رغم أن وفاة الشابة مهسا أميني حفزت الاحتجاجات في أرجاء إيران، حيث فشل النظام في إخماد حالة الغضب العام، إلا أن الشعب الإيراني فشل بنفس القدر، في إيجاد حل سحري للإطاحة بآيات الله إلى الأبد.

في جدالها حول مستقبل السلطة في طهران، تشير دانييل بليتكا، زميلة معهد أمريكان إنتربرايز، في تحليل منشور بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، إلى أن الرصاصة السحرية القادرة على اختراق الجمهورية الإسلامية قد تكون موجودة بالفعل: الفساد. لكنها تفتقر -فقط- إلى قوة غربية لديها القدرة على ضغط الزناد.

امرأة تسير أمام جدارية تظهر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في طهران في 9 مارس/ آذار 2022- وكالات

قبل البحث في محنة الفساد الإيرانية، تبدأ بليتكا جدالها بسرد حكايات عدد من الأنظمة المخلوعة في الأعوام السابقة.

تقول: في كثير من الحالات، كان المستبدون من القادة، أعضاء في المجتمع الدولي، لهم مقاعدهم فى الأمم المتحدة، واستقبال في البيت الأبيض. فقط وعند الإطاحة بهم، يكتشف العالم الصدمة.  أن هذا المستبد سرق مليارات الدولارات من خزائن دولته.

اقرأ أيضا: المرأة والحياة والحرية.. هل تتحرك إيران من الاحتجاج إلى الثورة؟

ديكتاتويون وفاسدون

تتساءل بليتكا: هل تذكر صديق واشنطن العزيز، الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. أحد الحاضرين في كامب ديفيد، والذي أجرى زيارات سنوية لواشنطن، وتلقى عشرات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية أمريكية؟

لقد تمت الإطاحة به في عام 2011، لكن فساده كان أسطورة داخل مصر -بشكل غير رسمي بالطبع- مع تجاهل أكثر المعجبين به للأدلة الواضحة، كان يجب أن يكون واضحًا في واشنطن أيضًا.  أنه يمتلك عقارات في بيفرلي هيلز، وحصة من المنتجعات في مدينة شرم الشيخ الساحلية المصرية، ومنازل في لندن ونيويورك. وقدر الخبراء ثروته بنحو 70 مليار دولار، كما يُزعم أن ولديه من المليارديرات.

ماذا عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كان محبوب واشنطن قبل الغزو المحرج للكويت عام 1990؟

خلال التسعينيات، استخدم برنامج “النفط مقابل الغذاء” الذي تديره الأمم المتحدة لسحب ملايين الدولارات لتحقيق مكاسب شخصية له ولأبنائه. كما ورد أن بعض تعاملاته أثرت أيضًا الرئيس الروسي -آنذاك- بوريس يلتسين، والشاب فلاديمير بوتين.

كانت الحكومة الأمريكية على دراية تامة بمراوغات صدام من قيود بيع النفط، خمنوا من كان يستفيد أيضًا من أعمال صدام؟

الحرس الثوري الإيراني، وحليف الولايات المتحدة لمرة واحدة في الحرب على الإرهاب، الرئيس السوري بشار الأسد.

أيضا، كان هناك الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وهو راعي إسقاط الطائرة الأمريكية Pan Am Flight 103 فوق لوكربي الأسكتلندية في عام 1988، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها، وعددهم 259 شخصًا بالإضافة إلى 11 شخصًا على الأرض.

صحيح أنه لم يكن عزيزًا على أحد، حتى بعد التقارب القصير مع الغرب بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

ولكن بعد أن انقلب الرئيس الأمريكي -آنذاك- باراك أوباما أخيرًا على القذافي المسن ودعم -ضمنيًا- العصابات الليبية التي ألقت القبض عليه وقتلته في نهاية المطاف، تعجبت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، بعد أن كشف أن القذافي لديه أكثر من 200 مليار دولار مخبأة في جميع أنحاء العالم. وبحسب ما ورد، كان منها حوالي 37 مليار دولار في البنوك الأمريكية.

