في ورقة جديدة، نشرتها مبادرة الإصلاح العربي بالتعاون مع منظمة “نساء من أجل العدالة“، ناقشت الباحثة الاقتصادية ريم عبد الحليم، التغيرات التي طرأت على نظم الدعم في مصر. وقد تعرضت إلى الخطاب السياسي المصري في علاقته بالسياسة الاجتماعية.

ترى الباحثة أن أهم مظاهر التغيرات التي طرأت على نظم الدعم في مصر تتمثل في التحول من نظام الدعم المالي العام إلى دعم أكثر استهدافًا، بدت ملامحه واضحة في إقرار برنامج “تكافل وكرامة”. ذلك بالإضافة إلى التعديلات التي أُدخلت على نظام البطاقة التموينية ونظم الإسكان الاجتماعي والرعاية الصحية.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا


ريم عبد الحليم
ريم عبد الحليم

ريم عبدالحليم خبيرة اقتصادية متخصصة في شؤون السياسة العامة ومكافحة الفقر شغلت مجموعة مناصب ترتبط بالعمل التنموي في مؤسسات قطاع خاص دولية وفي مؤسسات بحثية مصرية وعالمية. حاصلة على الدكتوراه في الاقتصاد في مجال التنمية المكافحة للفقر


برز مع بداية العام 2021 مشروع تطوير القرية المصرية الذي تشير الباحثة إليه باعتباره نسخة مطوّرة من برنامج جمال مبارك “الألف قرية” وإعلان البرنامج القومي لتطوير الريف المصري، لكن دون الاكتراث إلى ما يتطلبه ذلك من معالجة إشكاليتي “المركز والطرف”، والتعامل مع الطرف على أنه وحدة متجانسة من دون تباينات. هذا بالإضافة إلى غياب قواعد البيانات والمسوحات اللازمة. حيث ترى الباحثة أنه دون معالجة كل هذه المسائل قد يؤدي المشروع إلى اتساع الفجوة الجغرافية التنموية وإلى فجوات اجتماعية أخرى في الأرياف.

تعتمد الورقة على تحليل الأثر الاجتماعي للنظام السياسي. ذلك ضمن مجال زمني يمتد في من 2013 إلى 2021. كما تعرض الورقة محددات صنع القرار الخاصة بالإنفاق الاجتماعي. وتتناول أدوار الفاعلين في صناعة القرار، ومدى استفادة الفئات المستهدفة من نظم الدعم.

الانتقال إلى نظام الحماية الجديد

أتيح مع بداية نظام 2013 تمويلًا من خلال المنح التي قدمتها دول الخليج للدولة المصرية. وكان التدخّل الأهم، مستندًا إلى هذه المنح، هو رفع الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع العام. إلّا أنه كان صوريًا، إذ لم يزد الراتب الجديد كثيرًا عن سابقه.

شهدت الموازنة العامة للدولة انكماشًا ملحوظًا في الإنفاق، فمع ارتفاع معدّل التضخم، زاد الإنفاق بمعدل لم يتعد 5%. وقد جاءت موازنة 2015-2016 بهدف تخفيض كبير بنسبة العجز، بحيث لا يتعدى 8.9% ولذلك خفضت المصروفات الحقيقية.

اقرأ أيضًا: ماذا تخبرنا قطع “البانيه” و”الملابس الداخلية” عن التضخم في مصر؟

كذلك، تم تثبيت كل المكافآت والبدلات لموظفي الدولة، كما تم تخفيض مخصصات الدعم العيني. وهنا، بدأت المرحلة الجديدة من السياسات الاجتماعية، حيث ظهر برنامج “تكافل وكرامة”، والذي بدأ في الصعيد ثم عمم في المحافظات، كما تشير الباحثة، التي تضيف أن التجربة “منقولة حرفيًا من دول أميركا اللاتينية، مع فصل البرنامج عن المظلة التنموية التي نشأ بها”.

وتقول إنه ليكون هذا البرنامج أكثر نجاحًا، ويحقق عائدًا على المدى الطويل للمستفيدين، كان لا بد من وجود خدمات صحية وخدمات تعليمية قوية وتخضع لنظام صارم في الحوكمة.

صورة ترويجية لبرنامج تكافل وكرامة - وزارة التضامن الاجتماعي
صورة ترويجية لبرنامج تكافل وكرامة – وزارة التضامن الاجتماعي

انتقادات لـ”تكافل وكرامة”

شاب نظام معاش “كرامة وتكافل” كثير من المسالب، منها: هروب كثير من الأسر من أنظمة المعاش، التساهمي القائم على العمل والاستمرار في أنظمة التشغيل غير الرسمي. وذلك وفق التقييم الذي أجرته مؤسسة IFPRI في عام 2016، والذي قام على مجموعة من اللقاءات مع المستفيدين.

