“ممنوع من كل حاجة حتى الحياة، الحاجة الوحيدة لي هي الموت”. بهذه الكلمات، عبّر شريف الروبي، القيادي السابق بحركة شباب 6 إبريل، عن الأوضاع التي يعيشها، وعن المشاعر التي تنتابه، بعد خروجه من السجن في مايو/ أيار من العام الماضي، بفترة قليلة، واعتبرت السبب في اعتقاله للمرة الرابعة في 16 سبتمبر/ أيلول من نفس العام.

عانى الروبي من استمرار القبض عليه بين والحين والآخر، ليصل بـ”الحبسة الأخيرة” إلى 4 مرات سجن منذ عام 2016. قضى قرابة العام ونصف العام من الحبس الاحتياطي، في الفترة ما بين ديسمبر/ كانون الأول 2020 ومايو/ أيار 2022، على خلفية الاتهامات نفسها التي يواجهها اليوم، في القضية رقم 1111 لسنة 2020 أمن دولة.

حبس عرض مستمر

ألقي القبض على “الروبي” للمرة الأولى في 2016 بتهمة خرق قانون التظاهر، ثم في 6 إبريل/ نيسان 2018 في محافظة الإسكندرية. حينها اختفى لمدة 8 أيام قبل العرض على نيابة أمن الدولة العليا في 16 إبريل، للتحقيق معه على ذمة القضية 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة. وفي 22 يوليو/ تموز 2019. وبعد قرابة عام ونصف العام من الحبس الاحتياطي، قررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيل الروبي بتدابير احترازية.

كان الروبي -بعد خروجه من السجن للمرة الثالثة- بدأ فى كتابة بعض تدوينات على “تويتر” و”فيسبوك”، يحكي عن معاناة المفرج عنهم بعد الحبس الاحتياطي، من ندرة فرص العمل والمضايقات الأمنية والاحتجاز بأقسام الشرطة لساعات وأيام، دون سبب. فضلًا عن المنع من السفر. وهي أمور تعنى تقطع سبل العيش والرزق داخل البلد أو خارجها.

“الحبسة” الأخيرة، جاءت بعد هذه التدوينات، ما اعتبره نشطاء رسالة إلى كل سجين رأي حصل على حريته، بأنه غير مصرح له بالحديث عن السجن ومشكلاته. بل وعن الأوضاع بشكل عام. رسالة واضحة تمامًا، تقول: “تخرج من الحبس، تتكلم، هتتحبس تاني”.

اقرأ أيضًا: “معاناة ما بعد السجن”.. باحثون عن الحياة يروون تجاربهم مع العمل بعد الحبس الاحتياطي

أثار قرار القبض علي شريف الروبي، للمرة الرابعة، ردود فعل واسعة. إذ لم يكن وقتها مضى على خروجه غير ثلاثة أشهر فقط. وتزامنت هذه الحبسة، مع انطلاق فعاليات الحوار الوطني، الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، إبريل/ نيسان الماضي، في دعوة علق عليها الجميع آمالهم في تحسن الأوضاع الحقوقية، وأبسطها القدرة على التعبير عن الرأي.

واقعة القبض على الروبي وغيرها من وقائع مشابهة، دفعت إلى التشكك في جدية “الحوار الوطني”، الذي كان قد تزامن مع الإعلان عنه بعض الإفراجات عن السجناء. الأمر الذي اعتبره البعض -حينها- تفعيلًا حقيقيًا للاستراتجية الوطنية لحقوق الإنسان، كان من المفترض أن يتبعها انفراجة أكبر في ملف السجناء.

وقد أبدت الحركة المدنية -المكونة من 12 حزبًا- استيائها من إعادة القبض على الروبي. واعتبرت القرار يبعث برسائل تتناقض مع قرارات الإفراج عن عدد من سجناء الرأي. وطالبت بمعالجة أوضاع المفرج عنهم، ودعم حصولهم على حقوقهم.

“بابا بيحب مصر أوي.. خرجوه”

بدأ الروبي ممارسة العمل العام في 2005 بالانضمام إلى حركة 6 إبريل. حيث شغل موقع المتحدث الرسمي باسم الحركة، وهو من مواليد محافظة الفيوم مركز إطسا.

شريف رب لأسرة صغير مكونة من زوجة وابنين، هاجر 17 سنة- بالصف الثاني الثانوي، ومحمد 12 سنة- بالصف الأول الإعدادي. تقول هاجر: “نفسى بابا يجي معانا المدرسة زي زمان. أنا من غيره ولا حاجة.. بابا أحسن راجل في الدنيا”. ويقول محمد: “بابا على طول كان بيقولنا إن مصر أحسن بلد في الدنيا ازاي حبسوه. بابا بيحب مصر أوي.. خرجوا بابا”.