ومثل جاره مبارك، شارك الديكتاتور الليبي أبناؤه وأصدقاء أبنائه كذلك، حيث حصل صديق نجله سيف على 58 مليون دولار على شكل “أتعاب استشارية” من شركة الخدمات المالية General Société، حسب منظمة الشفافية الدولية.

كما أشارت منظمة مراقبة مكافحة الفساد الدولية إلى وجود زوجة ابن القذافي على كشوف رواتب شركة كندية.

ماذا عن إيران؟

كان هناك وقت كان فيه كل الإسلاميين، السنة والشيعة، يفتخرون بمقاومتهم للفساد المستشري في الشرق الأوسط. لكن تلك الأيام ولت منذ زمن بعيد. حسب بليتكا.

تروي: قيل إن الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني -سيئ السمعة- لديه ملايين الدولارات باسمه.

حيث نشرت منظمة “متحدون ضد إيران النووية” المناهضة للنظام جدول زمني لعدد من السرقات الرسمية. والتي توضح بالتفصيل مليارات الدولارات المسروقة من وزارة النفط الإيرانية، والمليارات التي اختُلِست من البنوك الحكومية.

وبعد تولي الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي إدارة القضاء في البلاد في عام 2019، قام سلفه بإيداع أموال عبر 63 حسابًا مصرفيًا مختلفًا، بما يقرب من 100 مليون دولار.

وبينما يتم نشر بعض وقائع هذا الفساد في الصحف المحلية والتقارير داخل إيران. لكن كلما اقترب الفاسد من القمة، قل احتمال وجود أي أخبار.

تقدم بليتكا مثالا آخر للفساد، عن ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني، ورئيس بلدية طهران، محمد باقر قاليباف، الذي يُزعم أنه قدم رشوة لمسئولين حكوميين لتجنب تهم الاحتيال.

كما تورط قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وكشف عن ذلك في تسجيل مُسرب، لكن القصة حظيت بتغطية محدودة للغاية داخل إيران، ذلك بسبب علاقات قاليباف بالمرشد الأعلى علي خامنئي.

وبعد اغتيال سليمانى، انتقد خامنئي الصحف لنشرها القصة، ووصف التسريبات بأنها جهود لـ “التشهير بالعناصر المركزية التي لعبت دورًا في تقدم إيران”. وقال: اليوم، جاء دور الحرس الثوري الإيراني. يشوهون الحرس الثوري، ويحاولون تشويه صورة الشهيد العظيم سليماني.

بالمثل، أبطل خامنئي تهم الاعتداء الجنسي لأحد خطبائه المفضلين، وانتقد الصحف التي تناولت الفساد داخل الحكومة، وندد بتهم الفساد ضد رئيس المحكمة العليا السابق آية الله صادق.

بينما يتم نشر بعض وقائع الفساد في الصحف المحلية والتقارير داخل إيران لكن كلما اقترب الفاسد من القمة قل احتمال وجود أي أخبار

اقرأ أيضا: فورين أفيرز: على أمريكا دعم المتظاهرين الإيرانيين لتحفيز انهيار النظام

ثراء حكومي وفقر شعبي

في عام 2018، كتب رجل الدين المعارض مهدي كروبي، الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ 2011، رسالة مفتوحة إلى المرشد الأعلى، يتهمه فيها بالتسامح مع الفساد المنهجي وإفقار عشرات الملايين من الإيرانيين بينما يُثري نخبة صغيرة.

وحذّر مهدي من أنه “في ظل هذه الظروف، من الطبيعي أن تتحول الطبقات الدنيا، التي كانت من المؤيدين الأساسيين للثورة الإسلامية، إلى برميل بارود”.

توضح بليتكا: نظرًا للوعي المنتشر بالفساد داخل إيران، قد يتساءل الفضوليون عن السبب في أن التفاصيل الدنيئة الإضافية يمكن أن تقلب ميزان ما هو بالفعل ثورة واسعة الانتشار داخل إيران.

