يحكي أحدهم عن زوجته صفات رائعة، لكنه يُنهي كلماته بحزن واضح، وحين يسأله السامعون عن سر حزنه يقول إنها نكدية، فيضحك المحيطون ويقولون له ما كل الستات نكدية. هذا موقف من الواقع حضرته بنفسي وسمعته.

فأحد أيقونات الزواج والزوجة على وجه الخصوص هو النكد، بوصف جر الشكل أو افتعال المشاكل وتحويل أي لحظات سعيدة إلى لحظات من الحزن والغم والنكد، أكثر ما يُعكر صفو الزواج والحياة بشكل عام، وسط شعب أدمن السخرية والضحك لتمرير صِعابه وأزماته، وتنتشر الأقاويل حول الزوجة النكدية بوصف النساء الأكثر إمعانًا في هذه الصفة. بينما بعض النساء تتحدث عن النكد الذي مصدره الزوج، أيا كان النكد مصدره الزوج أو الزوجة. فالأمر لن يسبب فارق كبير في المحصلة التي هي نكد وضيق.

النكد في كل حالاته مزعج. وبالطبع، يختلف شكل النكد حسب مصدره، والشخصيات الداعمة لمثل هذا النوع من الخلافات قد تتفنن في إنتاج الضيق والخنقة.

فعلى سبيل المثال، الزوجة التي يرفض زوجها تحقيق مطلب لها، سرعان ما ترسم الغضب أو في أحسن الظروف سيكون وجهها جامدًا، أو وجها خشبيا كما نطلق عليه، ويُصبح كل فعل في المنزل كأنه عقاب، فالأكل والحوارات كلها تتم مع نوع من التبكيت، وحالة من التربص من الزوجة حتى ترد لزوجها ما رفضه.

وعندما يكون الزوج مصدر النكد، فإنه يذهب للتضييق على بيته وتُصبح كل الطلبات مجمدة، فالنكد حالة من الثقل تهبط على البيت، ولكن في تلك الحالات، الرجل أسعد حظًا، فهو لديه ميزة نوعية كونه ذكر في مجتمع شرقي يعطي الذكور كل الحقوق، وبالتالي فإن الرجل يمكنه في حالات النكد أن يترك البيت ويخرج دون أن يسأله أحد أو يلومه أحد، بل على العكس سيجد من يناصر تصرفه بالخروج لإيقاف سيل النكد، وتجميد اللحظة حتى ينتهي الخلاف، وليس ذلك فحسب بل إنه سيوصف بالعاقل، في حين لا تملك الزوجة مثل هذه الفرصة.

والنكد أحد أسوأ مشكلات الزواج، فهو بمثابة الشوك الموجود في فراش بحيث لا يمكن لأحد أن يستريح، وعدم وجود الراحة في البيت سبب كافي للبحث عن الراحة خارج البيت.

على مواقع التواصل الاجتماعي، تسأل إحداهن كيف يقضي المتزوجون عيد الحب، فتلقى العديد من التعليقات الساخرة والتي تضع الزواج في صيغة عداء للحب، فهل الزواج مشروع فاشل لأنه يُعادي الحب؟

تعودنا صورا نمطية للأزواج والزوجات، تكشف عن تكشيرات، صمت، خلافات وكأن حالة عدائية بامتياز، هذه التهويمات والصور التي يتم غرسها صور مؤهلة ومُعدة للمقبلين على الزواج كي يسكنوا ذات القالب، إنه الاستعداد للفشل الذي يكسر آمال السعادة.

المناسبات ملعب النكد، فكل مناسبة تحمل معها عدد من التوقعات والتصورات، وكل طرف لا يتحدث عن توقعاته من الآخر، ولكنه يستلهم تلك التوقعات مما حوله، ربما تكون الدراما أو القراءة أحد مصادر التوقعات، وقد تكون حكايات الأصدقاء، فنجد الزوجة مثلا تنتظر نوعا من المفاجآت في عيد ميلاها او عيد زواجهما فلا تتحقق، يكسر الإحباط كل لحظات السعادة المتخيلة، فتتحول الزوجة أو الزوج إلى حالة من العداء واللوم.

وفي حال أن تكون الزوجة هي المحبطة، فإن اللوم لا يأتي وحيدًا، بل تُصاحبه عدد من الوقائع السالفة من الماضي السحيق والتي تُفيد بإهمال دائم يُمارسه الزوج، مع خاصية شديدة الانتشار وهي التعميم. فقد ينسى الزوج مناسبة هامة للزوجة، فتخرج الأحكام أنه لا يتذكر أبدًا، والتعميم عادة ما يُصاحب الخلافات والتوقعات المحبطة، وهو سمة تُضاعف من الخلاف وتزيد من حدته، بينما يمكن تمرير الموقف بقدر أقل من الضيق إذا تذكرت الزوجة ذكريات جميلة، أو تلمست لزوجها لحظات أسعدها فيها، والأمر كذلك للزوج، لكن معادلة النكد تستدعى تعميم ومبالغة وكسر للتوقع، وهي لحظات من السهل الوقوع فيها بسبب ضغوط الحياة بشكل عام، والضغوط النفسية التي يمكن أن يعاني منها الزوجين سواء مجتمعين أو كل بمفرده، لكن الميل للحظات النكد أسرع بكثير من تجاوزه.

