بخلاف عدد النسخة الدولية، احتل غلاف عدد مجلة Time في نسخته الأمريكية (27 فبراير/ شباط- 6 مارس/ آذار 2023) صورة حديث لاثنين من محرري المجلة، هما أندرو تشاو وبيلي بيريجو، مع تطبيق الذكاء الاصطناعي الأشهر في العالم حاليا ChatGPT، مع الإشارة على أن الإبداع ظل، لآلاف السنين، حكرا على الإنسان وخيالاته، التي اعتادت ابتكار أشياء لم تكن موجودة.
لكن “الآن صار لدينا شركاء”، حسب تعبير المحررين.
كتبا: أثناء قراءة هذه الجملة، تقوم برامج الذكاء الاصطناعي برسم صور كونية، والرد على رسائل البريد الإلكتروني، وإعداد الإقرارات الضريبية، وتسجيل الأغاني. إنهم يكتبون العروض التقديمية، ويصححون التعليمات البرمجية، ويرسمون المخططات المعمارية، ويقدمون النصائح الصحية.
أضافا لقد كان للذكاء الاصطناعي، بالفعل، تأثير واسع الانتشار على حياتنا. تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتسعير الأدوية والمنازل، وتجميع السيارات، وتحديد الإعلانات التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن الذكاء الاصطناعي التوليدي/ الابتكاري، وهو فئة من النظام يمكن حثه على إنشاء محتوى جديد تمامًا، هو أحدث كثيرًا. والذي يُمثّل أهم اختراق تكنولوجي منذ وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضا: “تحالف الرقائق”.. حرب التكنولوجيا الفائقة التي تقودها أمريكا ضد الصين
حرب السيليكون
في الأشهر الأخيرة، تم تبني أدوات الذكاء الاصطناعي الابتكارية من قبل جمهور “فضولي ومذهل”، حسب تعبير المجلة. وذلك بفضل برامج مثل ChatGPT، التي تستجيب بشكل متماسك -ولكن ليس دائمًا بدقة- لأي استفسار تقريبًا. وDall-E، الذي يسمح لك باستحضار أي صورة تتخيلها أو تحلم بها.
في يناير/ كانون الثاني، وصل ChatGPT إلى 100 مليون مستخدم شهريًا، وقد نما بمعدل أسرع من Instagram أو TikTok. بالمثل، هناك المئات من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية والابتكارية تطالب بتبنيها، من Midjourney إلى Stable Diffusion إلى GitHub’s Copilot، والذي يسمح لك بتحويل التعليمات البسيطة إلى كود كمبيوتر.
تلفت المجلة إلى أن المؤيدين يعتقدون أن هذه ليست سوى البداية:”إن الذكاء الاصطناعي الابتكاري سيعيد توجيه طريقة عملنا والتفاعل مع العالم. وإطلاق العنان للإبداع والاكتشافات العلمية، والسماح للبشرية بتحقيق مآثر لم يكن من الممكن تصورها سابقًا. يتوقع المتنبئون في PwC -وهي واحدة من أكبر شركات المحاسبة في العالم- أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز الاقتصاد العالمي بأكثر من 15 تريليون دولار بحلول عام 2030.
يتجلى صدق هذه التنبؤات في الجنون المفاجئ لشركات التكنولوجيا التي استثمرت مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي. وأثارت سباق تسلح مكثفًا في وادي السيليكون
. في غضون أسابيع، حولت Microsoft وAlphabet -المملوكة لشركة Google- استراتيجيات الشركة بالكامل من أجل السيطرة على ما يعتقدون أنه سيصبح طبقة بنية تحتية جديدة للاقتصاد.
الآن Microsoft، تستثمر 10مليارات دولار في OpenAI، مبتكر ChatGPT وDall-E، وأعلنت عن خطط لدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في برنامج Office ومحرك البحث Bing. بينما أعلنت Google عن حالة طوارئ مؤسسية “باللون الأحمر”، استجابة لنجاح ChatGPT، ودفعت روبوت الدردشة الموجه نحو البحث Bard، إلى السوق.
قال الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft، ساتيا ناديلا، في 7 فبراير/ شباط: “يبدأ السباق اليوم. سوف نتحرك، ونتحرك بسرعة”. وهو ما ألقى التحدي أمام شركة Google.
حماس ومخاوف
كما فعلت شركات التكنولوجيا، استجابت وول ستريت لهوجة الذكاء الاصطناعي الابتكاري بحماسة مماثلة، حيث قام المحللون بترقية أسهم الشركات التي تذكر الذكاء الاصطناعي في خططهم، ومعاقبة أولئك الذين لديهم إصدارات مهتزة من منتجات الذكاء الاصطناعي.
