لأنها هي من كانت تقوم برعايتهما، وهما مسنان، خشى أشقاء الصحفية منال عجرمة من أن يخبروا والديهم بأنها محبوسة على ذمة اتهامات سياسية، وجهتها لها نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، بعد القبض عليها في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي من قِبل قوات الأمن الوطني.
خاف أشقاء “عجرمة”، الذين يعيشون حياة مستقلة مع أسرهم، من إخبار الوالدين، بأن ابنتهما “الكبيرة في السن هي الأخرى” والتي كانت ترعاهما في شيخوختهما، تعرضت للسجن السياسي. حيث تنعدم معرفة أية معلومة تخص المحاكمة أو موعد الإفراج.
كانوا يأملون، كما كل أهالي سجناء الرأي في مصر، أن تنتهي الأزمة سريعًا. لكنها لم تنته.
بتواصل غيابها في مجاهل السجن السياسي، اضطروا لإخبار الوالدين بالحقيقة. الحقيقة التي زادت من تعبهما، إضافة إلى العجز التام عن زيارتها والاطمئنان عليها.
لم ينته الأمر عند هذا الحد. فبعد 4 أشهر من حبسها، وفي الـ 10 من فبراير/ شباط الحالي، توفي الوالد دون أن يرى ابنته، أو تودعه. ذهب وترك والدتها وحيدة في معاناتها من غياب “منال” داخل زنزانة.
خاطبت والدتها جميع الجهات المعنية في محاولة للإفراج عنها. وقد بلغت “منال” من العمر 61 عامًا، وتعاني من مشكلات صحية قد تؤثر على حياتها داخل السجن.
مسيرة صحفية
في مسيرة صحفية ممتدة لنحو 40 عامًا، اتسمت عجرمة بالإخلاص لمهنة الكلمة. عملت في مؤسسات صحفية عدة. منها مجلة “آخر ساعة”. قبل أن تشغل موقع نائب رئيس تحرير مجلة “الإذاعة والتلفزيون”. وتنتخب عضوًا بمجلس إدارة جمعية الكتاب السياحيين عام 2014.
ناشطة سابقة باللجنة التنسيقية لحركة “صحفيين من أجل التغيير”، التي تأسست عام 2006، وربطت بين حرية الصحافة وحقوق الصحفيين. وهي تمتلك قدرًا عاليًا من المهنية.
“لم تكن تتصور يومًا اتهامها بالإرهاب”، ينقل الصحفي هشام فؤاد مشاعرها. ويضيف عبر حسابه على “فيسبوك” أنها وصفت حبسها داخل زنزانتها بسجن القناطر، وهي تقضى بين جدرانه أيام الحبس الاحتياطي التي تخطت 5 أشهر، تنتظر تبرئة ساحتها، بأنه “أمر موجع”.
أطلقت أسرة عجرمة وكتاب وصحفيون، مناشدات عدة، للإفراج الصحي عنها نظرًا لمعاناتها من أمراض مزمنة تحتاج لعلاج ومتابعة مستمرة. ذكرت المناشدات أن عجرمة تخطت الستين من عمرها، وتعاني أمراضًا في العمود الفقري وعمليات جراحية وصعوبة في الحركة.
تقول “منال” وينقل “فؤاد”: “كل ما يشغل بالي حاليًا أمي التي باتت وحيدة تمامًا بعد رحيل والدي وأنا في محبسي”.
اختفاء ومصادرة
في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على منال عجرمة من منزلها بمدينة الصحفيين في التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة. وذلك بسبب كتابات لها عبر “فيسبوك”، انتقدت فيها السياسات التي تنتهجها الدولة في ملفات عدة، بحسب ما تداوله وقتها الصحفيون القريبون منها.
تم إخفاؤها ليومين حتى ظهرت يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أمام نيابة أمن الدولة، وقبل 8 أيام من الدعوة لمظاهرات يوم 11 نوفمبر 2022. ووجهت لها النيابة اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية، والاشتراك في اتفاق جنائي بقصد ارتكاب جريمة إرهابية. وأمرت النيابة بترحيلها إلى السجن على ذمة تحقيقات القضية 1893 لسنة 2022 حصر أمن دولة.
