يمثل تغير المناخ وتداعياته ضرورة راهنة، تستلزم التكاتف الدولي بهدف الحد من آثاره. وتتعرض القارة الإفريقية بشكل خاص إلى ظروف مناخية قاسية، ما يجعلها تدفع ضريبة كبرى لهذه التغيرات، على الرغم من مساهمتها المحدودة في الانبعاثات الكربونية، بنسبة 4 % فقط.

وتعتبر دبلوماسية مصر الخضراء من أبرز أدوات السياسة الخارجية الفعالة في تحقيق التقارب بين مصر والدول الإفريقية. إذ اهتمت مصر بتنشيط الدبلوماسية الخضراء كقوة ناعمة للتعاون مع المجتمع الإفريقي، من خلال إطلاق سلسلة من المشروعات الخضراء ذات الصلة بالتغيرات المناخية.

أيضا، شكّلت استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP 27 فرصة حقيقية لترجمة الجهود المصرية للدفاع عن القارة، ولعبت مصر دورا فعالا من أجل تعزيز الاهتمام الدولي بمشاكل المناخ في القارة، وجذب التمويل لدعم الدول الإفريقية في عدة مشروعات.

اهتمت مصر بتنشيط الدبلوماسية الخضراء كقوة ناعمة من خلال إطلاق سلسلة من المشروعات الخضراء ذات الصلة بالتغيرات المناخية

اقرأ أيضا: ماذا يعني تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل لمصر؟

أبرز الاتجاهات

تشير الدكتورة فريدة بنداري، نائب مدير المركز العراقي- الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن دبلوماسية مصر الخضراء تسعى نحو بناء المرونة ومواءمة مصالح الدولة مع الحفاظ على البيئة والمناخ. انطلاقا مما نص عليه الدستور من اتخاذ الدولة الإجراءات اللازمة للحفاظ على البيئة، والاستخدام الرشيد للموارد.

وأضافت لـ “مصر 360” أنه في “ظل تأكيد الدولة المصرية التزامها بتفعيل الاتفاقيات الدولية بشأن الحد من التغيرات المناخية، وسعيها الدؤوب لتوحيد الجهود خلال قمة المناخ، استهدفت تحويل التعهدات إلى مسار التنفيذ، عبر صياغة رؤية دولية وخارطة طريق للتعامل مع آثار التغيرات المناخية”.

واعتمدت مصر نهجاً استباقيا لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي واستدامة الموارد، وإصدار قانون الاستثمار الجديد رقم 72/2017 لإنشاء إطار قانوني لمشروعات الطاقة المتجددة، وقدمت الحوافز والضمانات لجذب الاستثمارات في مشروعات الطاقة المتجددة، فضلا عن إصدار أول سند أخضر بالشرق الأوسط بدعم البنك التجاري الدولي لتوفير رأس مال لمشروعات التنمية ذات الفائدة البيئية بقيمة 750 مليون دولار أمريكي.

فرص مصرية في ظل أزمة الطاقة

ويرى الباحث الاقتصادي مجدي عبد الهادي، أن الاهتمام بمشروعات الطاقة النظيفة يعكس أزمة الطاقة المتصاعدة عَالَمِيًّا، خاصة مع بروز قوى صناعية جديدة كالصين والهند، تمارس ضغطًا على موارد الطاقة التقليدية المُتاحة، والتي يُتوقع لها مزيد من التراجع في العقود القادمة.

وفي هذا الإطار يمكن فهم استهداف البلدان ذات المزايا النسبية في إنتاج كل نوع من أنواع الطاقة المتجددة النظيفة بالأخص.

ولهذا تركّزت الاتفاقات مع مصر في مشاريع إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلاً عن الهيدروجين الأخضر، والتي تعتمد كلها على موارد مُتوافرة بشكل جيد في مصر، مُضافًا لها سهولة نقلها بفضل الموقع المتميز جُغْرَافِيًّا.

ويضيف عبد الهادي أنه رغم أن هذه الاتفاقات التي تمت مع العديد من الجهات الدولية، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات خصوصًا، بما بلغ إجماليه المُخطط ٨٣ مليار دولار مع تسعة مُطورين مختلفين، لا زالت في إطار مذكرات التفاهم وخطط المشاريع.

ورغم ذلك يري عبد الهادي أن ذلك يعكس توقعات إيجابية بمستقبل القطاع في مصر؛ الأمر الذي تدعمه محاولات مصر الإيجابية فيه، كما ظهر بنمو إنتاجها من الطاقة المتجددة بحوالي 22 % عام 2020-2021 مع توافر بنية تحتية ملاءمة نِسْبِيًّا.

