توقع مقال حديث، جاء ضمن النشرة البريدية هذا الاسبوع على موقع بلومبرج/ Bloomberg، أن تحتل المملكة العربية السعودية مكانة كبيرة في صناعة السينما في الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة. في وقت بدأ فيه التنافس الخليجي على الاستئثار بإمكانيات الفن السابع المبهرة. ما يجعل المنطقة تبدو وكأنها تستعد لإزاحة استديوهات هوليوود، التي أثّرت عليها الأزمة الاقتصادية العالمية.

وقال كاتب المقال، لوكاس شو: عندما طلبت من المديرين التنفيذيين عمل تنبؤات لعام 2023، كتب أحد الحكماء هذا: أصبحت المملكة العربية السعودية مقبولة على نطاق واسع كمصدر للتمويل في هوليوود، وستجذب استثمارات رفيعة المستوى.

حاولت ثاني أكبر مدينة في السعودية تحويل نفسها إلى مركز ثقافي شبيه بمهرجان كان أو صندانس من خلال استضافة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي

أضاف: منذ قراءة هذا، بدأت أرى وأسمع عن الأموال السعودية كل أسبوع. ليست مجرد أموال سعودية. إنها أموال قطرية وأموال إماراتية. بدأ الشرق الأوسط بإنفاق الكثير من الأموال على وسائل الإعلام. لكن، ما الذي يعنيه هذا؟

اقرأ أيضا: خطة السعودية السرية لشراء كأس العالم 2030

هل تستنسخ السعودية هوليوود؟

في أوائل ديسمبر/ كانون الأول، جاء عشرات المشاهير العالميين إلى جدة، المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 4 ملايين نسمة على الساحل الغربي للمملكة. لطالما عملت جدة كبوابة لمدينة مكة المكرمة، فضلاً عن كونها منفذ دخول للمسافرين الأجانب القادمين إلى المملكة.

يقول شو: لمدة 10 أيام في العام الماضي، حاولت ثاني أكبر مدينة في السعودية تحويل نفسها إلى مركز ثقافي، شبيه بمهرجان كان أو صندانس، من خلال استضافة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.

تضم قائمة الحضور في النسخة الثانية من الحدث العديد من نخبة مشاهير هوليوود. شغل أوليفر ستون منصب رئيس لجنة التحكيم، بينما جلس سبايك لي، وأنطونيو بانديراس، وأندي جارسيا، لإجراء محادثات حول السينما.

أيضا، كان هناك الكثير من النجوم المعاصرين الحاضرين، بما في ذلك هنري جولدينج وجويل كينمان وميشيل رودريجيز. كما قدّم برونو مارس عروض حفل الافتتاح.

يشير شو إلى أن “المملكة العربية السعودية، الغارقة في أموال النفط، حريصة على توسيع نفوذها على المسرح العالمي.، من خلال الاستثمار في الثقافة الشعبية”.

يضيف: لقد أنفقت المملكة، بالفعل، مليارات الدولارات لإنشاء نادي جديد للجولف، واستثمرت مليارات أخرى في ألعاب الفيديو. وهي تحول اهتمامها الآن إلى هوليوود.

وأوضح أن وجود مشاهير على الأراضي السعودية في مهرجان سينمائي يضفي مصداقية على تلك الجهود “حتى لو لم يحضر كل النجوم الكبار”. كما لفت إلى أن الدولة تقدم أيضًا حوافز سخية لصانعي الأفلام والاستوديوهات إذا قاموا بالتصوير هناك “وقد جذبت هذه الحوافز بالفعل بعض الإنتاج، بما في ذلك فيلمي “محارب الصحراء” و”قندهار”، من بطولة أنتوني ماكي.

عودة مرتدة

يؤكد كاتب المقال في بلومبرج أن هذا كان غير محتمل قبل بضع سنوات فقط. بعد أن أقسمت العديد من الشركات على الابتعاد عن أموال السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي. حيث قالت المخابرات الأمريكية إن مقتله حظي بموافقة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.

في الفضيحة التي تلت ذلك، أعادت شركة إنديفور، الشركة الأم لوكالة المواهب WME، استثمارًا بقيمة 400 مليون دولار من المملكة، ومعظم -وإن لم يكن كل- نظرائها تخلوا عن الأموال السعودية.

مع ذلك، بدأت مقاومة الأموال السعودية تتلاشى، بفضل مزيج من الوقت والضرورة.

يقول شو: تواجه الشركات التي تحتاج إلى رأس المال صعوبة أكبر في الاستفادة من العديد من مصادرها التقليدية. أغلق الغزو الروسي لأوكرانيا واحدة. ثم حدت الصين من قدرة شركاتها والأثرياء على الاستثمار في الخارج. كما أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة جمع الأموال من مصادر التمويل في الولايات المتحدة وأوروبا.

أضاف: لأن أي شخص يبحث عن المال يحتاج إلى الإبداع. استفادت قطر والسعودية والإمارات من ارتفاع أسعار النفط، بينما تحتاج إلى نشر رؤوس أموالها في العديد من الصناعات.