وجهت إليها النيابة الاتهامات التقليدية لأصحاب الرأي: “استخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لجماعة إرهابية و”تمويل الإرهاب” و”التحريض على جريمة إرهابية”.
وسمحت نيابة أمن الدولة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لعضو مجلس نقابة الصحفيين “هشام يونس” بحضور التحقيق. لكنها عادت ومنعته مع التجديد اللاحق، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022. ولدى مثولها أمام نيابة أمن الدولة طلبت السماح بنقلها بعربة إسعاف وإدخال حزام طبي للظهر كان مع ذويها، ولم تستجب النيابة.
يقول الصحفي كارم يحيى، عبر صحفته على “فيسبوك”: “تبين وبشهادة نقابة الصحفيين أن المبلغ المصادر من منزلها (108 آلاف و 800 من الجنيهات المصرية) محل الاتهام هو بالتمام حصتها في صندوق تكافل الصحفيين بعد بلوغ الستين”. ورفضت نيابة أمن الدولة التصريح لأهليتها باستلام المبلغ مع وجود توكيل عام لشقيقها. واشترطت عمل توكيل خاص بهذا الشأن، ودون أن تتجاوب السلطات المختصة للآن للسماح بهذا التوكيل”.
ويكمل يحيى: “بعد القبض عليها صودرت بطاقة الرقم القومي وبطاقة عضوية نقابة الصحفيين وأجهزة المحمول، كما صادرت مفاتيح الشقة والسيارة”.
أحلام تتضاءل
تحرم سجينة الرأي من وصول الأدوية والعلاج الضروري لآلام العمود الفقري الذي يحتاج لتدخل جراحي. وكما سجناء آخرون، لا يسمح لها بدخول ملابس ثقيلة، تحد من برد الشتاء. ووفقًا لـ هشام فؤاد، وهو سجين سابق، فإن عجرمة محرومة من قراءة الصحف ودخول مكتبة السجن.
ينقل عن “عجرمة”: “تخيل أن أحلامي في بلد حر، تضاءلت لتصبح قربة ومخدة طبية وكتب”. وتعاني عجرمة من آلام الرقبة والظهر نتيجة انزلاق غضروفي، غير آلام بالذراعين والأطراف، والتهاب شديد بمفصل الكتفين الأيمن والأيسر.
أُجريت لها عملية جراحية بمستشفى الحلمية العسكري للعظام لعمل شق عظمي بالكعب وتثبيت مسامير بالقدمين بتاريخ 3 أغسطس/آب 2022. كل هذه الأمراض، صعبت قدرتها على الحركة.
نقابة الصحفيين والحوار
تدور أسئلة عدة، حول دور النقابة في الدفاع عن أعضائها في ظل الدور الذي يشغله النقيب الحالي ضياء رشوان، كمنسق عام للحوار الوطني. والذي كان من ضمن عناصره الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي. كما تُطرح كذلك الاستفسارات عن تأخر الإعلان عن قوائم الإفراج التي ارتبطت بحركة الحوار الوطني.
وفي الوقت ذاته، اقتربت انتخابات نقابات الصحفيين على موقع النقيب و6 من أعضاء المجلس بداية مارس/ آذار القادم. وعلى رأس الملفات التي يتم طرحها موقف النقابة من أزمة الصحفيين المحبوسين -نقابيين وغير نقابيين-.
وسابقًا، زار “عجرمة” وفد من الصحفيين على رأسهم النقيب الأسبق يحيى قلاش. وعقب وفاة والدها في 10 فبراير/ شباط الجاري، ناشد عدد من الصحفيين أجهزة الأمن السماح لعجرمة بحضور الجنازة.
وهو ما حدث وخرجت من السجن لمدة 4 ساعات، استطاعت خلالها البقاء مع والدتها وأشقائها لتشارك في عزاء والدها.