عندما غادر الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي في زيارته التاريخية إلى الصين الأسبوع الماضي، وهي الأولى منذ 20 عامًا لرئيس إيراني، وقف أمام خريطة كبيرة لإيران مكتوب فيها “الخليج الفارسي” باللغتين الإنجليزية والفارسية، لتمييز المسطح المائي جنوب البلاد، باعتباره حدود إيران.
بالنسبة إلى مراقبي إيران، كانت الرسالة واضحة. قبل شهرين فقط، وقع الرئيس الصيني شي جين بينج وأعضاء مجلس التعاون الخليجي بيانًا مشتركًا يدعو إلى “حل سلمي” بين إيران والإمارات، حول أزمة الجزر الثلاثة “طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى” التي تسيطر عليها طهران.
يلفت تحليل حديث للمونيتور/ Al Monitor، حول تداعيات وأهداف زيارة رئيسي إلى بكين. إلى أنه من الواضح أن البيان أثار غضب السلطات الإيرانية، التي استدعت المبعوث الصيني في وقت لاحق “وهو توبيخ نادر جدًا لحليف تميل إيران حاليًا تجاهه، بينما تتمحور شرقًا”.
يضيف: كان رئيسي يشير -على الصعيد المحلي وللمسئولين الصينيين- إلى أنه مهما كانت الضروريات التي دفعت بكين إلى الأمام في المحور الشرقي، فهناك قضايا غير قابلة للتفاوض بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
اقرأ أيضا: “عش النسر” الفارسي.. إيران تستثمر في قوتها الجوية لردع أمريكا
ويؤكد التحليل أنه “بينما قد يتطلع رئيسي إلى المستقبل، فإن الحقائق الاقتصادية للبلاد اليوم هي فقط “صعبة” بالنسبة لإيران. مع توقف المفاوضات النووية، وفرض عقوبات على النفط والمصارف، وعدم وجود آفاق اقتصادية فورية. يحتاج قادة إيران والجمهور إلى مقترحات محددة، بدلاً من وعود بأيام أفضل في المستقبل”.
التحول شرقا
يؤكد التحليل أنه “مع ذلك، فإن تحول إيران نحو الشرق لا علاقة له بثلاث جزر -غير مأهولة في الغالب- تقع بالقرب من مضيق هرمز المهم استراتيجيا، وله علاقة بكل ما يتعلق بتحقيق الأهداف الاقتصادية من حليف شرقي. حيث استمرت الاستثمارات والتجارة مع الدول الغربية في التقلص، مع الانهيار شبه الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، بسبب خروج الولايات المتحدة منها في عام 2018”.
كانت زيارة رئيسي التي استمرت ثلاثة أيام، وفقًا لمؤيدي الحكومة، تهدف إلى المساعدة في تنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين لمدة 25 عامًا، وهي خطة طموحة من شأنها أن تجلب مئات المليارات من الدولارات من الاستثمارات إلى طهران، مع ذهاب النفط الإيراني إلى الصين بسعر مخفض.
ويذكر أنه في عام 2020، اقترب إجمالي التجارة الإيرانية مع الصين من 15 مليار دولار، في حين بلغت التجارة بين الولايات المتحدة والصين في عام 2020 فقط 615 مليار دولار.
يضيف: سواء تحققت تفاصيل الاتفاقية الاقتصادية -التي تم تسريب بعضها- أم لا. فقد روج المؤيدون للزيارة أكثر لرمزيتها بدلاً من التفاصيل.
قبل عشرين عامًا، كان الرئيس محمد خاتمي آخر رئيس إيراني يُدعى إلى الصين في زيارة رسمية. وكانت اللقاءات السابقة بين رئيس إيراني وصيني على هامش اجتماعات إقليمية لرؤساء الدول. لذلك، ويقول أنصار الحكومة إن الزيارة وحدها تشير إلى أهمية إيران في المنطقة.
بين طرفي الخليج
تلفت الزيارة أيضًا إلى أن الصين لم تتجاهل إيران لصالح الدول العربية في الخليج العربي. يشير التحليل إلى أن حجم تجارة الصين مع المملكة العربية السعودية وحدها أعلى بكثير من التجارة مع إيران، ففي عام 2020، بلغت تجارة الصين مع المملكة 65 مليار دولار.
والأكثر من ذلك، أن التجارة السعودية- الصينية تنمو بمعدل أسرع من التجارة بين إيران والصين “لأن المملكة ليست خاضعة لأي عقوبات أمريكية، والصين ليست مجبرة على الإبحار في متاهة من التزايد المستمر والتشديد في تصنيفات وزارة الخزانة الأمريكية، كما يجب ذلك مع إيران. وإذا اضطرت الصين إلى الاختيار، فإن التجارة مع إيران والآفاق الاقتصادية المستقبلية لا تذكر، بغض النظر عما قد يعتقده المحللون الإيرانيون بشأن أهميتها الجيوسياسية”.
في الوقت نفسه، لا تزال الصين أكبر زبون للنفط لإيران، وتهدف زيارة رئيسي إلى الحفاظ على هذا الوضع، من بين أهداف اقتصادية أخرى.
ينقل التحليل عن مجيد رضا الحريري، رئيس غرفة التجارة والصناعة الإيرانية- الصينية المشتركة، قوله إن الهدف الرئيسي من زيارة رئيسي هو توقيع عقود على أساس خطة التعاون التي تبلغ مدتها 25 عامًا. وهي وثيقة للاستثمار الصيني، مع تقديرات تصل إلى 400 مليار دولار للاستثمار في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، فضلاً عن التصنيع والزراعة والنقل
وقال الحريري إنه تم توقيع 15 عقدًا على أساس الخطوط العريضة لخطة الـ 25 عاما، لكن التفاصيل لا يمكن مشاركتها في الوقت الحالي. وأضاف أن وزير الخارجية سيشارك تفاصيل العقود في وقت لاحق. بينما قالت وكالة أنباء إيرنا، التي تديرها الدولة، إن عدد العقود كان في الواقع 20.
في الوقت نفسه، فإن الحريري، الذي روج للعلاقات الاقتصادية الإيرانية- الصينية التاريخية، أقر بأن التجارة الحالية بين البلدين لا تزال “غير مثالية”. ومن المحتمل أن تكون أعلى بمرتين أو ثلاث مرات” ومن المثير للاهتمام أن هذا الرقم سيضع العلاقات الاقتصادية بين إيران والصين تحت العلاقات الاقتصادية السعودية- الصينية”، وفق التحليل.