رغم أن إسرائيل لم تنكر قط ميلها لممارسة الضغط العسكري لتعطيل إيران في عدة مجالات. منها التقدم النووي، وصادرات الأسلحة، ومؤخرًا، برنامج تكنولوجيا الطائرات بدون طيار. لكن، في الأشهر القليلة الماضية، زادت شهية الدولة العبرية للمخاطرة.

في أوائل يناير/ كانون الثاني، خرج مطار دمشق الدولي عن الخدمة، بعد ضربة إسرائيلية استهدفت جماعات مسلحة موالية لإيران في سوريا.

في وقت لاحق من الشهر نفسه، أشارت تقارير إلى تنفيذ إسرائيل هجومًا كبيرًا بطائرة بدون طيار على موقع عسكري في مدينة أصفهان الإيرانية. وقد استعدت لضربة انتقامية من إيران، ربما على أهداف مدنية خارج البلاد.

فعليا،  شنت إيران هجومًا بطائرة بدون طيار على ناقلة شحن تجارية في بحر العرب يملكها رجل أعمال إسرائيلي، وفقًا لمسئولين أمريكيين. وفي الأسبوع الماضي فقط، قيل إن ضربة إسرائيلية كبيرة، استهدفت مسئولين إيرانيين اجتمعوا في حي سكني بدمشق.

جندي يقف بالقرب من صاروخ إيراني في طهران- إبريل/ نيسان 2022

تشير داليا كاي، زميلة مركز العلاقات الدولية في بروكلي، في مقالها المنشور في فورين أفيرز/ Foreign Affairs، إلى أن “الهجمات الأخيرة، التي تعتبر امتدادا لعقود من الزمن من الضربات المتبادلة، التي لم يطالب بها أحد -إلى حد كبير- بين إسرائيل وإيران، هي استمرار لما يوصف بـ “حرب الظل” ذات الجبهات البرية والجوية والبحرية.

تقول: كانت هناك وقفة وجيزة في الهجمات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني، عندما أصبحت المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية والقوى الغربية علنية في عام 2013. استمر هذا الهدوء حتى انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الصفقة النووية، والمعروفة باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” في 2018.

ومع ذلك، طوال الفترة التي التزمت فيها جميع الأطراف، واصلت إسرائيل ما أطلق عليه خبراؤها العسكريون “حملة بين الحروب”، تستهدف الميليشيات المدعومة من إيران، وشحنات الأسلحة عبر العراق وسوريا، إلى مجموعات مثل حزب الله في لبنان.

اقرأ أيضا: بعد تخصيب اليورانيوم بنسبة 84%.. هل تستطيع إيران صنع قنبلة نووية؟

بشّر عهد ترامب بأفعال إسرائيلية أكثر جرأة، ضربت بشكل متزايد أهدافًا نووية وغير نووية داخل إيران نفسها.

تشير كاي إلى أن معظم القادة الإسرائيليين احتفلوا بسياسات “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب “لكن، تضاءلت هذه النظرة المتشددة المشتركة عندما أصبح جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة. حيث أعاد تقديم الدبلوماسية والرغبة في إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

وتوّضح: الآن، تتغير الأرضية في إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، مما تسبب في تصاعد مخاطر التصعيد مرة أخرى.

وقت محفوف بالمخاطر

ركّزت إدارة بايدن على استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، على عكس الماضي، لم توقف إسرائيل هجماتها على المواقع النووية الإيرانية، حيث استعدت الولايات المتحدة وشركاؤها لاستئناف الدبلوماسية.

تقول كاي: في البداية، بدا نهج إسرائيل العسكري تجاه إيران قابلاً للاحتواء بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكيين. وربما كان حتى وسيلة مفيدة لتشجيع الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، وزيادة النفوذ الأمريكي على شروط صفقة متجددة. أصبحت المواجهات الإسرائيلية مع إيران يُنظر إليها على أنها سمة عمل كالمعتاد في المشهد الإقليمي. كما بدت مخاطر الانتقام قابلة للإدارة، حيث لا يبدو أن الهجمات الإسرائيلية كانت شيئًا يهتم الإيرانيون به كثيرًا. لا سيما بالنظر إلى اهتمامهم بتخفيف العقوبات من خلال الدبلوماسية النووية.