شعور بالظلم: توضح استجابات المستفيدين الشعور بالظلم من شرط عدم وجود تأمين اجتماعي لصرف دعم يقدمه برنامج “تكافل وكرامة”، بما يؤثر بشكل خاص على العاملين في مهن تتطلب توافر التأمين؛ للحصول على تصريح عمل بهذه المهن، وضمنهم العاملون في المزارع السمكية.

إقصاء بعض الفئات: غير أن أنظمة التحويلات النقدية -كما تقول الباحثة- أثبتت عدم قدرتها على شمول كلّ الذين يجب استهدافهم، وأقصت بعض الفئات التي هي بحاجة للمساعدة.

رغم المعوقات هناك نتائج

رغم ذلك، لا إنكار لنتائج برامج “تكافل وكرامة” في دفع الكثير من الفقراء في صعيد مصر خارج دائرة الفقر المدقع. فانخفض معدل الفقر القومي (أي نسبة السكان تحت خط الفقر) إلى 29.7 % في عام 2019-2020، مقارنةً بنحو 32% في عام 2017-2018، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

إلا أن اقتصار السياسة الاجتماعية على هذا البرنامج لم يكن كافيًا. خاصة فيما يتعلق بالصحة والتعليم. إذ لم تحترم الدولة التزاماتها الدستورية بالمخصصات المتعلقة بالإنفاق على هذين القطاعين، وفق دستور 2014.

واعتمدت الصحة بصورة أكبر على المبادرات الرئاسية، مثل: مبادرات “القضاء على فيروس سي” و”صحة المرأة”، وكلاهما قائم على المنح والشراكات مع شركات الأدوية.

التركيز على الريف

خلال 2019، أعلن عن مبادرة جديدة تركز على الريف، وتستكمل نفس مسيرة وفكر الحزب الوطني قبل عام 2011، وهي مبادرة “حياة كريمة” لتنمية جودة الحياة في القرية المصرية.

تقوم المبادرة على مبادئ عامة مبنية بالأساس على إسهام مجموعة من الجمعيات الخيرية وجمع التبرعات.

خُصّص للمبادرة نحو 75 مليار جنيه في موازنة 2021-2022. وشملت إحياء مستشفيات التكامل، التي كانت تُعرَف بمراكز طب الأسرة، وتعطلت لفترة طويلة، رغم كونها المقدم الرئيسي للخدمات الطبية في الريف.

غياب برنامج اقتصادي متكامل

ضمن رؤية نقدية للسياسات الاجتماعية، تشير الورقة إلى مشكلة أساسية في برامج الرعاية، هي غياب برنامج اقتصادي واضح المعالم ومتكامل ويرتكز على التنمية الشاملة بمعناها الواسع، من توفير فرص عمل لائقة والضمان الاجتماعي الشامل والنهوض الحقيقي بالصحة والتعليم. إذ اعتمد النظام على المبادرات المتفرقة لتوسيع القاعدة الاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية، ولكن من دون إطار ورؤية تنموية متكاملة وموحدة.

منذ بداية العام 2020، كانت مصر عرضه للتأثر الكبير بمجموعة الأزمات التي شهدها العالم، كما أزمة (كوفيد- 19) وتداعياتها الاقتصادية، ثم أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية التي تحولت إلى أزمة عالمية على مستوى السلع الاستراتيجية.

هذا مع ارتفاع معدل التضخم الذي تخطى 14% رسميًا في عام 2021. وقد تراجعت ضمن تبعات ذلك قيمة العملة المحلية من 15 جنيهًا للدولار عام 2016 إلى أكثر من 18.8 جنيهًا للدولار عام 2022، ثم متخطيًا سقف 30 جنيهًا للدولار. كما تفاقم معدل البطالة وتفاقم الدين العام للدولة.

اختفاء بعض برامج ونظم الدعم

دعم الوقود: منذ نهايات عهد مبارك برزت توجهات متعددة لتنظيم الدعم الشامل وفق آليات أكثر عدالة، مثل ربط الدعم على البنزين بالاستهلاك من خلال البطاقة الممغنطة.

أنفقت الدولة ملايين الجنيهات على إنتاج وطباعة وتوزيع هذه البطاقات على المواطنين. ووضع حكم مبارك ثم حكم محمد مرسي أطرًا لتطبيقها بداية بمحافظة بورسعيد، ثم اختفت تمامًا في نظام يوليو 2013.

خفض مخصصات التأمين الصحي: الأهم حسب ما تشير ريم عبد الحليم، هو اختفاء شبه كامل للحديث عن منظومة التأمين الصحي الشامل. ذلك رغم نجاح التجربة بالفعل في محافظة بورسعيد، التي طبقت فيها قبل أزمة (كوفيد- 19).

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

كان من المفترض أن يطبق القانون رقم 2 لسنة 2018 للتأمين الصحي الشامل في 6 مراحل على مدار 15 عامًا، بداية من 2018 حتى 2032. وتشمل المرحلة الأولى: محافظات “بورسعيد، والسويس، وجنوب سيناء، وشمال سيناء، والإسماعيلية”.

