تشكل القمة المنعقدة في أديس أبابا حاليًا أحد أهم القمم الإفريقية في الفترة الأخيرة نظرا لكونها تناقش إلى جانب قضايا الأفارقة التقليدية مسألتي عضوية إسرائيل كمراقب للاتحاد الإفريقي ومسألة إسقاط تجميد عضوية السودان نتيجة الانقلاب على صيغة الشراكة بين المدنيين والعسكريين في السلطة الذي جرى في الخرطوم في 25 أكتوبر 2021 وذلك إلى جانب أهم التحديات التي تواجهها القارة حاليا وهي المجاعة نتيجة انعدام الأمن الغذائي في كثير من أنحاء القارة.
عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي هي أزمة ممتدة من القمة الماضية رقم 35 ونتيجة الخلاف والاستقطاب الحاد حول هذه المسألة فقد تم تعليق الطلب وتكوين لجنة للبث النهائي في الطلب الإسرائيلي من 7 رؤساء دول، بينهم رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، وتضم اللجنة -التي تشمل تركيبتها دولا مؤيدة وأخرى معارضة لمنح إسرائيل صفة المراقب- رؤساء السنغال والكاميرون والكونغو الديمقراطية ونيجيريا ورواندا وجنوب إفريقيا، حيث تعد كل من جنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر من أشرس الأطراف المضادة للطلب الإسرائيلي.
وأقدمت القمة أيضًا على خطوة غير مطروقة في الآونة الأخيرة وهي إصدار تقرير بعنوان “الوضع العام في الشرق الأوسط وفلسطين” شدد على ضرورة توفير الحماية الدولية لأرض فلسطين وشعبها، تمهيدا لإنهاء الاحتلال والحفاظ على فرصة حل الدولتين عملا بقرارات مجلس الأمن الدولي.
في هذه الدورة قد تنفتح شهية إسرائيل لممارسة مزيدا من الضغوط على الأفارقة مدفوعة بنجاحاتها في إبرام اتفاقات السلام الإبراهيمي مع دول كبرى في القارة مثل المغرب وقرب عقد ذات الاتفاق مع السودان طبقا للتقدير الإسرائيلي، فضلا عن علاقات مميزة بتشاد جعلت رئيس المفوضية وهو تشادي الأصل ينحاز للطلب الإسرائيلي، بل قبله قبيل انعقاد القمة العام الماضي، وهو ما آثار الجميع ضده.
المشهد الإفريقي هذا العام أيضا قد لا يكون في صالح إسرائيل، ومن المرجح الاستمرار في التعليق دون اتخاذ خطوة الرفض الصريح وذلك لعدد من العوامل منها التغول الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية تحت مظلة حكم نتنياهو، وهو الأمر الذي دفع نحو مناقشة هذا التغول في مجلس الأمن مؤخرا.
ثانيا أن هناك انقساما إفريقيا حول الطلب الإسرائيلي، وباالتالي الذهاب إلى أي من الاتجاهين أي الرفض أو القبول ينتج عنه بالقطع انقسام إفريقي لا يرغب فيه أحد من الأفارقة، ثالثا وربما يكون هو الأهم أن الذهنية الإفريقية مازالت تحركها مشاعر ساخنة ضد الاستعمار الاستيطاني بكافة أنواعه وحالة التمييز العنصري، وهما أمران تمارسهما إسرائيل بمنتهى الأريحية ضد الفلسطينين بما يجعل الموقف الإفريقي مرشحا أن يتجه للتمسك بموقف العام الماضي وهو تعليق الطلب والتأكيد على تبني دول الاتحاد حل الدولتين مع عدم تغيير الواقع على الأرض.
وفيما يخص السودان فرغم تعليق أنشطة الدولة فإن وفدا سودانيا مقربا من المكون العسكري سوف يحضر القمة في محاولة لإثناء الاتحاد الإفريقي عن موقفه، حيث تحظى هذه الجهود بدعم مغربي يسعى للعب دور نشط في كافة القضايا الإفريقية مؤسس على التنافس المغربي الجزائري في القارة حيث تملك الجزائر نفوذا مؤثرا في مفوضية الاتحاد الإفريقي.
