انشغل كثيرون منذ عام 2015 بما تم تداوله عن مشروع ضخم في هضبة الجلالة بالقرب من العين السخنة، وفي المنطقة القريبة من محافظة بني سويف، والتي ترتفع عن سطح البحر بما يزيد عن 700م وزاد من انشغال العديد من جمهور المتابعين عدم توافر معلومات كافية عن المشروع أو مستهدفاته أو مكوناته، فضلاً عن وسائل تمويله أو الدراسات الخاصة به، سواء هندسية أو مالية أو تشغيلية.

ومع تقدم الأيام ظهرت ملامح المشروع العملاق الذي خطط له أن يكون بدلاً مما ذهب له خيال البعض من كونه عبارة عن مشروعات صناعية تنوية ضخمة إلى أنه مشروع سياحي كبير، يستهدف إنشاء منتجع سياحي أو وجهة سياحية جديدة لمصر على مساحة 1000 فدان أو ما يعادل 42 مليون متر مربع، وقد احتوى هذا المشروع على عدد من الفنادق بطاقة تزيد عن 600 غرفة ومركز تجاري ضخم يضم أكثر من 300 متجر ومطعم وأكبر تلفريك بالشرق الأوسط ومدينة ألعاب مائية ضخمة ومنطقة خدمات ضخمة فضلاً عن نقطة الجذب الرئيسية وتتمثل في مارينا ومرسى يخوت والمناطق المصاحبة له، وجامعة الملك سلمان وجامعة تكنولوجيا أخرى ومحطة ضخمة لتحلية المياه بطاقة 150 ألف متر مكعب، ولخدمة هذا المشروع العملاق تم إنشاء طريق بطول 160كم يمر خلال الجبال وعلى ارتفاعات عالية جداً مثّل وحده تحدياً آخر للمشروع، وقد بلغت التقديرات الخاصة بتكلفة المشروع حوالي 200 مليار جنيه مصري في ذلك الوقت أي ما بين 12 إلى 15 مليار دولار بحسب معدلات قيمة الدولار على مدى فترات الإنشاء في حين أشارت عدة مصادر أن المدينة نجحت في جذب استثمارات بحوالي 100 مليون دولار.

وقد مثّل عدم حدوث رواج للمشروع أو استخدام واسع حيث أنه رغم إنهاء الأعمال بالمشروع منذ أكثر من ثلاث سنوات إلا أن اليخوت لم تأت إلى المرسى والتلفريك الضخم لا يكاد يعمل ومئات المتاجر لم تعمل يوماً ولم يدخلها مشغل واحد أو بالمثل زائر واحد، والفنادق كلها خاوية وقاعة المؤتمرات تعمل على فترات متباعدة غالباً لأغراض رسمية والجامعات بدأت في العمل على استحياء وباستثناء بعض الرحلات القليلة التي تأتي لمدينة الألعاب المائية التي تأتي ليوم واحد فلن تجد حراكاً كبيراً في المدينة التي تتحول مساءً إلى مدينة أشباح.

ومن الهام جداً أن نأخذ بعين الاعتبار المصروفات التشغيلية الضرورية للمشروع من حيث مصروفات التشغيل الطبيعية من كهرباء لإنارة الموقع العام والأماكن الضرورية وكذلك أعمال الري للزراعات والأمن.

وفي تقديري أن المشروع قد واجه العديد من التحديات الهامة التي أثرت وتؤثر في النتائج لهذا المشروع وأهمها البنية الإقتصادية والتنوية للمشروع، فمثل هذه المشروعات يتم بناءها بشكل تصاعدي يبني على أساس نقطة الجذب الرئيسية في هذا المشروع، وفي حالة مشروع الجلالة فإن نقطة الجذب الرئيسية هي المارينا الخاصة باليخوت والتي تستهدف أو كان يجب أن تستهدف فئة من الطبقة العليا المستخدمة لليخوت بدرجاتها المختلفة والتي تمثل أحد أعلى طبقات العالم وأكثرها إنفاقاً، وذلك بالنظر لما يتميز به موقع مصر من مكان متوسط على مستوى العالم وما يمكن أن يمثله من ميزة تنافسية مع المواقع الحالية لمارينا اليخوت الهامة في المنطقة والتي يمكن أن تمثل اليونان وإيطاليا وبعض مارينا اليخوت في الخليج وبشكل أقل الجونة وهو ما يستلزم أن يكون تصميم وتنفيذ المارينا متوافق مع المواصفات العالمية لموانئ اليخوت وتتماشى مع ذلك توفير مجموعة الخدمات التي يحتاجها أصحاب تلك اليخوت بمستويات مرتفعة الجودة ومنافسة في التكاليف وهذا يعني نمو تلقائي للخدمات الأساسية مثل التموين والإصلاح والمواد الأساسية إلى مجموعة خدمات المطاعم الراقية وأماكن الإقامة والواقع أن غياب وجود رؤية كاملة لتوزيع مراسي اليخوت في مصر سواء للمشروعات التي قدمتها الدولة أو يقوم بها القطاع الخاص قد يكون أحد أهم العوامل لعدم التشغيل الجديدة لهذه الميزة أو هذا العنصر كمحور رئيسي في تطوير المشروع.

