صدرت حديثا عن منصة “أسباب”، وهي منصة معنية بتحليل أبعاد ومآلات التطورات الإقليمية والدولية من منظور جيو سياسي. العدد 36 من دورية “مآلات تركيا”، والذي تناول بالتحليل تداعيات كارثة زلزال “كهرمان مرعش” على السياسة المحلية والأوضاع الجيو سياسية. والتي رغم أنها مازالت قيد التشكل، ومن المبكر الجزم بكافة جوانبها، إلا أنها تضفي مزيدا من الغموض على البيئة السياسة الداخلية في تركيا قبيل الانتخابات، التي سيبقى خيار تأجيلها قائما.

وبينما يواجه الرئيس رجب أردوغان أصعب الاختبارات في فترة حكمه التي استمرت 20 ًعاما، تشير الدورية إلى أنه “سيبذل وسعه لإدارة الأزمة بكفاءة، وسيضع نفسه في قلب جهود التعافي وإعادة الإعمار، مما قد يعزز بشكل إيجابي فرص إعادة انتخابه”.

الرئيس التركي رجب أردوغان في زيارة لإحدى المناطق المتضررة من الزلزال

وفي ظل حالة التضامن الدولي التي أثارتها الكارثة، من المرجح أن تشهد تركيا هدوءا في علاقاتها الخارجية، وسيكون تركيز الرئيس أردوغان، وأولوية حكومته خلال الأشهر القادمة، منصبا على الشأن المحلي. مع تجميد بعض الملفات الخارجية -ولو على المدى القصير- مثل الصراع مع اليونان في بحر إيجه، وخطط إعادة توطين اللاجئين السوريين في شمال سوريا.

يلفت التحليل أيضا إلى أن حالة التضامن الدولي الجارية “لا تعني أن الحسابات الجيوسياسية الأوسع ستكون غائبة. حيث ستراقب تركيا مستوى الدعم الحقيقي المقدم من دول أوروبا والولايات المتحدة، وستنظر إليه كرسالة سياسية. وبينما لا يزال الموقف الصيني غامضا، فإن احتمالات الدعم الروسي لا يمكن استبعادها. خاصة إذا تقاعس الغرب عن تقديم دعم معتبر.

اقرأ أيضا: أردوغان والزلزال.. أي تأثيرات على أوضاعه الانتخابية؟

أيضا من المرجح أن تساهم قطر بفاعلية، إلا أن مستوى الدعم المقدم من السعودية والإمارات سيعكس مدى رهان الدولتين على الاستثمار في علاقات استراتيجية مع تركيا.

لقراءة العدد كاملا اضغط هنا

تداعيات اقتصادية

تمثل الولايات العشر المتضررة من زلزال تركيا 15% من سكان البلاد -ما يقارب 13 مليون نسمة- لكنها، في الوقت نفسه، من بين أفقر المقاطعات التركية، وتسهم مجتمعة بحوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ومع الأهمية النسبية لهذه المناطق اقتصاديا، فإن التقييم المبكر يميل لاعتبار أن التأثير الاقتصادي للزلزال سيكون محدودا وقصير الأجل. حيث ظلت المراكز الصناعية والتجارية الخمس الكبرى، في إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة وكوجالي -53.7 % من الناتج المحلي الإجمالي- بعيدة عن آثار الزلزال. وهو نفس الحال لمراكز السياحة الرئيسية في البلاد: إسطنبول وأنطاليا وأدرنه، التي تمثل 76.7% من إجمالي عدد السياح.

يتوقع التحليل على المدى القصير أن تؤدي صدمة الكارثة، وجهود توجيه السلع الأساسية للمناطق المنكوبة، إلى إعاقة جهود الحكومة لاحتواء التضخم. وفي المقابل، يتوقع أن يتلقى ميزان المدفوعات دعما من تدفقات المساعدات لدعم جهود الإغاثة والتعافي قد تساعد في ضمان استقرار الليرة في الفترة التي تسبق الانتخابات.

لكن، وفق التحليل نفسه، من المرجح بعد الانتخابات أن تتخلى الحكومة والبنك المركزي عن الدفاع عن قيمة الليرة. وستكون الحاجة ملحة لتعديل أسعار الصرف. لذلك، من المتوقع أن يتأثر عجز ميزانية الدولة -والذي كانت التوقعات الحكومية تضعه عند 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي- بمستوى يتوقف على حجم المساعدات الخارجية.

