تصدرت أولوية تسريع عمل منطقة التجارة الحرة القارية وأزمة الأمن الغذائي أجندة عمل قمة الاتحاد الإفريقي الـ 36، التي عقدت خلال اليومين الماضيين في إثيوبيا، وهما ملفان ليسا بجديدين على أعمال الاتحاد الإفريقي، لتكون هذه القمة أقرب لقمة استكمال أعمال. رغم أنها انعقدت في إطار استثنائي، حيث أزمات الغذاء والإرهاب المنتشر في القارة، كما يرى د. محمد فؤاد رشوان المتخصص في الشأن الإفريقي.
إذ تحيط بالقارة عديد من التحديات الأمنية والنزاعات المسلحة في مناطق مختلفة، أهمها منطقة الساحل والقرن الإفريقي. هذا فضلًا عن آثار موجات الجفاف والفيضانات التي أدت إلى تنامى ظاهرة النزوح، في إقليم يعاني في الأساس من أزمتي الدولة الوطنية والديمقراطية التي تنتشر شرقه وغربه.
فمنذ العام 2010، شهدت إفريقيا نحو 40 انقلابًا ومحاولة انقلاب، نصفها في الغرب والساحل. كما تفاقمت ظاهرة الإرهاب داخل القارة، وشهد العام المنصرم تصاعدًا لنفوذ الجماعات المسلحة في شرق إفريقيا (الصومال) ومنطقة القرن الإفريقي وصولًا إلى شمال موزمبيق رغم الجهود الدولية والإقليمية، كما يشير “رشوان”.
الحالة السياسية والأمنية
رصد مركز مجموعة الأزمات الدولية crisis group عدة أولويات يجب أن يركز عليها الاتحاد الإفريقي في عام 2023. منها: تعزيز القدرة المؤسسية للاتحاد ، ورعاية اتفاق السلام الهش في إثيوبيا، والحث على التعاون الإقليمي في أزمة سد النهضة، وتوجيه المحادثات لدعم المرحلة الانتقالية المتعثرة في ليبيا.
هذا بالإضافة إلى إنجاح مفاوضات الحل السياسي في السودان، وتخفيف التوترات في منطقة البحيرات الكبرى وإفريقيا الوسطى، ودعم انتخابات الكونغو الديمقراطية، والانخراط في إنقاذ الوضع في تشاد.
ومع بداية عام 2023، وجدت إفريقيا الوسطى نفسها في وضع محفوف بالمخاطر، مدفوعا باحتدام القتال بين الجماعات المسلحة وقوات الأمن الوطني بدعم من مرتزقة فاجنر والجيش الرواندي.
هذا مع سعي الرئيس فوستين تواديرا نحو تعديل الدستور بهدف الحصول على ولاية ثالثة. ما أدى إلى تعليق مساعدات الدول الغربية، وبالتالي تدهورت الأوضاع اقتصاديًا.
وقد اتخذت التطورات في تشاد منعطفًا مظلمًا، على الرغم من أن المجلس العسكري قد وعد في البداية، بالتخلي عن السلطة بعد 18 شهرًا من وفاة الرئيس إدريس ديبي. إلا أنه في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مدد الفترة الانتقالية لمدة عامين آخرين. وهو ما يتعارض مع مبادئ الاتحاد الإفريقي.
وأدى تجدد أعمال العنف في شرق الكونغو الديمقراطية إلى تصعيد التوترات الدبلوماسية في منطقة البحيرات العظمى. حيث تلقي كينشاسا باللوم على رواندا في دعم تمرد حركة “23 مارس”.
كما أدى إطلاق قوات الدفاع الرواندية صاروخًا على طائرة حربية كونغولية تحلق فوق منطقة جوما على الحدود بين البلدين في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي إلى تعميق المخاوف بشأن احتمالية التصعيد.
ودخلت أزمة سد النهضة منعطفًا خطرًا إزاء التعنت والتصرفات الأحادية الإثيوبية. إذ أكملت إثيوبيا الملء الثالث العام الماضي، وبدأت في توليد الطاقة. وأعلنت مضيها في الاستعداد نحو الملء الرابع دون اتفاق ملزم مع دول المصب. وهو ما يعتبر انتهاكا جسيما للمعاهدات التاريخية والمواثيق الدولية وإضرارا مباشرا بالأمن القومي لمصر والسودان.
اقرأ أيضًا: السودان وإسرائيل والمجاعة.. أبرز أزمات القمة الإفريقية
ومنذ مارس/ آذار الماضي، دخلت ليبيا مجددًا مسار الحكومتين المتوازيتين في ظل تمسك عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية ولايته بالسلطة، وعدم قدرة فتحي باشاغا المدعوم من البرلمان الليبي على ممارسة مهام رئيس الوزراء بشكل فعلي من طرابلس. ولا تزال البلاد متعثرة في صياغة خارطة تستهدف الوصول إلى قاعدة دستورية من أجل الدفع بإجراء الانتخابات.
