بعد عام على “العملية” العسكرية الروسية، تُظهر الساحة الأوكرانية استخدام موسكو لكثير من التقنيات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار. والتي تشكل خطورة على مستقبل التفوق الغربي في الصراع الجوي. خاصة الولايات المتحدة وحليفها الدائم، إسرائيل. حيث يكشف استخدام الأطراف غير الغربية للطائرات بدون طيار كبديل لسلاح الجو، إلى جانب الهجمات على المدنيين في أوكرانيا والأضرار الجانبية الواسعة التي تسببها هذه الطائرات، عن الوجه الجديد لما يراه الغرب “تهديد جوي عالمي”.

في التحليل المنشور في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي/ INSS، ترى كل من ليران أنتيبي مديرة برنامج التقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي والأمن القومي في المعهد. وعميكام نوركين، قائد سلاح الطيران الإسرائيلي السابق (2017-2022)، أنه مع دخول الحرب عامها الثاني، هناك فرصة جيدة لدراسة التقنيات الإيرانية والروسية. ليس من خلال التوقعات أو المناورات، ولكن من خلال الأحداث الفعلية والمقلقة.

يكشف استخدام الأطراف غير الغربية للطائرات بدون طيار كبديل لسلاح الجو عن الوجه الجديد لما يراه الغرب “تهديد جوي عالمي”

يشير التحليل إلى أنه يجب على إسرائيل مواجهة تحديات جديدة في مجالات الكشف والاعتراض والدفاع، مع تحديد الطائرات بدون طيار. بالإضافة إلى ذلك “نظرًا لاستحالة إنشاء دفاع محكم كامل، هناك حاجة إلى معالجة عاجلة لرفع مستوى استعداد الجبهة الداخلية للدفاع والتعافي. لزيادة الاستخبارات وتحسين بناء القوة، وربما تشجيع المزيد من العقوبات على إيران”.

يضيف: يرى البعض أنها -الحرب الأوكرانية- مثال على “ساحة المعركة المستقبلية”. لا سيما بالنظر إلى الاستخدام المكثف من الجانبين للطائرات بدون طيار من مختلف الأنواع. بالإضافة إلى ذلك، يوضح الصراع التغيير الواضح في التهديد الجوي المنتشر في العالم اليوم.

اقرأ أيضا: “عام من دعم أوكرانيا”.. إدارة بايدن تصدر “مستند حقائق” بالمساعدات خلال الغزو

ويؤكد أن “الحرب في أوكرانيا هي فرصة للبلدان التي قد تواجه سيناريوهات مماثلة، للدراسة والاستعداد لمثل هذه الاحتمالات. بالنسبة لإسرائيل، هذه فرصة فريدة: نظرًا لأن إيران تعتبر أكبر تهديد لها، فتورط طهران في صراع في أوروبا يسمح بفحص متعمق لأحد جوانب القدرات والضعف الإيرانية.

التقنيات الإيرانية

يشير التحليل إلى أن التورط الإيراني في الصراع ينبع من العلاقة الخاصة بين طهران وموسكو. والذي يترجم إلى إمداد إيران لروسيا بمختلف التقنيات العسكرية، وخاصة الطائرات بدون طيار المسلحة، فضلاً عن المعرفة العملياتية ومساعدة الخبراء، الذين يعمل بعضهم من الأراضي الروسية.

في غضون ذلك، في الأشهر الأخيرة، استخدمت الصناعات الروسية الطائرات بدون طيار الإيرانية الانتحارية من طراز (شاهد/ Shahed 136)، والتي تعمل بشكل مستقل نسبيًا، وقادرة على التحليق عبر نظام GPS، وضرب النقاط المستهدفة بـ 40 كجم من المواد المتفجرة.

يقول: هذه وسائل بدائية نسبيًا ومنخفضة التكلفة وسهلة التشغيل. حتى أن البعض منها تم تخفيض تصنيفهم بهدف السماح بتفكيك قطعهم وتصديرهم من إيران، مع التجميع على الأرض. على الرغم من انخفاض مستوى دقة هذه الطائرات بدون طيار مقارنة بنظيراتها الغربية، إلا أنها بالنسبة للروس تمثل حلاً مناسبًا لحاجتهم إلى محاولة تقويض مرونة أوكرانيا من خلال إتلاف البنية التحتية للكهرباء والمياه، فضلاً عن إلحاق إصابات ووفاة متعمدة للمدنيين.

يضيف: حتى الآن، لم يؤد الاستخدام الواسع لهذه الأنظمة إلى الإنجاز الاستراتيجي المنشود لروسيا. ومع ذلك، تُظهر الحملة في أوكرانيا طرقًا لشن الحرب عبر العديد من الطائرات بدون طيار ، وهي بديل (أدنى) من القوة الجوية للدول التي تخضع لعقوبات أو تفتقر إلى الموارد.

وأوضح ان الصراع باستخدام هذه الطائرات يرتبط استخدامه بمستويات تهديد متعددة: الإرهاب، والصراع المحدود، والصراع بين الدول.

من وجهة نظر إسرائيل، تقدم أوكرانيا دليلاً على القدرات التكنولوجية المحدودة للأسلحة الإيرانية المصدرة من ناحية، والآثار المترتبة على ساحة المعركة من ناحية أخرى. بما في ذلك القدرة على تدمير البنية التحتية المدنية، والقوات العسكرية، والمدنيين.

دورس المعركة

رغم العقوبات الدولية المفروضة على طهران، يشير التحليل إلى قوة وسرعة الإنتاج التي أظهرها الإيرانيون، ما يثير قلق الدولة العبرية حول القدرة التصديرية لإيران، والآثار المستقبلية للمعرفة التي تواصل اكتسابها، والشراكات التي تقيمها.

