بعد موجة هزات أرضية تعرضت لها بعض دول العالم، يتصدرها زلزال سوريا وتركيا الذي وقع في السادس من فبراير/شباط الجاري بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، ومع تعرض مصر لهزات ضعيفة في مناطق متفرقة من البلاد، آخرها كان أمس الجمعة، حسب تقارير المعهد القومي للبحوث الفلكية، تداول مواطنون، ورواد وسائل التواصل الاجتماعي تساؤلات بشأن دخول مصر حزام الزلازل.
وحسب بيان صادر عن المعهد القومي للبحوث الفلكية –الجهة الرسمية الوحيدة المنوط بها رصد الظواهر- فإن مصر تعرضت خلال الأيام الماضية لأكثر من ثلاث هزات أرضية متتالية في محافظات “القاهرة، القليوبية، السويس، بورسعيد، والإسماعيلية”، بدرجات متفاوتة من القوة، كان آخرها بقوة 4.9، و 4.5 على مقياس ريختر.
وأفاد “مرصد حلوان” بأن الهزات الأرضية وقعت في الثانية عشر، والربع صباح أمس الجمعة، حسب التوقيت المحلي على بعد 27 كيلو مترًا شمال مدينة السويس، وعلى عمق 10 كيلو مترات، وشعر به مواطنون في مناطق متفرقة.
اقرأ أيضا: ماذا يأكل المصريون في رمضان؟ أسر “تقتات” على الذكريات و”موائد” تعاني
لا تنبؤ بالزلازل
ومع هذا، فإن خبراء معنيين قللوا من توقعات دخول مصر حزام الزلازل الكارثية، غير أن ثمة جدل حول جاهزية مصر لإدارة أزمة “هزة أرضية” حال وقوعها، يأتي ذلك بالتوازي مع تأكيدات علمية حول عدم القدرة على التنبؤ بموعد الزلازل قبل حدوثها.
ويقول د.صلاح الحديدي –خبير الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، والجيوفيزيقية: إن الزلازل ظواهر طبيعية تحدث دون سابق إنذار، ولا يستطيع أحد منعها، لافتًا إلى ضرورة وجود جهات مختصة لإدارة الأزمة، قبل، وأثناء، وبعد حدوثها.
وصدق بيان رسمي عن المعهد القومي للبحوث الفلكية على حدوث هزة أرضية، الاثنين الماضي، على بعد 552 كيلو متر شمال رفح بقوة 6.43 على مقياس ريختر.
ويضيف لـ”مصر360″ أن المعهد يرصد أية هزة، ويسجل كل ما يجري، غير أنه من الصعوبة التنبؤ بوقت الزلزال.
ويستطرد قائلًا:” المرة الوحيدة التي تنبأ فيها خبراء بموعد الزلازل قبل حدوثها كانت عام 1975 بدولة الصين، حيث رصد خبراء تزايد معدل تسجيل الهزات يوميًا حول العالم، وبلغ وقتئذ 20 هزة يوميًا، وأخليت المدينة قبيل حدوثه، ووقتها لم تتكبد البلاد أية خسائر”.
لكنه، وفي العام الثاني، حدث فجأة رغم التنبؤات، وحصد أرواح نحو 40 ألف مواطن.
وتتداول وسائل التواصل الاجتماعي شائعات يومية عن حدوث هزات أرضية في مصر، لمجرد أن مواطنًا شعر بشئ ما، دون غيره، أو مع ظهور أضواء في بعض المحافظات دون التحقق من مصدرها، شأن ما حدث مؤخرًا في الإسكندرية.
“تسونامي” في مصر؟
وصل الأمر إلى شائعات حدوث تسونامي، لدى انحسار مياه البحر المتوسط في عدة دول من بينها مصر، حسبما أظهرت صور تداولها مصريون على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
علميًا حسب موقع “الهلال والصليب الأحمر“، تعني ظاهرة “تسونامي” موجة بحرية ناجمة عن إزاحة فجائية واسعة النطاق لجزء كبير من قاع البحر إلى أعلى. وأكثر أسبابها شيوعًا الزلازل، ولكنها قد تنجم أيضًا عن أنشطة أرضية في قاع البحر، مثل الانجرافات الأرضية، أو الانفجارات البركانية.
وأي ساحل مُعرَّضٌ لضربات تسونامي، الذي تتحرك موجاته بسرعة الطائرة النفاثة لتضرب اليابسة بأمواج يزيد ارتفاعها على 20 مترًا. ويمكن للمياه أن تتوغل في اليابسة لعدة كيلومترات في المناطق المسطحة، وأن تتحرك صعودًا في الجداول والأنهار، جارفة ومدمرة كل ما يعترض طريقها. وقد تستمر الأمواج في ضرب الشاطئ لساعات عديدة، ويمكن أن تستمر التيارات الخطيرة لعدة أيام.
