بالإفراج عن دفعة ضمت 35 اسما الأسبوع قبل الماضى، وقبلها إخلاء سبيل كل من رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله سيف، ثم رفع اسم د. ممدوح حمزة من قوائم المنع من السفر وترقب الوصول وعودته بالفعل الأسبوع الماضي، وأخيرا الإفراج عن المستشار هشام جنينة بعد انقضاء فترة الحكم الصادر ضده، مع تلك الأحداث عادت الملفات المتعلقة بقضية حرية سجناء الرأي وتصفية المواقف العالقة لتمكين المصريين الراغبين فى العودة لوطنهم دون ملاحقة على خلفية مواقفهم وآرائهم السياسية لتكون مطروحة مجددا بعد فترة من الركود المشوب بالشك خاصة فى ظل عدم انطلاق الحوار الوطني وبعض المواقف التى يفهم منها وجود شد وجذب وخلافات فى وجهات النظر تعطل بدء الحوار الوطني حتى الآن.

المؤكد أن الإجراءات الأخيرة ورغم أنها تظل جزئية إلا أنها خطوة للأمام فى ملف ظن كثيرون فى الفترة الأخيرة أنه قد أغلق، لكن الاكتفاء بها، أو الانتظار لعدة أسابيع أو شهور أخرى قبل استكمالها بإجراءات أخرى أوسع وأشمل وأعمق أثرا، قد يهدر الآثار الإيجابية لهذه الخطوات، ورغم أن بعضها أيضا يمثل تحصيل حاصل مثل الإفراج عن المستشار جنينة بعد 5 سنوات من عمره قضاها فى السجن، إلا أن اللحظات التى شهدت عرضه على نيابة أمن الدولة قبل إخلاء سبيله والتى أثارت قلقا واسعا لدى كثير من المتابعين حول احتمالات تدويره فى قضية أخرى، وهو ما كان يجري عادة خلال السنوات الماضية بشكل متكرر ومع أسماء بارزة أيضا، فجاء قرار إخلاء سبيله ليمثل خطوة إيجابية ولو جزئيا بأن مسار التدوير فى قضايا أخرى ليس مطروحا على الأقل كما كان من قبل، وإن كان ذلك أيضا لا يعني أنه قد انتهى وأغلق تماما، فلا تزال هناك حالات عديدة يتم فيها استخدام ذلك المنهج حتى لو تكن أسماء معروفة أو مشهورة.

ما هو المطلوب الآن إذا لدفع الأمور إلى الأمام فى ملف سجناء الرأي، والملفات المرتبطة به؟ باختصار ووضوح شديدين، المطلوب هو نفس ما كان مطلوبا من قبل ولا يزال، الإفراج عن كل من لم يتورط فى قضايا عنف أو دم، وتصفية ملف سجناء الرأي بشكل كامل، وإنهاء مأساة ومعاناة العديد من الأسر التي لا يزال أبناؤها فى السجون، عبر دفعات كبيرة ومتتالية من إخلاءات السبيل من النيابة للمتهمين في مختلف القضايا ذات الطابع السياسي، خاصة تلك التي مر عليها عامان أو أكثر من الحبس الاحتياطي، وإصدار قرارات عفو عن سجناء الرأي الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية، والتوسع والتسارع فى إجراءات ذلك الملف، لأنه كان ولا يزال عبئا على كل الأطراف.

ولا يمكن أن تستقيم الأمور وتتقدم للأمام حقا إلا بتصفية ذلك الملف الذي شهد خطوات إيجابية على مدار الشهور الماضية، لكن يشوبها ثلاث نقاط جوهرية، أولها هو عدم انتظامه والتباطؤ الذي يطوله كل فترة، وثانيها هو عدم شموله وفقا لمعايير وآليات واضحة بما يعكس كونه توجها عاما فيما يتعلق بأي سجين رأي دون أن يشمل أي متورط فعلا وبأدلة واضحة فى إرهاب أو عنف وليس مجرد اتهامات لتكييف الوضع القانونى الذى استخدم بأسوأ صورة ممكنة لملاحقة كل من يقول رأيا مختلفا أو معارضا خلال السنوات الماضية، وثالثا وهو الأهم عدم الاستمرار فى إلقاء القبض على أصحاب الرأي المختلف، ولأسباب لا تستحق أبدا القبض والحبس سواء بسبب كتابات أو فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي أو ما شابه وهو ما تكرر للأسف فى أكثر من حالة خلال الفترات السابقة وأحيانا مع مواطنين لا علاقة لهم بالسياسة أو نشطاء معارضين لم يعد لهم نشاط ولو بالتعبير عن رأيهم.