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار رقم 190 لسنة 2021 بالموافقة على اتفاق قرض بين حكومة جمهورية مصر العربية والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية بشأن مشروع دعم نظام التأمين الصحي الشامل في مصر. ذلك بمبلغ 400 مليون دولار، والموقّع بتاريخي 20 و21 يناير/ كانون الثاني 2021.

المفاجأة -وفق الباحثة- أن دعم التأمين الصحي الشامل لغير القادرين انخفض من 865 مليون جنيه في الموازنة المعدلة لعام 2020-2021 إلى 165 مليون جنيه فقط في العام 2021-2022. في حين تم تثبيت قسمة المبالغ المخصصة للعلاج على نفقة الدولة.

من يرسم سياسات الحماية الاجتماعية؟

وضعت مصر في 2016 استراتيجية التنمية المستدامة. وهي تتواءم مع أهداف التنمية للأمم المتحدة، بينها القضاء على الفقر بجميع أشكاله، بما يشمله من الجوع وسوء التغذية، وضعف إمكانية الحصول على التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات الأساسية، والتهميش، والاستبعاد، وغياب معالم العمل اللائق.

ترصد الورقة حرص المشرع المصري على إضفاء القيمة الدستورية للحق في الحماية الاجتماعية، بما يضمن حياة كريمة، وأن تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة، والمواطنين غير القادرين على العمل.

جهات التمويل تتخذ القرار

وفق الورقة، كان متخذ القرار الحقيقي وراسم السياسات هو جهات التمويل. إذ لا يوجد برنامج صممته الدولة، وبدأت في تنفيذه بشكل جدي من مواردها إلا برنامج “حياة كريمة”.

كان البنك الدولي شريكًا أساسيًا في التحول من نظام الدعم السلعي الشامل لنظام تكافل وكرامة. وهو أيضًا المشروع الذي طبق في عدد من دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.

استكمل البرنامج شروط قرض صندوق النقد الدولي في عام 2016 المرتبط بتخفيض قيمة العملة المحلية ورفع الدعم الشامل.

اقرأ أيضًا: التشريع الاقتصادي وحقوق المواطنين

دعم البنك الدولي لبرامج الحماية

تستند عمليات برنامج “تكافل وكرامة” على مشاركة البنك الدولي للإنشاء والتعمير. هذا ضمن التعاون القائم مع وزارة التضامن الاجتماعي. حيث تكلف مشروع تعزيز شبكات الضمان الاجتماعي -والموقَّع في 2015- نحو 400 مليون دولار. كما عزز بتمويل إضافي بقيمة 500 مليون دولار والذي تم توقيعه عام 2019.

يقول جاستن لن، رئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي:  “نزيد من دعمنا لبرامج التحويلات النقدية ‏المشروطة كونها تبرز كمثال على كيفية الاستفادة من الموارد بصورة فعالة- خاصة خلال الفترة الحالية التي ‏تتسم بالأزمات المتعددة والتي أصبحت فيها المعونات الأجنبية غير مؤكدة”.

كما أقرض البنك مصر لرفع كفاءة عدد من المستشفيات في إطار مواجهة فيروس كوفيد-19. بينما وجه الحكومة بشأن دعم الشراكة مع القطاع الخاص ضمن جهود تطوير نظام التأمين الصحي.

لفت ايدجر روميرو الانتباه إلى إمكانيات صياغة أجندة عمل لتبني الدول لبعض الإصلاحات يمكن خلالها تزويد مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار بمجال الرعاية الصحية.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

تستخلص الورقة، أن جهود وبرامج الرعاية الاجتماعية مفتتة، كما تتحكم المؤسسات الدولية في صياغتها، وتفتقد هذه البرامج للشمول، بفعل الضغوط التمويلية المتزايدة.

كما هناك حاجة إلى إعادة ترتيب مخصصات الإنفاق العام وفق أهداف تنموية قابلة للقياس، وأن تكون برامج الرعاية الاجتماعية مبنية وفق رؤية اقتصادية متكاملة وعادلة، تهتم بالإنتاج الحقيقي في قطاعات الزراعة والصناعة وليس على قروض صندوق النقد والمسكنات محدودة الأثر.

وتبقى الحاجة إلى صياغة نظام متكامل لمنظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووضع نظام متكامل لشبكات الحماية الاجتماعية بما يجعل الدولة قادرة على التصدي لأي أزمات مشابهة في المستقبل.

وتستنتج الورقة أن الخطاب السياسي، منذ تموز/ يوليو 2013 لم يتناول التحول نحو منظومة حقيقية للحماية الاجتماعية تشمل صياغة برامج متكاملة لذوي الأجور المنخفضة والعمالة غير الرسمية والأطفال والنساء ومواجهة المخاطر وتخفيف آثارها.