ويبدو لي أنه من غير المرجح أن ينجح الوفد السوداني في تغيير موقف الاتحاد الإفريقي منه بسبب عدد من الأسباب منها أن هذه الدورة للقمة 36 سوف تحتضن اجتماعات بشأن التغييرات غير الدستورية في القارة الإفريقية أي الانقلابات العسكرية، وهي اجتماعات سوف تناقش مخرجات قمتين أحدهما للخبراء وقادة المجتمع المدني والثانية رسمية ممثلة لدول الاتحاد الإفريقي وقد عقدتا في كل من غانا وغينيا على التوالي بشأن التطورات المعادية للديمقراطية في القارة الإفريقية وانتشار وقوع الانقلابات العسكرية. أما السبب الثاني فيرتبط بالموقف الدولي الرافض لانقلاب 25 أكتوبر، حيث يحظى الاتحاد الأوربي بنفوذ في أروقة الاتحاد الإفريقي كون الأول ممولا رئيسا لأنشطة الثاني، من هنا فمن غير المرجح أن يتم إعطاء المكون العسكري السوداني قبلة الحياة في القمة الإفريقية خصوصا وأن الموقف الدولي قد تبلور على حرمان السودان من مبادرة إسقاط ديونه في حال عدم تكوين حكومة مدنية تم تحديد سقف زمني لإعلانها لايتجاوز مارس القادم.
أما قضايا المجاعات الإفريقية وتحقيق الأمن الغذائي ربما تكون أكثر المسائل حساسية للإنسان الإفريقي خصوصا في دول بعينها مثل الصومال وجنوب السودان والنيجر وكينيا وإثيوبيا حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن المجاعة ستتهدّد 22 مليون شخص على الأقل في منطقة القرن الإفريقي وحده، حيث يتزايد خطر انعدام الأمن الغذائي بسبب الجفاف الذي بلغ مستويات قياسية وهو الأسوأ منذ أربعين عاما، بسبب إحتجاب هطول الأمطار للعام الرابع على التوالي، وهو مادفع ملايين البشر للنزوح الداخلي في إفريقيا.
وبطبيعة الحال سوف تشكل كل من أزمتي الحرب الروسية الأوكرانية وزلزال كل من تركيا وسوريا ضغوطا إضافية علي الجهات الدولية المانحة التي تعودت أن تتجه نحو الكاميرات المتحركة في الأزمات الجديدة بينما تغيب الأزمات القديمة في غياهب النسيان.
بعيدا عن هذه الأزمات المركزية الثلاث، فإن شعار إسكات البنادق الذي ترفعه القمم الإفريقية مؤخرا لن يشهد دفعا كبيرا رغم ما جرى في إٍقليم تيجراي الإثيوبي إذ إن الوضع في كل من دارفور ونيجيريا وتشاد والصومال لا ينبيء عن نجاح قريب للمبادرة خصوصا وأن الصراعات الداخلية المسلحة قد تم تشبيكها على نحو ما بظاهرة الإرهاب لاسيما في غرب إفريقيا بما يجعل أزمة الصراعات المسلحة في إفريقيا ممتدة لعقد قادم على الأقل في تقديري.
وربما تكون بقعة الضوء في قمة الاتحاد الإفريقي هذا العام مرتبطة بمنطقة التجارة الحرة الإفريقية التي تتسع لاقتصادات إفريقية. بإجمالي ناتج محلي يبلغ 3.4 تريليونات دولار في الوقت الراهن، ومن المتوقع أن توسع منطقة التجارة الحرة حجم اقتصاد إفريقيا إلى 29 تريليون دولار بحلول عام 2050 وهو أمر يملك إمكانية تحقق خصوصا مع الاهتمام الدولي بهذه الخطوة الإفريقية والذي برز في القمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت بواشنطن مؤخرا.
وفي إطار الأنشطة الروتينية للقمة فإنه سيجري تعزيز الجهود المبذولة لترقية الموقف الإفريقي الموحد الذي يؤكد على ضرورة تمكين القارة من الحصول على مقعدين دائمين في الهيئة الأممية، ورفع تمثيلها في فئة المقاعد غير الدائمة من 3 إلى 5 مقاعد.
حيث شهد العام 2005 إطلاق لجنة إفريقية تتكون من 10 دول مكلفة بتطوير مقترحات بشأن إدخال إصلاحات على آليات مجلس الأمن، كما تم تكليفها بحشد التأييد في العالم لرؤية إفريقيا لهذه الإصلاحات، ويبدو أن الصوت الإفريقي بهذا الصدد قد تم سماعه مؤخرا حيث أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريحات على هامش القمة أن عضوية القارة الإفريقية في كل من مجلس الأمن ومجموعة العشرين هي محل بحث واهتمام أمريكي.
إجمالا يبدو أن طريق الأفارقة مازال شائكا وأن التنافس الدولي على القارة بات مؤثرا على اتجاهات النخب فيها أحيانا بالتوافق وأخرى بالانقسام، ولكن يبقى في المحصلة أن الاتحاد الإفريقي مازال قادرا على طرح القضايا الحقيقية للأفارقة بمصداقية وفعالية معقولة ومازال قادرا على تحقيق نجاحات صغيرة في بعض ملفات الصراع السياسي الداخلي في بعض الدول الإفريقية، وذلك مقارنة بجامعة الدول العربية.