس الأسبق محمد مرسي ووصفه بأنه “قاتل ومجرم”.
شارك دومة كلا من أحمد ماهر ومحمد عادل القياديين بحركة 6 إبريل عقوبة السجن ثلاث سنوات، وغرامة مالية قدرها 50،000 جنيه مصري على خلفية اتهامهم بالتظاهر.
لم تنته قصص العقوبات بعد، فخلال فبراير/ شباط 2015 قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن المؤبد وتغريمه 17،000،000 جنيه مصري، قدم دفاعه حينها استئنافًا، قُبل في عام 2017 لتعاد نظر قضيّته.
خلال يناير/ كانون الثاني 2019 حُكم على دومة بالسجن المشدّد 15 عامًا وغرامة ستة ملايين جنيه. ذلك ضمن إعادة محاكمته في القضية المعروفة باسم أحداث مجلس الوزراء التي تعودُ لعام 2011.
تغيير استراتجية المضايقات
بعد نقل دومة من سجن طرة إلي بدر، تقف عائلته نحو 6 ساعات، لتطمئن عليه في دقائق معدودة، بعدها تتخذ الأسرة طريق العودة في ما يمتد أحيانًا إلى 6 ساعات أخرى. والدته المسنة والمريضة لا يمكنها أن تفعل ذلك بشكل دوري، فقط مرة أو مرتين في العام.
يعاني دومة في محبسه الجديد مع آخرين، داخل سجن بدر 2، حيث توجد في كل غرفة أربع كشافات إضاءة وكاميرا تعمل ليلًا ونهارًا خارجية التحكم، يُسلط الضوء القوي ليضيف بواعث من القلق تمنع النوم بجانب المراقبة اللحظية، وفق شكواه التي نقلتها أسرته.
بموجب معايير حقوقية دولية، فإن ما يحدث داخل سجن بدر، يُعد من أنواع التعذيب. وقد بدأت أعراض الضوء -وفق ما نُقل عن دومة- تتسبب له وباقي المحبوسين في تشنجات.
تعرض أيضًا لاعتداءات لفظية وتهديدات. فخلال 5 فبراير/ شباط الجاري، مُنع من التريض، وبعد أن أبدى اعتراضه تم إحضار قوات التدخل السريع التي أجبرته بالعنف على دخول زنزانته. وقبل هذا العقاب، أبلغ أحمد أخاه بأنه جرى تهديده من قِبل ضابط لا يعرفه.
اقرأ أيضًا: بين السجن وكورونا.. رحلة “أحمد دومة” ورفاقه
يقول دومة: “قال لي شخص من خلال (الإنتر كم الموجود في الزنزانة): لو اللي عملته أتكرر تأني هتشوف أيام سودة ومش هتستحمل اللي هيجرالك”.
لم يعاقب دومة بمفرده، فقد مُنع زملائه السجناء في نفس الدور من شراء وجبات من الكانتين. وبعد أن استعاد حقه في التريض، كان يُتابع من جانب عساكر وضباط، لمعرفة مع من يتحدث وماذا يقول.
يقول والده، سعد دومة، إنه تقدم بطلب إلى لجنة العفو الرئاسي، واسُتقبل طلب العفو بترحاب شديد. ويضيف: “نسمع كلامًا مطمئنًا وننتظر العفو الرئاسي، أحمد قضى عشر سنوات.. وصدر له ديوانان من الشعر وأربعة كتب، وهو في طريقه لإصدار ديوانين جديدين ويركز على الشعر والأدب ولا يعتزم العودة للعمل بالسياسية”.
يطالب والده، بسرعة إصداد عفو رئاسي عن أحمد، ليتمكن من استكمال ما تبقى من شبابه.
دوليًا، هناك تحركات تطالب بالإفراج عن دومة، منها عريضة وقع عليها نحو ألف من الكتاب والحقوقيين والأكاديميين.