لكن كل ذلك قد تغير. يبدو أن الدبلوماسية نفسها لم تعد مطروحة على الطاولة، ليس فقط بالنسبة لفريق بايدن، ولكن حتى بالنسبة للقادة الأوروبيين، الذين كان لديهم استعدادًا تقليديًا للانخراط مع إيران.

هنا، تلفت زميلة العلاقات الدولية إلى أن “قادة إيران الحاليين يبدون أقل اهتمامًا بالدبلوماسية النووية، مع تقدم قدرات طهران. لم يعد الردع العسكري مجرد مكمل للدبلوماسية، وسرعان ما أصبح نهج المواجهة الإسرائيلي استراتيجية للغرب”.

وتشير إلى أن العديد من الاضطرابات الداخلية والجيو سياسية خلال العام الماضي تفسر هذا التحول. وهي الاحتجاجات الواسعة النطاق المناهضة للنظام التي بدأت في إيران في سبتمبر/ أيلول الماضي، وانهيار المفاوضات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وتوسع العلاقات العسكرية الإيرانية- الروسية التي نمت خلال حرب أوكرانيا.

تضيف: من المرجح أن تؤدي كل هذه العوامل إلى تكثيف الاشتباكات بين إسرائيل وإيران. وتزيد من احتمال امتداد الصراع إلى المنطقة الأوسع، ويعرض القوات الأمريكية المتبقية، الأكثر ضعفاً في العراق وسوريا، لخطر أكبر.

تخفيف الحدة

في واشنطن، يبقى الرهان أن المواجهة مع إيران “يمكن أن تظل منخفضة المستوى”، وأنه يمكن تجنب صراع ثنائي أو إقليمي أوسع.

كما تعتقد الحكومة الأمريكية، وفق كاي، أن الردع ضروري لمنع وإبطاء تقدم طهران العسكري والنووي في غياب الدبلوماسية. كما أن الحسابات الإسرائيلية السائدة هي أن نقاط الضعف الداخلية، والعزلة الإقليمية لإيران، بالإضافة إلى إجراءات الردع العسكرية الإسرائيلية والأمريكية المنسقة، ستحد من ردود فعل طهران.

لكن، التغيير الجيو سياسي الحالي يمكن أن يتحدى تلك الآراء السائدة.

تقول كاي: تواجه الحكومة الإيرانية أزمة غير مسبوقة، أثارها مقتل مهسا أميني. على الرغم من أن النظام يبدو أنه يقمع الاضطرابات من خلال القمع الوحشي -قتل مئات المتظاهرين وسجن الآلاف وتنفيذ عمليات إعدام تعسفية- فإن المظالم الأساسية ضد قيادة الجمهورية الإسلامية سوف تتفاقم.

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وقلة آفاق الإصلاح، قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن تترسخ موجة جديدة من الاحتجاجات.

تضيف: في مثل هذه البيئة، ستستمر القيادة الإيرانية المتشددة في رؤية الأعداء في كل زاوية، بما في ذلك الدول المجاورة. شنت إيران بالفعل هجمات في المناطق الكردية بالعراق، حيث بقيت جماعات المعارضة الإيرانية تاريخيا، وتعتقد أن عناصر كردية متورطة في هجوم إسرائيلي أخير في أصفهان.

ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من الهجمات المدعومة من إيران في كردستان العراق. مما يخلق ضغوطا متزايدة على السلطات في بغداد، والعاصمة الكردية أربيل، لقمع جماعات المعارضة الإيرانية، في وقت يتسم فيه الاستقرار العراقي بالهشاشة بالفعل.

كما اتهمت طهران إسرائيل -كما كان متوقعا- بالتدخل للمساعدة في إثارة الاضطرابات الداخلية. لذلك، ردت في الماضي باستهداف مواطنين إسرائيليين في دول أجنبية. ولكن إذا قتل هجوم مستقبلي عددًا كبيرًا من الإسرائيليين، فقد يكون الانتقام الإسرائيلي الكبير ضد إيران أمرًا لا مفر منه.

تشير كاي إلى أنه “من غير الواضح كيف وأين قد ترد إيران، لكن الرد مؤكد. حيث من المرجح أن ترى القيادة الإيرانية مثل هذه الأعمال الانتقامية على أنها تهديدات للنظام نفسه”.