لكن خبير الزلازل، الحديدي، نفى ما تطرق له مواطنون، ووسائل إعلام، عن حدوث تسونامي مشيرًا إلى أنها محض “شائعات” ناتجة عن حالة هلع متصاعدة بعد توابع زلزال “سوريا، وتركيا”.
ويرى “الحديدي” أن الزلزال الذي حدث في السادس من فبراير/شباط الجاري يخص تركيا، وسوريا فقط، لأنه على الحدود بينهما، وهي منطقة في حيز الزلازل، في حين أن تأثيره علينا لن يتعدى سوى هزة بسيطة.
بدوره، أرجع رئيس المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد د.عمرو زكريا تراجع مياه البحر المتوسط عن الشواطئ لـ”ارتفاع الضغط الجوي على كل دول المنطقة”، ومن بينها مصر، مشيرًا إلى أن ذلك يرتبط علميًا بحركتي المد، والجزر، دون إشارة لاحتمالية حدوث “تسونامي”.
وفي تصريحات متلفزة، نفى “زكريا” إمكانية التنبؤ بحدوث زلازل، لكنه اعتبر إمكانية تعرض البلاد لـ”تسونامي” مجرد احتمالات، معرجًا على تعرض البلاد تاريخيًا للظاهرة ذاتها، مما أثر بشكل كبير على مدينة الإسكندرية.
على الصعيد ذاته، وفي سياق ربط علمي بين الزلازل و”تسونامي”، يقول “الحديدي”: إن “تسونامي” ينتج عن زلزال يحدث داخل البحر بقوة أكبر من 6.5 ريختر، وهو لم يحدث حتى الآن، وبالتالي ليست هناك مخاوف من تعرض مصر لذلك.
ولفت إلى أن معهد البحوث الفلكية أصدر بيانًا رسميًا أوضح فيه عدم وجود علاقة بين الزلازل وانحسار المياه، وأرجع الظاهرة إلى حركتي المد والجزر، مؤكدًا أن منسوب المياه سوف يرتفع في موعده المحدد بشكل طبيعي.
وسبق أن أصدر مجلس الوزراء بيانًا لنفي شائعة التنبؤ بحدوث “تسونامي” نتيجة انحسار مياه البحر عن بعض الشواطئ، وناشد المواطنين عدم الانسياق وراء الأخبار المغلوطة منعًا لإثارة الذعر.
اقرأ أيضا: مأزق الطبقة المتوسطة في مصر.. من ينتصر الدولة أم الأفندي؟
خريطة مواقع الهزات الأرضية
وتعد منطقة البحر المتوسط هي الأكثر تعرضًا للزلازل حسبما يفيد “الحديدي”، نظير ما يحدث بين “الصفائح الأوروبية” في منطقة القوس الهيليني، وهو أحد أكثر المناطق الزلزالية نشاطًا في منطقة غرب أوراسيا “مناطق التقاء آسيا بأوروبا”.
ومؤخرًا، نشر المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفزيقية عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي -“فيسبوك”- صورة توضح الوضع الجيولوجي، والتركيبي للمنطقة التي حدث فيها الزلزال، موضحا أنّ مركز الزلزال بالقرب من تقاطع فالق كبير (شرق الاناضول) مع تركيب البحر الميت.
أما في البحر الأحمر، يشير “الحديدي” إلى أن ثمة عملية انفتاح تحدث، نتيجة لهذا تحدث الزلازل، في حين أن خليج العقبة أيضًا من أبرز المناطق المعرضة لهزات أرضية.
وكلها ترجع وفق رؤية “خبير الزلازل” إلى ضغوط على كتلة الصخور، ومع تجمع الضغوط التي تزداد مع الوقت، تتعدى قدرتها على المقاومة، ومن ثم تحدث موجات.
ويرفض “الحديدي” الانصياع لما يتداوله البعض حول إرجاع الزلازل التي تحدث مؤخرًا إلى “تفجيرات نووية”، أو تدخلات بشرية، مشيرًا إلى أن مصر لديها مركزًا بحثيًا يدرس كافة التفجيرات التي تجري حول العالم، وأثرها، ويستطرد قائلًا:”لو كان ما يجري حاليًا نتيجة تفجيرات نووية، لحللناه جيدًا، وعلمنا مصدره”.
جاهزية مصر
وبالقرب من تحليلات خبراء الزلازل في مصر، يثور تساؤل اللحظة حول “مدى جاهزية مصر لمواجهة الأزمة”، يأتي ذلك مع إقرار المراكز البحثية بتكرار الهزات الأرضية التي تحدث مؤخرًا في مناطق متفرقة من البلاد.
