تتصل مشكلة الختان في جانب منها بالأعراف والثقافة المجتمعية التي تغذيها وتعمل على استمرارها، وضمنها دعاوى الحفاظ على العفة. وغالبًا ما يتم التغاضي عن كونها ممارسة ضارة، تحمل في آثارها أضرارًا نفسية وجسدية، قد تؤدي للوفاة في بعض الحالات.
ومع ذلك ورغم محاولات مؤسسات الدولة والمجتمع المدني مجابهة الختان كخطر حقيقي، ومهدد لحياة النساء، فإن نسب الختان في مصر لا تزال مرتفعة، حتى بعد مرور عشرات السنين من العمل على الحد منها. بينما أي تقييم موضوعي، يشير إلى تواضع النتائج قياسًا بالدعاية حول القضية أو ما أنفق على حملات توعية رسمية وبرامج ممولة من منظمات دولية.
تشويه الأعضاء التناسلية
يُقصد بمصطلح “تشويه الأعضاء التناسلية” عملية قطع أو استئصال الأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة، أو إلحاق إصابات أخرى بها، بداع لا تستهدف العلاج. وهي عملية تنقسم في آثارها بين قصيرة الأمد، تحدث في العادة فور ممارستها، كما الإصابة بآلام مبرحة والنزيف الحمي ومشاكل في البول وفي التئام الجروح ونسيج الأعضاء التناسلية، وطويلة الأمد، تتضمن مشاكل مهبلية وعدوى المسالك البولية، وحدوث ندوب في الأنسجة. هذا بالإضافة إلى أزمات في العلاقة الجنسية، تشمل الألم أثناء الجماع، والانخفاض بدرجة الإشباع.
أما على الجانب النفسي، فإن للختان أضرار كبرى على النساء، تتعدد بين الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وانخفاض تقدير الذات.
اهتمام أممي
منذ العام 1997، عملت منظمة الصحة العالمية، مع شركاء محليين ودوليين، على وضع حد لممارسة الختان مع الإناث. وشملت جهودها في المجتمعات المحلية إجراء بحوث والتعاون مع المجتمعات لتعديل التشريعات والسياسات المتعلقة بهذه الممارسة، التي جُرمت في مصر مثلًا في يونيو/ حزيران من العام 2008.
وقد اعتمدت الأمم المتحدة يوم 6 فبراير/ شباط من كل عام يومًا عالميًا لمجابهة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. فيما سنّ 26 بلدًا في إفريقيا والشرق الأوسط تشريعات مناهضة لتشويه الأعضاء التناسلية. وساهمت منظمات دولية في وضع برامج تدريبية لرفع وتعزيز وعي الفرق الطبية بالآثار الضارة للختان.
200 مليون متعايشة
يعد تشويه الأعضاء التناسلية ضمن ظواهر التحكم في أجساد النساء. وهو مُمارس بشكل واسع في إفريقيا والشرق الأوسط وبعض بلدان آسيا، ويخلف مشكلات ضخمة لكل من تعرض لهذا الانتهاك.
يشير تقرير للأمم المتحدة أن هناك 200 مليون امرأة يتعايشن حاليًا مع آثار تشويه أعضائهن التناسلية في 30 بلدًا حول العالم.
اقرأ أيضًا: بالتزامن مع تغليظ عقوبة الجريمة.. القومي للمرأة يُعيد إطلاق “احميها من الختان”
الختان في مصر
ومحليًا ورغم جهود مواجهة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، بما يتضمنه ذلك من برامج التثقيف وتعزيز وعي مقدمي الخدمات الطبية والإجراءات التي تتبعها الدولة بالتجريم وتغليظ العقوبات، إلا أن نسب إجراء الختان ما تزال مرتفعة، خاصة في الريف وصعيد مصر.
ووفقًا لتقرير لليونسيف، تبلغ نسبة الفتيات التي تعرضن للختان على يد مقدمي الخدمات الطبية في الفئة العمرية من 0 إلى 14 عامًا نحو 78%. بينما تبلغ نسبة النساء التي تعرضن للختان ما بين 45 إلى 49 عامًا نحو 97% من إجمالي عدد النساء. وهو ما يشير إلى أن الظاهرة باقية على حدتها. ما يتطلب مزيدًا من الجهد، مع إشراك رجال الدين في التوعية وتكثيف الحملات الإعلامية.
تعديلات تشريعية
يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناءً على طلبه. كما يُعاقب بالحبس كل من روج، أو شجع على جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر.
وخلال إبريل/ نيسان 2021 -في آخر اشتباك تشريعي مع هذه القضية- وافق مجلس النواب على تغليظ عقوبة جريمة ختان الإناث لتصل العقوبة إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات. ووافق المجلس على مشروع القانون المقدم من الحكومة، في مارس/ آذار 2021، وأضيف إلى القانون نص بمعاقبة ولي الأمر الذي يحاول إجراء عملية الختان لابنته.
وتقضى المحكمة -فضلًا عن السجن- بحرمان ممارس هذه العملية من الأطباء ومزاولي مهنة التمريض بالحرمان من ممارسة المهنة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات. إضافة إلى غلق المنشأة الخاصة التي أجري فيها الختان.
مطالبات المجتمع المدني
رحب عدد من المنظمات الحقوقية التي تكوّن تحالف “مجموعة قوة العمل المناهضة لختان الإناث في مصر” بتعديلات أجريت وقضت بتغليظ العقوبة على الختان. لكنها أشارت إلى عدد من العوائق الأساسية أمام جهود مناهضة ختان الإناث، بما فيها نفاذ المواد القانونية المجرمة له، أبرزها ضعف نسب التبليغ عن ختان الفتيات.
وفي بيان لها، طالبت “مجموعة قوة العمل لمناهضة ختان الإناث”، إعادة النظر في تطبيق العقوبة على أهل الطفلة حال التبليغ. وأوصت في هذا السياق بوقف تنفيذ العقوبات على الأهالي أو إقرار عقوبات بديلة غير مقيدة للحرية لذوي الفتيات في حالة التبليغ.
ورأت المنظمات أن العقوبة على ذوي الفتيات لا تشجع على المراجعة الذاتية والتقدم ببلاغات في أي لحظة. وهو ما يعني محدودية البلاغات خوفًا من العقوبة. ودعت “مجموعة قوة العمل المناهضة لختان الإناث” كل مؤسسات الدولة ذات الصلة إلى التمعن في السُبل الموازية التي يجب اتباعها لإنفاذ القانون من أجل وقف هذه الممارسة الضارة.
كما أن الاستمرار في تغليظ العقوبات كتدخل وحيد دون تغيير المناخ العام سيوفر البيئة المناسبة لاستمرار جريمة الختان، والتكتم عليها، وتواطؤ كل الأطراف المشاركة فيها.
وفي السياق نفسه، دعت أصوات عدة إلى إعادة تقييم للاستراتيجية الوطنية لمناهضة ختان الإناث 2016-2020 للتعرف على النجاحات والبناء عليها، والنظر إلى التحديات ومحاولة تلافيها، وأن يكون هنالك إحصائيات وبيانات محدثة بشكل دوري عن ختان الإناث في مصر، حيث إن آخر إحصائية كانت منذ ما يقرب من 6 سنوات.
وفي سياق المعالجة وجبر الضرر، ناشدت بضرورة العمل على وجود برامج لجبر الضرر لمن تم تختينهن سواء عن طريق عمل عمليات الترميم أو الدعم النفسي أو التثقيف الجنسي.