أكد البنك الدولي أن خسائر الإنتاجية في مصر بسبب الأمراض المزمنة تصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع زيادة أعداد السكان من المسنين، من المتوقع أن يتضاعف العبء الاقتصادي بحلول عام 2030، إذا لم يتم تنفيذ الخطوات المناسبة لمكافحة الأمراض غير السارية “المزمنة”.
بحسب تقرير مراجعة الإنفاق العام على قطاعات التنمية البشرية، الذي أصدره البنك مؤخرا، فإن تجنب الخسائر الاقتصادية الفادحة يتطلب الوقاية من الأمراض غير السارية، والفحص المبكر لاكتشافها، والتعامل معها. فالخسائر الاقتصادية التي تكبدتها مصر بسبب مرض السكري وحده 1.3 مليار دولار.
يقول التقرير إن القطاع الحكومي لايزال مُقدم خدمات الرعاية الصحية الرئيسي، إلا أن عدد المستشفيات التابعة له انخفض بنسبة 1,1 %، وهو “أمر مثير للقلق”، بحسب التقرير. مع ارتفاع عدد السكان بنسبة 25.6% خلال الفترة ذاتها، بينما زاد عدد المستشفيات الخاصة 10% وأسرتها 38%.
اقرأ أيضا: 19 منها تحقق 21 مليار جنيه.. قراءة في أرباح آخر الشركات المطروحة بالبورصة
الأفراد يتحملون عبء الصحة
يشير التقرير إلى أن انخفاض الإنفاق الحكومي تسبب في تمويل النظام الصحي من مدفوعات الإنفاق الشخصي “وهو مصدر غير كفؤ لتمويل الخدمات الصحية ويفتقر إلى المساواة”. فالإنفاق الشخصي بمصر من الإنفاق الجاري على الصحة من أعلى المعدلات في العالم، إذ يمثل 62% من إجمالي الإنفاق على الصحة.
بحسب التقرير، بلغ متوسط الإنفاق الشخصي للفرد عام 2017 ما قيمته 1874 جنيهًا لسكان الحضر و1423 جنيهًا الريف، لتصبح الصحة ثالث أكبر شريحة إنفاق للأسر المصرية بعد المأكل والمسكن.
يتحمل ما يقرب من ثلث الأسر المصرية نفقات الصحية باهظة، إذ دفعت زيادة الإنفاق الشخصي 7% من الأسر لبراثن الفقر، فثلث الأسر انفقت أكثر من 10٪ من دخلها على الرعاية الصحية بينما تجاوز إنفاق 7% من الأسر 25% من دخلها على الصحة، في حين أنفق 2% منها ما يزيد على 40% من دخلها على الصحة.
تواجه المنشآت الحكومية العديد من التحديات من حيث الأداء بسبب تدني الرواتب ونقص المستلزمات الأساسية، وتشير شواهد غير موثقة بحسب التقرير إلى وجود حالات نقص بالمعدات والمستلزمات الأساسية في المستشفيات، وخاصة للعلاج المتقدم والعمليات المعقدة، ورغم أن الخدمات تقدم مجانًا لكن المرضى، مطالبون بتوفير المستلزمات الطبية لعلاجهم خاصة العمليات الجراحية.
التقزم وسوء التغذية.. مشكلة اقتصادية
قال البنك الدولي إن سوء التغذية والتقزم يمثلان تحديًا كبيرًا في مصر، فمن بين كل خمس أطفال دون الخامسة يوجد طفل يعاني من التقزم، ما يعني وجود 2.1 مليون طفل مصابون به، ليكون لدى مصر أكبر عدد من حالات التقزم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحتل الترتيب الثاني عشر عالميا.
لا تزال النواتج المتعلقة بالتغذية متدنية ولم تشهد تحسينا بين عامي 2000 و2014، ويضر التقزم بنواتج التعليم والإنتاجية الاقتصادية في مرحلة البلوغ، ومن ثم يكون تحسين مستوى التغذية أولوية قصوى لدى مصر لتحسين النواتج الصحية الأساسية وتعزيز رأس المال البشري.
يستخدم 30% من المصريين الصيدليات الخاصة كخيار مفضَّل لتلقي العلاج، ويفضل معظمهم الحصول على الرعاية في المنشآت الصحية الخاصة، ويثير ذلك مخاوف بشأن جودة الرعاية في المنشآت الحكومية، في الوقت الحاضر، يتطور القطاع الخاص بدون لوائح تنظيمية رئيسية لمواءمة أهداف الصحة العامة والإسهام في تحقيقها.
يشير التقرير إلى إطلاق مصر العديد من مبادرات التغذية، لكن معظمها لا تتصدى للتحدي الذي يمثله التقزم، وتشمل تلك البرامج التغذية الحالية مبادرة المستشفيات الصديقة للأطفال، وتعزيز متابعة نمو الرضع والصغار، وبرنامج تزويد الأغذية بالمغذيات الدقيقة، وتشجيع استخدام الملح المشبع باليود، والاستشارات بشأن التغذية، وتغذية الرضع منخفضيّ الوزن عند الولادة، وبرامج التغذية المدرسية.