يقول التحليل: في الواقع، مع الاستخدام الروسي للأسلحة الإيرانية، يكتسب الإيرانيون المعرفة العملياتية فيما يتعلق بقيود ومزايا تقنياتهم. بالنسبة لإسرائيل، فإن الشاغل الرئيسي هو حقيقة أنها ستستهدف من قبل هذه الأنظمة. يعمل البعض بالفعل بطرق مختلفة، سواء مباشرة من إيران، أو من خلال وكلائها في مواقع مختلفة في الشرق الأوسط وعلى طول حدود إسرائيل، بما في ذلك حماس وحزب الله.

يضيف: الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو افتراض أن الطائرات بدون طيار الانتحارية هي خطوة على طريق صواريخ كروز. التي تتمتع بقدر أكبر من الدقة والقدرة على إلحاق الضرر.

يُظهر القتال في أوكرانيا أيضًا كيف تميل القوى غير الغربية إلى استخدام الأسلحة غير المأهولة “بلا عنصر بشري”، في محاكاة كاملة لكيفية استخدام الديمقراطيات الغربية لتقنيات مماثلة، إلى حد كبير، بهدف تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، عن طريق تحسين دقة أنظمتها.

ويلفت التحليل إلى أن “المئات من هذه الطائرات بدون طيار، مع وابل كثيف من الصواريخ في الأيام الأولى من القتال، قد يشكل مشاكل صعبة لأنظمة الدفاع الإسرائيلية”.

أيضا، في سياق الأحداث في أوكرانيا، هناك عدد من القضايا التي تتطلب اهتمامًا عاجلاً من إسرائيل، كما تلفت مديرة برنامج التقنيات المتقدمة وقائد الطيران السابق، لا سيما الحاجة إلى ترقية قدرات الكشف والاعتراض والدفاع، والحاجة إلى اغتنام الفرص الناشئة.

لذلك، يوصي التحليل الجيش الإسرائيلي أن يستمر في منع نقل التقنيات الإيرانية في محيط الدولة العبرية. علاوة على ذلك “فإن معرفة أنه من غير الممكن منع تسليح الجانب الآخر بشكل كامل، يتطلب من إسرائيل ترقية قدراتها على الاعتراض بشكل كبير، فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار كطبقة جديدة تتطلب التعامل المستهدف ضمن مجمل الدفاعات الجوية الإسرائيلية”.

المئات من هذه الطائرات بدون طيار مع وابل كثيف من الصواريخ في الأيام الأولى من القتال قد يشكل مشاكل صعبة لأنظمة الدفاع الإسرائيلية

اقرأ أيضا: المونيتور: حرب أوكرانيا تزعزع ثوابت تحالفات الشرق الأوسط

ضعف الدفاع الإسرائيلي

يؤكد التحليل أنه “يجب على إسرائيل تغيير النهج السائد حتى الآن للتعامل مع هدف وحيد: يجب أن يستعد نظام الدفاع لمواجهة التهديد بإطلاق حشود كبيرة -ربما حتى أسراب- من الطائرات بدون طيار على إسرائيل، بالتزامن مع الصواريخ والوسائل الإضافية، خاصة خلال الأيام الأولى من القتال”.

ويوضح: نظرًا لصعوبة توفير الموارد لتطوير الأنظمة لكل تهديد منفصل، فهناك حاجة إلى نظام اعتراض يمكنه التعامل مع جميع التهديدات في وقت واحد، ويمتلك المرونة والتكيف السريع لتلبية طبيعة الأهداف المتغيرة. تحقيقا لهذه الغاية، يجب على وزارة الدفاع زيادة ميزانيتها الشرائية، والسرعة التي تحصل بها على أنظمة جديدة ودمجها في الأنظمة القائمة. كما يجب الاهتمام بالتكامل بين الأنظمة وتنفيذ قدرات الذكاء الاصطناعي، التي ستساعد في الكشف المبكر، واتخاذ القرار فيما يتعلق بالاعتراض.

أيضا، ينصح التحليل صانع القرار في تل أبيب بـ “مواصلة دراسة خطوات الإنتاج الإيراني وتكييف قدرتها على الاعتراض قدر الإمكان، بما في ذلك عبر أنظمة الليزر المستقبلية، فضلاً عن قدرتها على تجديد مخزونها من المعترضات”. مؤكدا أن هذا الجانب مُلح بالنظر إلى المعلومات الاستخباراتية التي تم الكشف عنها مؤخرًا، والتي تشير إلى نوايا روسية وإيرانية لبناء مصنع مشترك في روسيا، سيمكن من إنتاج حوالي 6000 طائرة بدون طيار سنويًا.

يؤكد الكاتبان كذلك أنه “مطلوب من إسرائيل تكييف أنظمة الإنذار في الجبهة الداخلية لطبيعة التهديد”.

أوضحا: بالنظر إلى أنه من المتوقع أن يكون الوضع على الجبهة الداخلية مختلفًا، وأكثر تحديًا مما كان عليه في جولات القتال السابقة مع حماس، يجب على إسرائيل أن توضح للأطراف المعنية، وبشكل أساسي للمواطنين أنفسهم، الآثار المستقبلية لسياسات الاعتراض التفاضلي، حيث لن يتم اعتراض جميع الأهداف بسبب توفير التكاليف أو نقص الذخيرة. بالإضافة إلى عدم القدرة على اعتراض القنابل الثقيلة تمامًا التي يتم إطلاقها في وقت واحد، في حالة وجود صراع واسع النطاق.