بقدر ما تمثل دفعات الإفراج عن سجناء الرأي خطوات إيجابية، فإن استكمالها بهذه النقاط الثلاث أمر ضروري، ويضاف لها أيضا تسوية الأوضاع القانونية لكل من أفرج عنهم سواء برفع أسماء من أدرج منهم على قوائم الإرهاب أو من تم التحفظ على أمواله أو رفع اسمه من على قوائم المنع من السفر، ومع ذلك كله وربما أهم منه عودة المفرج عنهم لأعمالهم أو دراستهم وحياتهم الطبيعية دون معوقات أو قيود تمثل المزيد من المعاناة لهم، ودون إنكار وجود جهد في ذلك الملف إلا أنه أيضا لا يزال محدودا مقارنة بعدد المفرج عنهم في الشهور الماضية، فضلا عن من أفرج عنهم في مراحل سابقة قبل إطلاق الدعوة للحوار الوطنى ومنهم لا تزال معاناته ممتدة سواء لأسباب متعلقة بالعمل أو الدراسة أو المنع من السفر، وكذلك ملف الاستدعاءات الأمنية المستمرة والمتكررة لبعضهم.

من ناحية أخرى، فإن ملف عودة المصريين الراغبين في الرجوع لوطنهم هو أيضا ملف بالغ الأهمية، والحديث هنا بالتأكيد ليس عمن تورطوا في عنف أو إرهاب أو تحريض عليه، وإنما عن كثير ممن ضاقت بهم الأحوال سواء السياسية أو الاقتصادية فلم يجدوا سبيلا سوى ترك بلادهم وأحيانا أسرهم وأهلهم والسفر للخارج، وهؤلاء كثيرين، بعضهم قد لا يكون راغبا في العودة، لكن كثيرا منهم بالتأكيد يرغب في ذلك ولو لم يكن للبقاء وإنما حتى لمجرد الزيارة، ولكن خشية كونه ملاحقا أو متهما في قضايا لا يعرف عنها شيئا، أو ممنوعا من السفر أو موضوعا على قوائم ترقب الوصول، كلها أسباب تدفع هؤلاء لعدم التفكير في الرجوع إلا في حال وجود ضمانات بعدم الملاحقة أو رسائل طمأنة، وصحيح أن د. ممدوح حمزة لم يكن الاسم الأول الذي يتمكن من العودة فقد شهدت الشهور الماضية عددا من الحالات المماثلة، لكن الأمر يحتاج لتعامل أوسع وأشمل، ورسائل طمأنة حقيقية وجادة وعلنية، وآلية محددة للراغبين في العودة للتعامل من خلالها.

يظل ذلك كله جزءا من الصورة الأوسع، وهي التي تشمل بالتأكيد انفتاح سياسي حقيقي، وإطلاق المجال لحرية التعبير عن الرأي، وهي خطوات لن تكتمل إلا بتعديلات تشريعية واسعة، بدءا من المواد الخاصة بالحبس الاحتياطي سواء في قانون الإجراءات الجنائية أو قانون الإرهاب أو غيرهما، ومرورا بالقيود التشريعية على حرية الصحافة والإعلام، ووصولا إلى قوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية والانتخابات وغيرها، لكن، والأهم، مع التعديلات التشريعية أن تصحبها ممارسة سياسية وعملية تؤكد ذلك، دون أن تكون هناك رسائل متضاربة ومتناقضة، ودون أن يكون التعامل مع تلك الملفات جزئيا يتقدم خطوة للأمام وخطوة إلى الخلف أو يقف محلك سر لوقت طويل نسبيا، وهذه كلها حلول سياسية ضرورية وواجبة وعاجلة وغير مكلفة، بل على العكس فإنها تدفع الأمور إلى الأمام، وربما استمرار الحال على ما هو عليه دون تصورات سياسية شاملة وإجراءات عملية واسعة هو ما يبدو أكثر كلفة على جميع الأطراف.