والنكد يزهر ويتألق مصدره في عدد من المناسبات يمكن أن نلخصها في الآتي

مناسبات تخص الزوجين والزواج: وهي مثل عيد الحب، وأعياد الميلاد، وعيد الزواج وهذه مناسبات يمتاز الرجل فيها أنه كثيرًا ما ينسى تلك المواعيد، وهذا النسيان أول مسمار للنكد، فالنسيان يجر معه عدم شراء هدية، وربما ارتبط بموعد اجتماعي أو عائلي أو عمل في نفس موعد المناسبة، فيُصبح النكد متعدد المصادر، قوي في تأثيره ممتد ربما لعدة أيام.

مناسبات اجتماعية عامة: ترتبط المناسبات الاجتماعية بعدد من الطقوس، فعلى سبيل المثال في العيد فهناك الإفطار العائلي الذي يجمع كل أفراد الأسرة، لكن في أحيان كثيرة فإن الذكور في العائلة يغيبون عن هذا الطقس، لارتباطهم ببعض الطقوس الذكورية كأن يجتمع الزوج بأصدقائه ليلة العيد، مما يعني أنه يكون نائمًا صباح العيد وبالتالي فهو لن يحضر الإفطار العائلي، وعندما يكون الزواج في سنواته الأولى والأطفال صغار، أو لا يوجد أطفال فإن غياب الزوج عن الإفطار يتسبب في شعور الزوجة بالوحدة، يصحو الزوج فيجد تكشيرة العيد في انتظاره، وإذا كان محظوظ فإن التكشيرة سيتبعها لوم وتأنيب وما يلحق بهم، وربما هداها الله واختصرت حالات اللوم والتأنيب، أو ابتلعت تكشيرتها، لكنها سرعان ما ستجتر تلك الواقعة في مناسبة اجتماعية أخرى يتأخر عنها الزوج أو لا يُشارك فيها.

وإذا كانت الزوجة مصدر النكد كما يُشاع في الصور الذهنية عن النساء، فإن الرجال في حال تبديل المواقع وتصدره كمصدر للنكد فإن الأمور تسوء أكثر، وفى المناسبات الاجتماعية عندما يزور الزوجين أهل أحدهما فإن أي سلوك أو تصرف أو رد فعل مهما كان صغير إزاء الأهل فهذا نذير بمشكلة، وخناقة كبيرة، ويتم تأويله وتحميله بمواقف أخرى.

ما يُميز نكد الرجل عن نكد المرأة أن نكد الرجل سرعان ما يتحول إلى خناقة وكل حسب تربيته وأخلاقه فيمكن أن تقتصر على الصوت العالي وتبادل الاتهامات، وقد تصل حد الاعتداء الجسدي، بينما نكد النساء جزء منه خفي، وينعكس في ثقل على البيت، وصمت حتى لحظة الانفجار والعتاب أو الخناق.

في كل الحالات، فإن النكد إذا كان مصدره الرجل فإنه يخرج إلى الخارج لتكون المعركة، بينما نكد المرأة خفي، أعراضه تكشيرة، أو قلب الوش كما يسمون، رفض لكل شيء، نوم مبكر، تعطيل وتجاهل لبعض الأمور المنزلية، أكل غير جيد، ملابس لا يتم غسلها، والتفاصيل كثيرة، ومشكلة المرأة الحقيقية أنها تحتاج لمزيد من الضغوط كي تنفجر، فهي سوف تحتفظ بضيقها للوقت المناسب، أو لمزيد من الضغوط حتى تنفجر وتجتر كل التفاصيل.

وفى المناسبات الاجتماعية والإجازات، فإن فرص النكد تزيد مما جعل هذه المناسبات مصدرا للضيق لما سيحدث فيها، وما سيعانيه الزوجين، فكيف يكون العيد وأحد الطرفين يتمنى ان تنتهي الاجازة حتى لا يطول بقائه مع شريكه؟

النكد اليومي

وجود مناسبات للنكد لا ينفي وجوده اليومي متفرق في التفاصيل العادية، مثل طعام لم يعجب الزوج، أو نسيان الزوج لبعض المشتريات، أو عدم رغبته في المشاركة في شيء، أو حتى فقرة المذاكرة.

أصعب حالات النكد تلك التي تأتي مصحوبة باتهامات التقصير واللوم، فهذا النكد ينسحب على أيام أخرى، كما أنه يخفر حزنًا بداخل الطرف المتهم، ويُشعره بعد التقدير، كل النكد سيء بالتأكيد، لكن النكد المشفوع بتأكيدات عدم التقدير هو أسوأها، لأنه لا يتوقف عند حدود لحظات النكد إنما يترك إحساس بداخل الطرف الآخر أنه يحرث في البحر، وكل ما يفعله لا يُرى كما يعمق مشاعره بلا جدوى الجهد المبذول، ويُصبح نافرًا من الزواج.

ثقافة الاستمتاع

الحياة بسيطة وهينة لمن أراد أن يراها كذلك، ولذا فإن النكد والحزن هي اختيارات للحياة، نعم هي اختيارات، لأننا ورثنا الحزن كشعور أصيل ودائم، خاصة في مصر، الشعب الذي ينتهج السخرية في كل شيء ليمرر أي موقف هو ذاته الشعب الذي يعمل النكد فيه دور البطولة في العلاقات الزوجية، رغم ان الأمور بسيطة للغاية، ويمكن تمرير أي حدث.

مع العلم أن أشكال السعادة متنوعة ومتوفرة، لكنها تتحقق عندما تتوافر الرغبة الحقيقية في السعادة والاستمتاع، فالفرح مرتبط أكثر بطريقة التفكير منه بمناسبة ما، لكن النكد يسود، ويُصبح لافتة كبيرة للزواج، وعلامة مائية لكثير من الزوجات، فيجد الزوج نفسه مدفوعًا لقضاء أغلب وقته خارج البيت، أين هو الزواج من هذا الوضع؟