تقول TIME: في حين أن التكنولوجيا حقيقية، تتوسع فقاعة مالية حولها بسرعة، حيث يراهن المستثمرون على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يهز السوق، مثلما فعل Microsoft Windows 95 أو iPhone الأول.
لكن هذا الاندفاع المحموم “قد يكون كارثيًا أيضا”، كما يقول المحرران المختصان بالتكنولوجيا “في الوقت الذي تسارع فيه الشركات إلى تحسين التكنولوجيا وتحقيق الأرباح من الطفرة، فإن الأبحاث حول الحفاظ على أمان هذه الأدوات تتراجع، في معركة الفائز فيها يحصل على كل شيء.
يتابع التقرير: من أجل السيطرة، تخاطر شركات التكنولوجيا الكبرى وداعموها من أصحاب رؤوس الأموال بتكرار أخطاء الماضي، بما في ذلك الخطيئة الأساسية لوسائل التواصل الاجتماعي: إعطاء الأولوية للنمو على السلامة. في حين أن هناك العديد من الجوانب المثالية المحتملة لهذه التقنيات الجديدة، لكن حتى الأدوات المصممة من أجل الخير يمكن أن يكون لها عواقب غير متوقعة ومدمرة.
في الواقع، يعرف الذكاء الاصطناعي الابتكاري مشاكل وسائل التواصل الاجتماعي جيدًا. حيث احتفظت مختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي بنسخ من هذه الأدوات خلف أبواب مغلقة لعدة سنوات، بينما كانوا يدرسون مخاطرها المحتملة، من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، إلى التسبب غير المقصود في أزمات جيوسياسية متصاعدة.
يوّضح: نشأت هذه النزعة- المحافظة جزئيا- من عدم القدرة على التنبؤ بالشبكة العصبية، وهو نموذج الحوسبة الذي يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي الحديث، والمستوحى من الدماغ البشري. بدلاً من النهج التقليدي لبرمجة الكمبيوتر، والذي يعتمد على مجموعات دقيقة من التعليمات التي تسفر عن نتائج يمكن التنبؤ به، تعلم الشبكات العصبية نفسها بشكل فعال لتحديد الأنماط في البيانات.
وكلما زادت البيانات وقوة الحوسبة التي يتم تغذية هذه الشبكات بها، كلما أصبحت أكثر قدرة على الابتكار.
اقرأ أيضا: أمريكا لم تتخل عن أمن الخليج.. فقط “رقمنت” وسائلها
طفرت سريعة
في أوائل عام 2010، استيقظ وادي السيليكون على فكرة أن الشبكات العصبية كانت طريقًا واعدًا إلى حد كبير إلى الذكاء الاصطناعي القوي مقارنة ببرمجة المدرسة القديمة. لكن أنظمة الذكاء الاصطناعي المبكرة كانت عرضة -بشكل مؤلم- لتقليد التحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها: حيث جرى بث معلومات مضللة وخطاب يحض على الكراهية.
عندما كشفت Microsoft النقاب عن برنامج الدردشة Tay الخاص بها في عام 2016، استغرق الأمر أقل من 24 ساعة ليغرد: “هتلر كان محقًا في أنني أكره اليهود”. وأن” النسويات يجب أن يموتن جميعًا ويحترقن في الجحيم”.
أيضا، أظهر سلف OpenAI لعام 2020 لـ ChatGPT مستويات مماثلة من العنصرية وكراهية النساء.
بدأت طفرة الذكاء الاصطناعي في الظهور في حوالي عام 2020، مدفوعة بالعديد من الابتكارات الحاسمة في تصميم الشبكة العصبية، وتوافر البيانات المتزايد، واستعداد شركات التكنولوجيا للدفع مقابل مستويات هائلة من قوة الحوسبة. لكن بقيت نقاط الضعف، وتاريخ تعثر الذكاء الاصطناعي المحرج جعل العديد من الشركات -بما في ذلك Google وMeta وOpenAI- مترددة في الغالب في طرح نماذجها المتطورة علنًا.
في إبريل/ نيسان 2022، أعلنت شركة OpenAI عن Dall-E 2، وهو نموذج الذكاء الاصطناعي AI لتحويل النص إلى صورة، حيث يمكنه إنشاء صور واقعية. لكنه اقتصر في البداية على قائمة انتظار من المستخدمين “الموثوق بهم”، والذين من شأن استخدامهم، كما قالت الشركة، أن يساعدها على “فهم ومعالجة التحيزات التي ورثتها DALL · E من بيانات التدريب الخاصة بها.”