وقد يتأثر كذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وإن كان من المرجح ألا يكون التأثير بنفس الأهمية مقارنة بزلزال 1999، حين انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 3.3%، كما سيساهم الإنفاق على جهود إعادة البناء، والتي يتوقع أن تطلقها الحكومة قريبا، في تحفيز النمو. حيث تحسب أعمال إعادة البناء على أنها زيادة في الإنتاج “وتشير الدلائل من الزلازل السابقة إلى أن الاقتصادات يمكن أن تعوض بسرعة إنتاجها المفقود، حيث استمر الناتج المحلي الإجمالي في النمو أثناء وبعد زلزال كوبي الياباني عام 1995، وكان هناك انتعاش قوي عقب زلزال نيجاتا الياباني عام 2004، بينما نجحت تشيلي في تعويض آثار زلزال 2010 بالكامل في ربعين “من العام”.

التأثير على الانتخابات

من المرجح أن تشهد تركيا لحظة وجيزة من الوحدة والتضامن الوطني في أعقاب الزلزال، لكن من المرجح أن المعارضة ستعمل على انتهاز الفرصة للإشارة إلى أن البرامج الاقتصادية التوسعية لحزب العدالة والتنمية -مثل رفع الحد الأدنى للأجور والحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة- ستؤدي إلى إجهاد القدرة الاقتصادية لتركيا على إعادة بناء خسائر تقدر بمليارات الدولارات بسرعة. وستتعزز حجج المعارضة الاقتصادية إذا كانت تعهدات المساعدات الدولية أقل من تقديرات الأضرار، مما يترك تركيا تتحمل المزيد من العبء المالي لإعادة الإعمار.

بالإضافة إلى ذلك، يشير التحليل إلى أن التقارير حول سلامة المباني ومطابقتها لمعايير مقاومة الزلازل، وأثر ذلك على ارتفاع عدد الضحايا في هذه الكارثة، ستشكل مادة مهمة للمعارضة للتركيز عليها، وكذا بعض ذوي الضحايا، وربطها مع مرور الوقت باحتمالات الفساد الحكومي والإداري في البلديات، الذي دفع بعض شركات البناء إلى تجاهل اللوائح المصممة لزيادة مقاومة المباني للزلازل.

لذلك، سارعت السلطات التركية بتوقيف عشرات من مقاولي البناء، وفتحت تحقيقات ضدهم حول مزاعم مخالفة معايير البناء.

يشير التحليل أيضا إلى أنه من المحتمل تأجيل موعد الانتخابات في ظل خسائر البنية التحتية وانتقال مئات الآلاف من السكان، وربما ملايين، خارج ولاياتهم، وفقدان الآلاف منهم أوراقهم الثبوتية، وهو ما يمثل تحديات لتنظيم عملية الاقتراع في المناطق المتضررة.

والأهم من ذلك؛ أن قرار تأجيل الانتخابات سيرتبط أيضا بتقدير الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم لمدى تحولات الرأي العام بعد إعادة تركيز الناخبين نحو الكارثة، سواء من حيث تقييم الرأي العام لكفاية استعدادات الحكومة للزلزال بشكل مسبق، أو من حيث استجابة الحكومة له وكفاءتها في إدارة الأزمة.

يشير التحليل أيضا إلى أنه من المحتمل تأجيل موعد الانتخابات في ظل خسائر البنية التحتية وانتقال مئات الآلاف من السكان وربما ملايين خارج ولاياتهم

اقرأ أيضا: الكاتب البريطاني ديفيد هيرست: القارة العجوز بلا قلب.. وزلزال تركيا وسوريا دليل “ازدواجيتها”

المساعدات الخارجية

مع وصول المساعدات الدولية بسرعة من الحلفاء واللاعبين الإقليميين، وحتى من دول مثل فرنسا واليونان التي تصاعدت معها التوترات الجيو سياسية مؤخرا. يشير التحليل إلى أنه “من المرجح أن تتحسن العلاقات، وأن تكون مخاطر التوترات الإقليمية الجيو سياسية أقل”. على الرغم من أن هذا من المحتمل أن يكون قصير الأجل “نظرا للخلافات الراسخة والاستقطاب الانتخابي في تركيا، خاصة إذا استأنفت اليونان جهود تغيير الوضع القائم في جزر بحر إيجه”.

يقول: تظهر الاستجابة الواسعة لنداء المساعدة الدولية مكانة تركيا، وبالتبعية نجاح سياسة أردوغان الخارجية. حيث بادرت كافة الأطراف المتصارعة رغم ما بينها من تباينات مثل روسيا والغرب، أو إيران وإسرائيل، بالمشاركة في جهود الإنقاذ.