ربما ينطلق ذلك من سلسلة إرشادات، وتحذيرات للمواطنين، وضعها “المعهد القومي للبحوث الفلكية، والجيوفيزيقية” على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، للتعامل مع الهزات الأرضية.
ويقول “الحديدي”: إن مصر لديها إدارة لـ”الأزمات والكوارث”، عطفًا على خطة طوارئ وطنية لكل الكوارث، ومن المفترض في الوقت الراهن إطلاق عدة دورات تدريبية للتعامل مع الحدث.
ويضيف لـ”مصر360″ أن تثقيف الشعب الآن، وتوعيته بكيفية التعامل مع الزلازل يعد في قائمة الأولويات، لافتًا إلى ضرورة وجود خطة جاهزة في كل بيت، تستهدف إجراءات احترازية، وتجهيزات غذائية تكفي لمدة أسبوع مثلًا، لأن الدنيا تتوقف تمامًا في مثل هذه الكوارث.
من بين الإرشادات الهامة التي يتوجب تعميمها، على حد قوله، التحرك بحذر، وتوزيع الأدوار داخل الأسرة، المصنع، الشارع، وعدم المسارعة بالخروج، منعًا لتفاقم المخاطر، إلى جانب متابعة الجهات المختصة، العلمية، والمعنية بالحدث، والتوقف عن استقاء الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضا: “كروت العيش البريدية”.. هل تحمي غير المشمولين بالدعم من جشع المخابز؟
درس التخطيط بعد زلزال 1992
وفي سياق متصل يؤكد د.سيف الدين زايد أستاذ التخطيط العمراني أن قضية الزلازل هذه المرة يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لأنها متكررة في أكثر منطقة.
ويضيف لـ “مصر360” أن ثمة نقاط أساسية يجب أن تؤخذ في الاعتبار حين نتحدث عن الزلازل، وهي على الترتيب “قوته”-بمعنى “كم بمقياس ريختر”، “مدته” لأنه قد يكون ضعيفًا، ومدته طويلة، وقد يكون قويًا ومدته قصيرة، و”موقعه” لربما تكون مصر على بعد من مركز الزلزال.
ويشير إلى أن ثمة إجراءات يجب أن تتخذ من الناحية التخطيطية مثلما يحدث في “اليابان” التي تتعرض لزلازل يومية، أهم هذه الإجراءات –على حد تعبيره- يجب أن تكون في المباني، والقطارات.
فالقطارات، وفق رؤية “خبير التخطيط” بها كثافة بشرية، وإذا طالت مدة الزلازل ستتعرض البلاد لكارثة محققة، لذلك لا بد من دراسة وضعية القضبان، والاطمئنان على إجراءات السلامة.
يأتي ذلك، بالتزامن مع دراسة تطبيق “كود الزلازل” الذي طرحته الحكومة في أعقاب زلزال 1992 كإجراء وقائي، ومدى تطبيقه في المشاريع الجديدة.
ويشير –خبير التخطيط- إلى أن معظم الخسائر الناجمة عن زلزال 1992 جاءت نتيجة انفصال أسوار الأسطح، والبلكونات عن الأرضية، وسقوطها على المارة في الشوارع.
لذلك، أُجبر المهندسون على تصميم “الأسوار”، والبلكونات على خرسانات مسلحة حتى لا تنفصل إبان حدوث أية هزة أرضية، وعلى حد تعبير زايد، فإن مركز بحوث البناء به “إدارة تفتيش” منوط بها الآن التفتيش على جميع المباني، والتأكد من تطبيقها لـ”كود الزلازل”.
ويستطرد قائلًا:”في اليابان يلجأون لتعديل أساسات البناء، لتكون على تركيبة ميكانيكية تشبه مساعد السيارة، وهذا لا يطبق في مصر لارتفاع تكلفته”.
الإنذار المبكر
وحسب خبير الزلازل “د.صلاح الحديدي” فإن “كود الزلازل” يجب أن يطبق بعناية، خاصة على سواحل البحر الأحمر، على أن تكون تصميمات البناء المقدمة متسقة معه، غير أنه تقريبًا لا يطبق.
ويضيف لـ”مصر360″ أن معهد البحوث الفلكية يعكف حاليًا على دراسة وتخطيط نظام “الإنذار المبكر”، لكي يغلق كل وصلات الكهرباء، منعًا لنشوب حرائق في أعقاب الهزات الأرضية، ويعطي إنذارًا تزامنًا مع حدوث أية هزة أرضية، لتغلق أنظمة التشغيل في حقول البترول، والغاز، وشركات الكهرباء، والمياه، تفاديًا لتفاقم الكوارث.