دفاعًا عن رفاقه

سعى الروبي، بعد خروجه من السجن آخر مرة، لدعم السجناء الذين ما زالوا بالداخل. كما حاول المساعدة في إعادة دمج المفرج عنهم من جديد في المجتمع. فتواصل مع أهالي المعتقلين لتوصيل صوتهم، والكتابة بشكل مستمر عن قضايا أبنائهم.

كان يسعى بكل جدية للتواصل مع لجنة العفو للمطالبة بالإفراج عن كل المحبوسين. كتب عبر صفحته بـ”فيسبوك”، خلال يوليو/ تموز الماضي: “الحقيقة مقدرش أشوف حد مظلوم وأكون مختلف معاه في الرأي أو التوجه السياسي ومدافعش عنه. الإنسانية تقتضى ذلك”.

اقرأ أيضًا: مظاليم الحبس الاحتياطي.. من ينقذ المحرومين من الشهرة في عتمة السجن؟

وفي اتصال هاتفى مع قناة “الجزيرة”، قال: “أي محبوس سياسي -بغض النظر عن انتمائه أو توجهه- يخرج في وضعية سيئة جدًا، إن كان صاحب عمل أو مالك شركة يتوقف عمله، لأن الدولة والأجهزة الأمنية تحاربه، أصحابه والأقربون منه يحاولون تجنبه كي لا يتعرضون لمشكلات أمنية”.

“أتحدث في هذه المداخلة عن معاناة المعتقلين ولا أتحدث عن النظام أو معارضة النظام. أنا معرض بعد هذه المداخلة للحبس مرة أخرى، رغم أني أحاول الحديث عن معاناة المحبوسين ونشر كل آلام المحبوسين ممن عانوا معي في الاحتجاز”؛ قال الروبي وتنبأ بما سيحدث معه، وبالفعل حدث ما كان يخشاه، وقد ألقي القبض عليه بعد هذه المداخلة.

مزيد من التضييق

“أنا ممنوع من السفر، وترفض السلطات استخراج جواز سفر لي، حاولت التواصل مع جهات عدة للسماح لي بالسفر حيث إني لا أستطيع الحصول على عمل، جميع المعارضين غير قادرين على الحياة في مصر”.

كان الروبي يكتب كل ما يجول بخاطره، صادقًا مع أوجاعه.

يقول في أحد تدويناته: “الحقيقة يا جماعة عمر ما كان السجن كسرة بالنسبة لى، ولا عمر فترات السجن هتكسرني. لكن فترات المنع من الشغل والمنع من السفر وعدم وجود قوت يومك، وأن أخوك يكون فى أحد الدول مصاب بجلطة ونزيف بالمخ ولا تستطيع رؤيته. هو دا الكسرة”.

مرة رابعة في السجن

ألقي القبض على الروبي للمرة الرابعة يوم 16 سبتمبر/ أيلول 2022 فجرًا، من أمام أحد الفنادق في ميدان أحمد حلمي بوسط القاهرة. وخضع للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، ضمن القضية رقم 1634 لسنة 2022.

ووفقًا للمحامية ماهينور المصري التي حضرت إحدى جلسات النيابة بتاريخ 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تم تجديد حبس شريف بدون النظر فى الاتهامات الموجهة له.

وقتها، طمأنت ماهينور الناس على حال الروبي. “بحالة صحية جيدة وبيطمن هل تم القبض على زملاء جدد، هو بيطمن الناس عليه”. بينما قال المحامي نبيه الجنادي على صفحته الشخصية بـ”فيسبوك” في تدوينة نشرها يوم 17 يناير/ كانون الثاني الماضي: “أول ما ظهر في نيابة أمن الدولة كان عندنا أمل كبير إن حبس شريف المرة دي مش هيطول خصوصًا بعد ظهور مبادرات من الرئاسة لإعادة دمج المفرج عنهم في المجتمع مرة تانية بعد إخلاء سبيلهم. ولكن مع كل جلسة والقرار استمرار حبسه يبدأ الأمل ده يختفي”.

ووصف الجنادي مداخلة الروبي التي كانت سببًا مباشرًا في القبض عليه مرة أخرى، بأنها لا تمثل حالة معارضة سياسية، وليست أيضًا دليل إدانة.