وأكد أن “صناديق الأسهم الخاصة، وأصحاب رؤوس الأموال، والمصرفيون الاستثماريون، يقضون وقتًا أطول في الشرق الأوسط، والسعودية على وجه الخصوص”.

تابع: عندما اتصلت ببعض أصحاب رؤوس الأموال لأخذ رأيهم حول هذا الموضوع، استجابوا لندائي من الرياض، عاصمة المملكة.

وأوضح أن “هؤلاء الممولين الذين لا يبررون لماذا يمكنهم أخذ الأموال من أوروبا، رغم تاريخها من الإبادة الجماعية. يرفضون السعودية”.

غالبًا ما تخضع الشركات الإعلامية لمعايير مختلفة عن الشركات المالية لكنها غير واضحة بشأن ما الذي يجعل السعوديين أسوأ من جيرانهم في الخليج

اقرأ أيضا: السعودية تريده بقوة.. هل يسير ميسي على خطى رونالدو؟

بين الشرق الأوسط والصين

يضيف شو أنه “غالبًا ما تخضع الشركات الإعلامية لمعايير مختلفة عن الشركات المالية. لكنها غير واضحة بشأن ما الذي يجعل السعوديين أسوأ من جيرانهم في الخليج”.

يقول: قبلت الشركات الإعلامية، منذ فترة طويلة، التمويل من القطريين والإماراتيين. حيث استثمر صندوق الثروة السيادي القطري في استوديو الأفلام Miramax، شركة الترفيه التي يملكها بيتر تشيرنين، وهو مالك فريق باريس سان جيرمان لكرة القدم.

أيضا، صندوق الاستثمار الإماراتي المملوك للدولة، كان مستثمرًا رئيسيًا في كتالوج الموسيقى لمايكل جاكسون.  كما يتطلع كل من القطريين والإماراتيين لشراء فرق الدوري الأمريكي للمحترفين.

هذه الأيام، أجرى بعض المنتجين والممولين مقارنات بين الشرق الأوسط اليوم، والصين قبل عقد من الزمن.

يوضح شو: لقد سئم الصينيون من مواطنيهم الذين يشاهدون الأفلام الأمريكية، وحريصون على توسيع نفوذهم على المسرح العالمي. لذلك، ضخ الصينيون مليارات الدولارات في صناعة السينما. قامت ببكين ببناء آلاف من دور العرض، واستثمرت في شركات إعلامية أمريكية، ومولت العديد من أكبر أفلام هوليوود، ودخلت في شراكة في الملاهي.

وفي غضون سنوات قليلة فقط، أصبحت الصين ثاني أهم سوق للأفلام في العالم بعد الولايات المتحدة.

وأكد أنه “بعد فوات الأوان، استخدمت الصين هوليوود. لقد جلبت هوليود ونسخت ممارساتها ثم طردت الجميع. حلت الأفلام الصينية محل الأفلام الأمريكية في صدارة شباك التذاكر في البلاد، والحكومة أقل انفتاحًا بكثير للسماح بإصدار الأفلام الأجنبية”.

بالنسبة للسعودية، فإن معظم المنتجين متفائلون بأنها لن تفعل ذلك. ويعتقدون أن المملكة وقطر والإمارات حريصون على ممارسة المزيد من النفوذ، وتحسين سمعتهم. لكنهم متشككون في أنهم يريدون صناعة أفلام للاستهلاك المحلي فقط.

قندهار

في حين أن العديد من صناع الأفلام والمنتجين يترددون في التعامل مع المملكة العربية السعودية بسبب ملفها الحقوقي وقضية خاشقجي. إلا أن أبرز سمات التعاون السريع بين هوليوود والرياض هو فيلم “قندهار”، الذي احتاج منتجوه إلى مكان للتصوير. هو فيلم أكشن قام ببطولته جيرارد بتلر. حيث يلعب بتلر دور عميل تم كشفه في أفغانستان، ويتم مطاردته من قبل ثلاثة كيانات شرق أوسطية مختلفة. ويتحدث معظم الفيلم باللغات البشتونية والأردية والعربية.

هنا، ساعدت وكالة Creative Artists، عملاق المواهب في هوليوود، في ربط المنتجين مع MBC، المؤسسة الإعلامية المدعومة من الحكومة السعودية. والتي وصفها شو بأنها “كانت أكثر استقلالية عن الحكومة عندما تم التوسط في الصفقة لأول مرة مما هي عليه الآن”.

في البداية، كانت الخطة هي تصوير المشروع في دبي وقضاء أسبوع في المملكة. وكان قد تم تصوير العديد من الأفلام، بما في ذلك الجزء الأخير من Mission: Impossible، في دبي.  ولكن، بعد ذلك، قدمت MBC عرضًا حول بناء مجتمع صناعة الأفلام في المملكة.

ولتعويض التكاليف المرتفعة لنقل الفيلم إلى مكان به بنية تحتية أقل، قدمت الدولة مساعدة مالية كبيرة لصناع الفيلم، المنتظر نزوله في دور العرض في نهاية شهر مايو/ أيار المقبل.