وفي الخرطوم، على الرغم من الوصول إلى اتفاق إطاري لمحاولة إعادة الأوضاع إلى مسارها السياسي الصحيح، إلا أن عدم مشاركة بعض القوى المدنية والكتلة الديمقراطية ومجلس البجا يهدد إمكانية معالجة الأزمة السياسية.
وتهدد التصريحات الأخيرة المتبادلة بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان بشأن رغبته في دمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش كشرط لاستمرار العمل ببنود الاتفاق الإطاري، ونائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” عن ندمه للمشاركة في انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بتعمق الأزمة في الخرطوم وتشكل تهديدا مباشرا لإمكانية إقرار مسار سياسي ديمقراطي.
أجندة القمة
شدد الرئيس السنغالي ورئيس الاتحاد الإفريقي ماكي سال، في الجلسة الافتتاحية، على أن الدول الإفريقية لا تزال تواجه الأزمات التي تواجه العالم. لا سيما جائحة فيروس كورونا وتغير المناخ، وكذلك الأزمة الروسية الأوكرانية.
وضمن أبرز الموضوعات التي تناولتها هذه النسخة من اجتماعات الاتحاد الإفريقي:
اتفاقية التجارة
انطلقت القمة هذا العام تحت عنوان “عام منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية” بهدف استكشاف سبل تعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي، وإزالة الحواجز أمام التجارة في إفريقيا، والحد من الفقر من خلال تحسين التجارة بين البلدان الإفريقية.
وتسعى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى الإلغاء التدريجي للتعريفات الجمركية على 90% من السلع، وتقليل الحواجز أمام التجارة في الخدمات بهدف زيادة دخل إفريقيا، بمقدار 450 مليار دولار بحلول عام 2035.
كما سيؤدي التنفيذ الناجح لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى خلق المزيد من الوظائف اللائقة، وتحسين الرفاهية وتحسين نوعية الحياة لجميع المواطنين، وتحقيق التنمية المستدامة.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصري أحمد أبو زيد، بأن “جلسة هذا العام، التي عقدت تحت شعار (تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية – AfCFTA)، لها أهمية خاصة في ضوء الأزمات المتلاحقة التي مر بها العالم خلال العام الماضي وآثارها المستمرة على الدول الإفريقية، بما في ذلك الأزمة الروسية الأوكرانية، وأزمة الغذاء العالمية، والآثار المدمرة لتغير المناخ، والتداعيات الاقتصادية لوباء كورونا”.
الأمن الغذائي
تعرض أكثر من 20 مليون شخص في إفريقيا إلى الجوع الحاد في عام 2022. كذلك يعاني خمس السكان الأفارقة أي إجمالي 278 مليون شخص، من سوء التغذية وفقًا لمنظمة أوكسفام الخيرية.
وقد أوصى نزي حسان، مدير منظمة أوكسفام في إفريقيا، القادة السياسيين على الوفاء بالتزاماتهم السابقة لزيادة التمويل الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي. قال: “إن النوايا الحسنة السياسية ضرورية من أجل تحقيق الهدف المتمثل في 10 % من التمويل الزراعي وتحسين الأمن الغذائي”.
التغير المناخي
أدى الصراع المسلح في منطقتي الساحل والقرن الإفريقي وآثار الجفاف والفيضانات إلى نزوح المزيد من الأفارقة من ديارهم.
وارتفع عدد النازحين جنوب الصحراء بأكثر من 15% خلال العام الماضي وفقا لأرقام الأمم المتحدة. إذ تقدر أن 44 مليون شخص نزحوا في عام 2022 وذلك مقارنة بـ 38.3 مليون شخص في نهاية عام 2021.
مخرجات القمة
إحلال السلام
أفادت تقارير أن إفريقيا تخسر أكثر من 100 مليار دولار سنويًا بسبب الحروب والصراعات. وأشار رئيس الاتحاد الإفريقي إلى أن إحلال السلام في إفريقيا لا يزال هدفًا بعيد المنال في ظل انتشار الإرهاب في دول القارة، والذي يهدد السلم والأمن العالميين.
ولذا دعا إلى ضرورة تفعيل القوة الإفريقية الاحتياطية وإنشاء وحدة لمكافحة الإرهاب. كما طالب مجلس الأمن الدولي بأن يكون أكثر التزامًا بمكافحة الإرهاب في إفريقيا.
اتفاقية التجارة الحرة
تتاجر الدول الإفريقية فيما بينها حاليًا بنحو 15% فقط من سلعها وخدماتها. وإلى الآن لم تسع إلا 6 دول فقط إلى وضع اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AFCFTA) موضع التنفيذ.