رغم ذلك فإن معظم مبادرات التغذية الحالية في مصر لا تتصدى للتحدي الذي يمثله التقزم، لاسيما أن هذه الحالة لا يمكن علاجها بعد مرور ألف يوم من حياة الطفل، ويطالب البنك بالتدخلات الرامية لعلاج التقزم للأمهات الحوامل، والرضع، والأطفال الصغار دون سن الثالثة، خاصة أن برنامج التغذية الحالي مثل برنامج التغذية المدرسية يستهدف الأطفال في سن المدرسة.
لا تزال البرامج التي تستهدف تحسين تغذية الأمهات الحوامل والأطفال في الأيام الأولى تفتقر إلى التمويل والتنسيق لحد كبير، ولا يخضع نمو الأطفال في العامين الثاني والثالث من العمر لمتابعة منهجية، كما أن البيانات عن التقزم غير محدثة، إذ يرجع أحدثها إلى عام 2014، وفقا للبنك الدولي.
لدى العديد من البلدان التي تواجه مشكلة التقزم برامج قومية مخصصة للتغذية، وهو ما تفتقر إليه مصر خلال الوقت الراهن، وتشمل هذه البرامج على سبيل المثال بعثة بوشان أبهيان الوطنية للتغذية في الهند تحت إشراف وزارة تنمية المرأة والطفل، وأيضا البرنامج الوطني للتغذية في إثيوبيا الذي بدأ في عام 2010 ويضم 12 وزارة تنسيق الأعمال المتعلقة بالتغذية. كما تتبع بعض البلدان مثل بنجلاديش ونيبال، نهج النظام الصحي؛ وذلك بدمج خدمات التغذية الشاملة في النظام الصحي العام.
اقرأ أيضا: منتجات تجميل مغشوشة تغزو الأسواق.. أسعار رخيصة وكلفة علاج آثار الاستخدام “مرتفعة جدًا”
أمراض قاتلة
تعد أمراض انسداد شرايين القلب، وتلُّيف الكبد، والسكتة الدماغية من أهم الاسباب المسئولة عن الوفاة بمصر عام 2019 حيث تسببت في 51 %من إجمالي حالات الوفاة.
جاءت الإصابات بسبب حوادث الطرق في المرتبة الاربعة، وتمثل 5% من حالات الوفاة 29.8 حالة وفاة لكل 100 ألف حالة، في الترتيب الثاني عشر ضمن أعلى معدل وفيات حوادث الطرق في العالم بحسب معهد القياسات الصحية والتقييم.
يرجع ارتفاع معدل الوفيات بسبب تليف الكبد إلى الانتشار الكبير للإصابة بفيروس الكبد الوبائي “سي” سابقًا، وانخفض معدل الإصابة بهذا المرض بنسبة 50% بين عامي 2017 و2019 بفضل إطلاق الحكومة المصرية حملة “100 مليون صحة” عام 2018 إذ تم فحص أكثر من 60 مليون شخص بالغ للكشف عن الإصابة بفيروس الكبد الوبائي “سي”، ومرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة.
ويساعد التعرف المبكر على فيروس الكبد الوبائي “سي” وعلاجه في إطار حملة 100 مليون حياة صحة إلى الوقاية من العديد من حالات تليف الكبد في العقود العديدة القادمة ومن المتوقع أن تنخفض الوفيات الناجمة عن تليف الكبد في مصر.
كما يساهم نمط الحياة غير الصحي، والسلوكيات الخاطئة، في زيادة عبء الأمراض غير السارية، وفي عام 2019 بلغت جميع حالات الوفاة الناتجة عن ارتف اع ضغط الدم نحو 29، %و18 %بسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم، و23 % بسبب ارتفاع مؤشر كتلة الجسم “السمنة”.
100 مليون صحة.. معلم بارز للصحة العامة بمصر
وفقًا للبنك الدولي، فإن حملة “100 مليون صحة” أحد المعالم البارزة في برنامج الصحة العامة بمصر، وتهدف إلى التصدي للقضايا الصحية ابتداء 2018 وجرى فحص أكثر من 60 مليون شخص بالغ للكشف عن الاصابة بفيروس الكبد الوبائي “سي”، ومرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة.
كما تم اكتشاف نحو 3.5 مليون إصابة جديدة بفيروس الكبد الوبائي “سي” يعادلون 4.6% من عدد السكان البالغين في مصر وأُحيلوا إلى المراكز المختصة لتلقي العالج المجاني في ديسمبر 2021.
بحلول سبتمبر 2019، كان قد تم بنجاح علاج أكثر من 380 ألف حالة إصابة وبلغ إجمالي تكلفة عمليات الفحص والتقييم والعلاج 207 ملايين دولار، وتم إنفاق أكثر من 70 مليون دولار لكل مريض على العاج وحده.
عدم كفاية الإنفاق الحالي على الصحة، وسرعة النمو السكاني، وارتفاع العبء المالي بسبب الإنفاق الشخصي، وتوسيع نطاق نظام التأمين الصحي الشامل، تتطلب جميعها زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة في مصر لتعزيز استثماراتها برأس المال البشري وجعلها تصل الى مستويات تقارن بالبلدان الأخرى ذات الإمكانات الاقتصادية المماثلة، بحسب التقرير.