وننتقل إلى باقي مكونات المشروع وأهمها المركز التجاري بأعداد كبيرة من الوحدات الإيجارية التي يبدو واضحاً أنه لم يتم إعداد دراسة عن نوعية الأنشطة وعلاقتها ببعضها البعض (Tenanant mix) وبالتأكيد علاقتها بباقي الأنشطة الموجودة بالمشروع سواء مرسى اليخوت أو الجمعات أو التلفريك أو الوحدات السكنية وإدارة العلاقة مع العلامات التجارية الهامة التي يمكن أن تكون في ذاتها نقاط جذب ومعرفة ومناقشة متطلباتها والعمل على تحقيقها ويلي ذلك قاعات المؤتمرات التي وإن تم طبقاً للتصميمات استخدام خامات ذات تكلفة عالية فإنه كان من اللازم استخدام نمط وطراز معماري متطور ومتجانس لعناصر المشروع يعكس طبيعته الساحلية وليس الإستخدام التقليدي وكأنه داخل المدينة.

ويمثل تعثر مشروعات التطوير العمراني تحدياً كبيراً في استعادتها حيث أن المستخدم العادي المستهدف يأخذ انطباعاً بعدم نجاح المشروع ويزيد من ذلك الأعباء المالية المتراكمة لصيانة الزراعات والإضاءة والواجهات ومن الممكن أن يقل الاهتمام بها نظراً لأنها تكلفة دون عائد فيستمر تدهور المنشآت وتنهار قيمتها التجارية وتضيع الاستثمارات التي تمت بها، ويعد هذا تحدياً كبيراً لم تنجح الكثير من المشروعات في النجاة منه.

طريق النجاح

إن حجم الاستثمارات الضخم الذي تم والموقع المتميز للمشروع محفزان رئيسيان للعمل على تحسين عوائده وتطوير استخدامه والنجاح في ذلك يستلزم إعداد أكثر من دائرة حوار مع المهتمين والمتخصصين في قطاعات السياحة الشاطئية والجبلية والثقافية وكذلك النقل واليخوت والمراكز التجارية واللوجيستية والخروج بتوصيات أساسية قد يكون أهمها إعادة التعامل مع المشروع كوحدات منفصلة والتركيز على إنجاح نقطة الجذب الرئيسية للمشروع وهي المارينا (مرسى اليخوت) والأنشطة المرتبطة به ورفع مستوى الخدمات ذات العلاقة لينال رضاء أصحاب اليخوت ويمثل جذب لهم ثم المناطق التجارية والفندقية والسكنية كمناطق يتم إعادة تطويرها ورفع كفاءتها جزئياً بحيث يستهدف إعادة التشغيل الكامل في فترة من 4-5 سنوات.

ولا بد أن يتكامل ذلك مع فترة تحضيرية مدتها 6 أشهر تستهدف إعداد بنية تشريعية متكاملة للتعامل مع منظومة مراسي اليخوت العالمية ويمكن أن يتم تحديد هذه المنطقة كمنطقة استثمارية وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي بنظام حق الانتفاع في الأنشطة المرتبطة بهذه الصناعة وكذلك التعاون مع شركات التأمين العالمية في التأمين على اليخوت وأصحابها لتحفيزهم وتأمينهم في الوصول إلى الموقع ورفع كفاءة كافة الوحدات المرتبطة ويشمل ذلك إعادة تصميم وتحسين ما تم تنفيذه ودراسة كيفية الاستفادة من المواقع السياحية القريبة بمحافظات الصعيد وخاصة بني سويف التي تضم العديد من المواقع السياحية وأخيراً تحفيز الإقامة الدائمة للطلاب بالجامعة وأسرهم عبر استخدام وسائل نقل جماعي منتظمة واقتصادية إلى المدينة الجديدة وضرورة التعامل مع شركات لإدارة الأصول ما بعد التشغيل إما بشكل متكامل أو طبقاً لنوعية الاستخدام لكل منطقة بشرط التكامل وهو ما يمهد لإنقاذ ما تم من استثمارات.