رغم ذلك، هناك فجوة كبيرة في الإبلاغ عن الكسب غير المشروع يطول أعلى المستويات في الحكومة الإيرانية، مع ظهور مزاعم عن جرائم خامنئي نفسه. في المنفى أو المواقع الأجنبية المعادية للنظام في طهران.

باختصار، لا يريد خامنئي أن يعرف مواطنوه -أو أقل المسئولين الحكوميين- اتساع نطاق ذنوبه. ولا عجب، فقد أفادت وزارة التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية الإيرانية في يناير/ كانون الثاني أن حوالي 60% من سكان البلاد، البالغ عددهم 84 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر، ويعيش ثلثهم في “فقر مدقع”.

تضيف: بعيدًا عن تحميل الولايات المتحدة أو العقوبات الدولية المسئولية، أوضح الإيرانيون أنهم يلومون حكومتهم.

لو عرفوا في الوقت الحقيقي -وليس بعد ذلك على غرار القذافي ومبارك- مقدار الأموال التي سرقها زعيمهم الأعلى وأعوانه، كما حذر كروبي، يمكن أن يقلب ذلك ميزان ما تبقى من أنصار النظام في قوات الأمن والجمهور ضدهم.

كيف يمكن حصول هذا؟

اتهم مسئولو إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، خامنئي بامتلاك حوالي 200 مليار دولار. وكشف تحقيق سابق لرويترز عن أصول تبلغ قيمتها 95 مليار دولار على الأقل.

توضح زميلة معهد أمريكان إنتربرايز أنه “بقدر ما بدأت إدارة ترامب في الحديث عن ثروة خامنئي الشخصية. يمكن للحكومات الأمريكية والأوروبية أن تبدأ في كشف شبكة الأصول المخفية التي يملكها المرشد الأعلى وعائلته، والتصرف بناءً على المعلومات”.

هنا، تضرب مثالا أمريكيا في أعقاب غزو العراق للكويت، عندما جمدت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، أصول صدام. أيضا، نفس الشيء حدث بالنسبة لأصول القذافي ورفاقه بمجرد أن قررت الولايات المتحدة أنه يجب أن يرحل عن الحكم.

تقول: إن بعض هذه الأصول كانت سيادية اسميًا باعتبارها أموال حكومة أجنبية. لكن ليس كلها. فلماذا الانتظار؟ إذا كان من الممكن تجميد أصول أعداء الولايات المتحدة الفاسدين في حالة الإطاحة بهم أو الحرب، فلماذا لا نقوم بذلك بشكل استباقي؟

وأضافت: كما أوضحت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وضوحًا شديدًا في حالة الأوليجارشية “الأقلية” الروسية وأعوان الرئيس فلاديمير بوتين، فإنها تتمتع بالسلطة القانونية لتجميد عائدات الفساد.

امتلك معظم الدكتاتوريين الراحلين في الشرق الأوسط، أموالا وعقارات في الولايات المتحدة، كانت تحت سلطة الحكومة الفيدرالية. واليوم لدي واشنطن طرق متعددة لإيصال التفاصيل إلى الشعب الإيراني، سواء من خلال تسريبات صحفية أو راديو “فاردا” الناطق باللغة الفارسية (جزء من راديو أوروبا الحرة/ راديو ليبرتي الممول من الولايات المتحدة)، أو منبر الرئيس الأمريكي.

وتختتم: إذا كان الفساد، كما قال لي مسئولون أمريكيون كبار، هو حقًا كعب أخيل للنظام الإيراني. ألم يحن الوقت لأن يبدأ شخص ما في استغلال هذا الضعف لصالح الشعب الإيراني الذي طالت معاناته؟.

معروف أن أسطورة “كعب أخيل” هي إحدى كلاسيكيات الميثولوجيا الإغريقية، وتشير إلى النجاح في التسلل داخل صفوف الخصم، والاستفادة من هذا التسلل.