تهدف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى تعزيز التعاون التجاري بين دول القارة بنسبة 60% بحلول عام 2034. مع إلغاء جميع التعريفات الجمركية. لكن التنفيذ لم يرق إلى مستوى هذا الهدف، ويواجه عقبات بما في ذلك الخلافات حول تخفيض الرسوم الجمركية وإغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا. وتشير الأبحاث إلى أن إفريقيا تخسر أكثر من 700 مليار دولار بسبب التجارة العالمية غير العادلة.
حشد التمويل
كان التمويل تحديًا دائمًا لمبادرات الاتحاد الإفريقي. ولم تسدد 28 دولة عضوًا أي مدفوعات لأنصبتها المقررة لصندوق السلام لعام 2022.
خلال القمة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن إفريقيا غنية بالإمكانات. لكنها بحاجة إلى التمويل. وتعهد بأن الأمم المتحدة ستنفق 250 مليون دولار من صندوق الطوارئ الخاص بها لمعالجة الأزمات المنسية في أنحاء العالم بما في ذلك مساعدة المجتمعات التي تواجه خطر المجاعة في إفريقيا.
الأطفال والتحصين الروتيني
هناك ما مجموعه 8.4 مليون طفل في إفريقيا، مقارنة بـ 18 مليون على مستوى العالم، تم استبعادهم من خدمات التطعيم في عام 2021، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. إذ يعد الوصول إلى خدمات التحصين أكثر صعوبة بين المجتمعات الفقيرة بسبب النزاعات.
اتفق رؤساء الدول الإفريقية على تدابير رئيسية لتجديد التحصين الروتيني في جميع أنحاء القارة، بعد الاضطرابات الهائلة الناجمة عن وباء COVID-19 الذي أعاق برامج تطعيم الأطفال وزيادة تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.
وصادق القادة على إعلان بشأن “بناء الزخم لاستعادة التحصين الروتيني في إفريقيا” الذي يهدف “لتنشيط الجهود للحصول على التحصين الشامل لتقليل الوفيات والأمراض والعجز لجميع السكان. وبالتالي مساعدة الدول الأعضاء على تحقيق أهداف التنمية المستدامة الصحية والأهداف الاقتصادية والإنمائية.
المصالحة في ليبيا
تناولت القمة أيضًا الوضع الليبي، وأعلن رئيس مفوضية الاتحاد موسى فقي محمد، عن مؤتمر قريب بشأن المصالحة الوطنية في ليبيا. وذلك دون إعلان مزيد من التفاصيل عن هذا المؤتمر المزمع، سوى التصريح بأن “ممثلي المنظمة التقوا مختلف الأطراف الليبية، ويعملون معهم على تحديد موعد ومكان عقد المؤتمر الوطني”. وذلك في أحدث محاولة لإعادة الاستقرار إلى البلد الذي مزقته النزاعات.
ويرى عبد الهادي ربيع، المتخصص في الشأن الليبي، أن الأوضاع في ليبيا مشكلتها أن مجلسي النواب والدولة يماطلان في حل الأزمة الدستورية، وتوحيد المؤسسات في ليبيا، إلى جانب تمسك حكومة الدبيبة بالسلطة.
وحول مبادرة الاتحاد الإفريقي لعقد مصالحة وطنية، يقول “ربيع” إنها تستلزم إخراج كل المرتزقة من ليبيا أولًا، خاصة المقاتلين الأجانب في الجنوب الليبي من التابعين لتشاد.
ويرى ضرورة الاعتماد على بعض الدول الإفريقية المعنية بالملف الليبي وليس الاتحاد الإفريقي في حد ذاته، لأن العمل الجماعي بهذه الصورة في الملف الليبي لن يدعم سوى الفوضى، ودليل على ذلك أن العديد من المؤتمرات التي اخذت بشأن ليبيا لم تقدم شيئًا باستثناء مؤتمر برلين.
طرد إسرائيل
كانت القمة ضربة لإسرائيل. التي تعرضت مندوبتها إلى قمة الاتحاد الإفريقي شارون بارلي للطرد، بسبب عدم حصولها على دعوة مسبقة. ومن ثم فشل تل أبيب في تأمين مقعد المراقب الذي سعت إليه بالاتحاد. وقد أثار ما جرى غضب وزارة الخارجية الإسرائيلية، مُلقية باللوم على جنوب إفريقيا والجزائر، دون تفاصيل أكثر.
وكانت إسرائيل قد مُنحت صفة مراقب في يوليو/ تموز 2021، ولكن الاتحاد الإفريقي أجل التصويت على وضع إسرائيل كمراقب وشكل لجنة لبحث الأمر.
وقال كلايسون مونييلا، رئيس الدبلوماسية العامة في قسم العلاقات الدولية بجنوب إفريقيا: “حتى يتخذ الاتحاد الإفريقي قرارا بشأن منح إسرائيل صفة مراقب، لا يمكنك جعل الدولة تجلس وتراقب”.