يضيف: كما أن الحكومة ستعمل على إبراز هذا الأمر، كنتيجة لسياسة تهدئة التوترات الإقليمية التي انتهجها أردوغان ونتج عنها تلقي تركيا دعما إغاثيا من السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل، وحتى اليونان، وهو أمر ربما كان مستبعدا قبل عامين.

وبينما من المرجح أن تساهم قطر بفاعلية في جهود التعافي وإعادة البناء، فإن المؤشر الحاسم حول حرص دول الخليج -خاصة السعودية والإمارات- على الاستثمار في علاقة استراتيجية مع تركيا، وليس مجرد احتواء توتر العلاقات، سيظهر في مستوى الدعم المالي الذي ستقدمه لبرامج إعادة البناء، وبرامج الدعم الاقتصادي للمتضررين من الزلزال، والتي ستثمل عبئا على ميزانية الدولة المثقلة بالفعل ببرامج الدعم والإنفاق الحكومي الاجتماعي التوسعية، التي أقرتها الحكومة خلال الأشهر الأخيرة لمواجهة موجة التضخم.

ويوضح التحليل أن “حالة التضامن الدولي لا تعني أن الحسابات الجيو سياسية الأوسع ستكون غائبة. حيث ستراقب تركيا مستوى الدعم الحقيقي المقدم من دول أوروبا والولايات المتحدة، والذي ستنظر إليه أنقرة كرسالة سياسية، لا ترتبط فقط بقضايا خارجية مثل ملف عضوية السويد في الناتو، ولكن أيضا قد تفسره بتعمد هذه الأطراف الضغط على الحكومة محليا قبيل الانتخابات.

الدور الروسي والصيني

بينما لا يزال الموقف الصيني غامضا، فإن احتمالات الدعم الروسي لا يمكن استبعادها “خاصة إذا تقاعس الغرب عن تقديم “دعم معتبر” -حسب تعبير التحليل- فقد لا يتمكن الرئيس الروسي من تقديم مساعدات مالية، لكنه قادر على دعم تركيا بشحنات من الغاز على سبيل المثال، وهو لا يقل أهمية أبدا عن الدعم المالي، لأنه سيوفر لميزان المدفوعات التركي فائضا يمكن للحكومة توجيهه لتسريع جهود البناء دون أن أعباء إضافية على الميزانية”.

أيضا، قد يواجه شمال غرب سوريا أيضا حالات من عدم الاستقرار الاجتماعي. حيث سيؤدي الزلزال إلى زعزعة استقرار هيكل الحكم الهش بالفعل. فقد كانت إدلب وحلب أكثر المناطق تضررا في سوريا، حيث تسيطر هيئة تحرير الشام على الأولى، والأخيرة منقسمة بين قوات النظام السوري والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. تضم هذه المناطق عددا كبيرا من اللاجئين، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات من تركيا.

يوضح التحليل أنه “مع تصارع تركيا مع استجابتها بعد الأزمة، والعقوبات الدولية التي تعرقل المساعدات لسوريا، تعثرت بشكل كارثي الاستجابة الدولية للاحتياجات الطارئة لسكان إدلب وشمال حلب، وهذا يمكن أن يعرض الاستقرار الاجتماعي الهش للخطر”.

ولفت إلى أن زلزال 6 فبراير/ شباط، تسبب أيضا في أضرار واسعة النطاق في الأراضي السورية الواقعة تحت الحماية التركية “وقد يعني هذا استبعاد قدرة حزب العدالة والتنمية على المضي في مخطط إعادة توطين مليون لاجئ سوري، من بين 6.3 مليون لاجئ يعيشون في تركيا، والذين أصبحوا هدفا للمعارضة لتعبئة المشاعر القومية ضد الحكومة في الفترة التي تسبق الانتخابات”.

من زاوية أخرى، قد تكون المعارضة التركية أقل حماسا في استخدام ورقة إعادة اللاجئين السوريين خلال الحملة الانتخابية بنفس الزخم السابق، في ظل حالة النزوح الداخلي لعدد واسع من المواطنين الأتراك خارج الولايات المنكوبة، وتفاقم المعاناة الإنسانية في الشمال السوري نتيجة الزلزال.

ومع هذا، يؤكد التحليل أنه “ستظل الخطابات القومية المعادية للاجئين والأجانب ضمن أجندة بعض أحزاب المعارضة التركية”.