وعلى الرغم من قيام OpenAI بإدخال مليون مستخدم إلى Dall-E بحلول يوليو/ تموز، إلا أن العديد من الباحثين في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأوسع قد شعروا بالإحباط من نهج OpenAI وشركات الذكاء الاصطناعي الأخرى.
لكن في أغسطس/ آب 2022، قامت شركة ناشئة مقرها لندن تدعى Stability AI بإصدار أداة تحويل النص إلى صورة Stable Diffusion للجماهير. حيث يرى البعض أن إطلاق أدوات الذكاء الاصطناعي سيسمح للمطورين بجمع بيانات قيمة من المستخدمين، ويمنح المجتمع وقتا للاستعداد للتغييرات التي قد يجلبها الذكاء الاصطناعي المتقدم.
هوس عالمي
الآن، الملايين من المستخدمين مفتونين بقدرة الذكاء الاصطناعي على الابتكار من الصفر. كما حققت مخرجات الأداة باستمرار انتشارا، حيث جرب المستخدمون مطالبات ومفاهيم مختلفة
تنقل المجلة عن ناثان بينايش، المستثمر والمؤلف المشارك لتقرير حالة الذكاء الاصطناعي لعام 2022، قوله: كان لديك صندوق باندورا “في الأساطير الإغريقية صندوق باندورا هو صندوق الشرور” هذا الذي تم فتحه. لقد صدمت OpenAI وGoogle، لأن العالم أصبح الآن قادرًا على استخدام الأدوات التي كان لديهم مفاتيحها.
تضيف: يتوافد المستخدمون على الفور إلى كل من شركة OpenAI ومنافسيها. غمرت الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي وسائل التواصل الاجتماعي، وفازت حتى بمسابقة فنية. بدأ محررو الأفلام في استخدام البرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي لأفلام هوليوود، المهندسون المعماريون يبتكرون مخططات الذكاء الاصطناعي، يقوم المبرمجون بكتابة نصوص تستند إلى الذكاء الاصطناعي، تصدر المنشورات اختبارات ومقالات حول الذكاء الاصطناعي
كما لاحظ أصحاب رؤوس الأموال المغامرة ذلك، وألقوا أكثر من مليار دولار على شركات الذكاء الاصطناعي، التي قد تطلق دفعة الإنتاجية الكبيرة التالية. حيث أعلن عملاقا التكنولوجيا الصينيان” بايدو” و”علي بابا “عن روبوتات دردشة خاصة بهما، مما رفع أسعار أسهمهما.
في الوقت نفسه، تأخذ Microsoft وGoogle وMeta هذا الجنون إلى مستويات قصوى، حسب تعبير المجلة.
في فبراير/ شباط، أعلنت Google عن خطط لإطلاق ChatGPT Bard. ووفقًا لصحيفة New York Times قالت في عرض تقديمي إنها ستعيد ضبط مستوى المخاطر التي ترغب في تحملها عند إطلاق أدوات تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي.
وفي الحديث عن الأرباح الفصلية الأخيرة لشركة Meta، أعلن الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج عن هدفه في أن تصبح الشركة “رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي”.
اقرأ أيضا: السيطرة ومراقبة العقول.. خطورة الذكاء الاصطناعي على البشر
القيم الإنسانية
وسط الحرب التكنولوجية والمالية، يعمل عدد قليل من الفنيين للتأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، إذا تجاوزت الذكاء البشري في نهاية المطاف، سوف “تتماشى مع القيم الإنسانية”.
تنقل المجلة عن ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لمختبر الذكاء الاصطناعي المملوك لشركة Google، قوله: عندما يتعلق الأمر بالتقنيات القوية جدًا -ومن الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيكون واحدًا من أقوى التقنيات على الإطلاق- فنحن بحاجة إلى توخي الحذر. لا يفكر الجميع في هذه الأشياء. لا يدرك الكثير أنهم يمتلكون مواد خطرة”.
أيضا، حتى لو نجح علماء الكمبيوتر في التأكد من أن الذكاء الاصطناعي لا يقضي على البشر، فإن مركزيتهم المتزايدة في الاقتصاد العالمي يمكن أن تجعل شركات التكنولوجيا الكبرى التي تتحكم فيه أكثر قوة “يمكن أن يصبحوا ليس فقط أغنى الشركات في العالم -يتقاضون كل ما يريدون مقابل الاستخدام التجاري لهذه البنية التحتية الحيوية- ولكن أيضًا فاعلين جيوسياسيين للدول المتنافسة.
يختتم المقال بعبارة تحذيرية: يقول الباحثون إن القوة الحسابية للذكاء الاصطناعي تتضاعف كل ستة إلى عشرة أشهر. هذه القوة الهائلة بالضبط هي التي تجعل اللحظة الحالية مثيرة للغاية، وخطيرة للغاية.