الدكتورة فريدة بنداري، نائب مدير المركز العراقي- الإفريقي للدراسات الاستراتيجية
الدكتورة فريدة بنداري، نائب مدير المركز العراقي- الإفريقي للدراسات الاستراتيجية

اقرأ أيضا: سباق أمريكي- صيني على كعكة إفريقيا.. كيف تستفيد القارة؟

مصر واستراتيجية الطاقة البديلة

ينوّه عبد الهادي، أن الحياد النسبي الغالب على السياسة الخارجية المصرية، والذي لا ينفصل عن موقعها الدولي كمسئولة عن أهم ممر ملاحي في العالم، هو ما يفسّر جُزْئِيًّا هذا الميل للتوسّع بمشروعات بدائل الطاقة فيها، كمصدر مأمون لها، في سياق عالمي تتزايد فيه الصراعات بين الأقطاب الدولية والانشقاقات والتجزؤات المتزايدة في سوق الطاقة العالمية؛ بشكل تتزايد معه حاجة العالم الغربي خصوصًا لتعديل توليفة استراتيجيته الطاقوية نَوْعِيًّا وَجُغْرَافِيًّا معًا

وتشير فريدة البنداري أن مصر وجهت مبادرات للقارة الأفريقية تتضمن مبادرة “من أجل انتقال عادل للطاقة في إفريقيا” لتأمين وصول الكهرباء لأكثر من 300 مليون إفريقي.

ومن المتوقع أن تستحوذ إفريقيا على نحو 10 % من سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر عالميا بحلول عام 2050 وأطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي “المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد” بالشراكة مع بلجيكا وعدد من الشركاء الدوليين، ورصدت الدول المتقدمة حزما تمويلية تقدر ب 100 مليون دولار.

ويرى الدكتور سعيد ندا، المتخصص في الشئون الإفريقية أن عام 2022 شهد نجاح مصري مبهر في تنظيم وإدارة مؤتمر COP 27 حيث توصلت الأطراف إلى اعتماد قرار يقضي بإنشاء صندوق لتعويض الدول الفقيرة المتضررة من التغيّرات المناخية، وبطيعة الحال تأتي في مقدمتها الدول الإفريقية.

دوافع الدور المصري

يضيف ندا، أن إفريقيا تعد أكثر مناطق العالم تضررا من الكوارث والأزمات المناخية خلال عام 2022، على سبيل المثال، اجتاحت فيضانات عارمة مناطق في نيجيريا وتسببت في نزوح نحو 1.3 مليون آخرين، كذلك ضرب إعصار Idai المداري اليابسة في ميناء “بيرا” Beira في موزمبيق، أيضا ضربت واحدة من أشد موجات الجفاف إثيوبيا والصومال.

ويؤكد أن تلك الكوارث البيئية والمناخية شكلت دافعا نحو طرح مبادرات لكيفية إدارة الاتحاد الإفريقي لملف قضية التغيرات المناخية والبيئية، باعتبار أن الأمن البيئي بات على نفس أهمية الأمن الإنساني والأمن القومي.

يضيف ندا أن إفريقيا تعد أكثر مناطق العالم تضررا من الكوارث والأزمات المناخية خلال عام 2022

مكاسب مصر من مؤتمر المناخ

تشير بنداري إلى أن مصر حققت عددا من المكاسب في مؤتمر المناخ، تعزيز المكانة الدولية؛ المتمثل في إمكانية تنظيم حدث دولي، يعكس القدرة على التنسيق بين كافة الجهات المعنية، فضلا عن تسليط الإعلام الدولي الضوء على مصر.

هذا بجانب تمويل برامج وتوقيع اتفاقيات اقتصادية ضمن الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، بجانب إنشاء صندوق “المناخ الأخضر” وهو ما يعد انتصار لحقوق الدول النامية المتضررة جراء التغيرات المناخية، إضافة إلى تفعيل آلية التفاوض بين الأطراف الدولية وإدراج بند الخسائر والأضرار على أجندة المؤتمر، بعد رفض إدراجه منذ توقيع اتفاق باريس قبل 7 سنوات.

كما حصلت مصر على مساعدات من الولايات المتحدة (500 مليون دولار) لدعم الطاقة النظيفة ومشروعات صديقة للبيئة، هذا وتمتلك مصر مصادر للطاقة المتجددة من الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤهلها لأن تكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة النظيفة، خاصة حال السير بجدية فى إصلاح مناخ الاستثمار.