من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة لديها القدرة -أو الإرادة- لتقييد هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية

اقرأ أيضا: “عش النسر” الفارسي.. إيران تستثمر في قوتها الجوية لردع أمريكا

العتبة النووية

أدى انهيار المفاوضات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من الجهود المبذولة منذ ما يقرب من 18 شهرًا، إلى خلق سياق أكثر خطورة، من خلال إزالة الطريق الدبلوماسي.

في الوقت نفسه، ارتفعت قدرات إيران إلى مستويات تقترب من “العتبة النووية”، وهي النقطة التي تمتلك فيها القدرات التقنية والمواد الانشطارية الكافية لصنع سلاح نووي إذا قررت القيام بذلك. وبسبب انهيار نظام التفتيش النووي التدخلي المطلوب في خطة العمل الشاملة المشتركة، ظهرت تساؤلات حول ما إذا كان المجتمع الدولي سيكون لديه تحذير كاف إذا قررت إيران تسليح برنامجها النووي المدني.

تقول كاي: سيستغرق الأمر وقتًا لإيران لتطوير سلاح نووي فعليًا، ولكن في غضون ذلك، قد يؤدي عدم اليقين بشأن حالة قدراتها ونواياها، إلى زيادة الحوافز لإسرائيل للنظر في الخيارات العسكرية لتعطيل البرنامج بشكل أكبر حتى من التخريب والهجمات الإلكترونية السابقة.

وأضافت: من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة لديها القدرة -أو الإرادة- لتقييد هجوم إسرائيلي، في حال اعتقدت إسرائيل أنها مستعدة لشن هجوم.

كما أضاف الغزو الروسي لأوكرانيا، أيضا، عنصرا جديدا مفاجئا لتأجيج التصعيد. عززت علاقة إيران العسكرية الوثيقة بشكل متزايد مع روسيا، ولا سيما نقلها للطائرات بدون طيار التي تستخدمها روسيا لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية، وجهات النظر بشأن إيران كجهة معادية، ليس فقط في واشنطن، ولكن أيضًا في أوروبا.

تابعت: رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يصور استهداف المنشآت العسكرية الإيرانية كوسيلة مساعدة للمجهود الحربي الغربي ضد روسيا. على الرغم من أن مثل هذه الإجراءات من غير المرجح أن تقلل المخاوف الغربية بشأن تردد إسرائيل في تقديم دعم عسكري مباشر لأوكرانيا.

وأكدت أنه “قد لا تساعد الولايات المتحدة في الضربات الإسرائيلية الأكثر جرأة داخل إيران، ونفت أن يكون لها دور في هجوم أصفهان. لكن في المناخ الحالي، من غير المرجح أن تومئ واشنطن إلى معارضة. مع استمرار الحرب في أوكرانيا، يصبح اتخاذ موقف رادع حازم تجاه إيران أكثر جاذبية لواشنطن والحلفاء الغربيين، الذين يسعون إلى إضعاف القدرات الروسية.

مخاوف خليجية

بالنظر إلى التطبيع الدبلوماسي الأخير بين إسرائيل وبعض دول الخليج العربي ومخاوفهم المشتركة بشأن قدرات إيران الصاروخية والطائرات بدون طيار، قد تفترض واشنطن أن شركاءها العرب في الخليج سيرحبون بالتحالف العسكري الأمريكي مع إسرائيل.

لكن، في الواقع، حتى تلك الدول التي تتصدر جهود التطبيع مع إسرائيل -مثل الإمارات- ليست متحمسة للضغط العسكري المتزايد على إيران. لأنهم يرون أنفسهم -على الأرجح- هدفاً للانتقام الإيراني أكثر من إسرائيل، بالنظر إلى الهجمات الإيرانية السابقة على منشآت النفط في دول الخليج العربي.

تقول كاي: قد لا تحد البيئة المتقلبة بشكل متزايد من توسيع اتفاقيات التطبيع مع دول مثل السعودية فحسب. بل تجعل الدول التي قامت بالفعل بتطبيع العلاقات، ولا سيما الإمارات، أكثر حذراً بشأن التحالفات العسكرية العلنية مع الولايات المتحدة التي تشارك فيها إسرائيل.

تضيف: في الواقع، على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي حريصة على العمل مع واشنطن في مجال الدفاع الصاروخي الإقليمي، وتشارك إسرائيل في معظمها مخاوفها بشأن إيران، إلا أنها تبقي أبوابها مفتوحة أيضًا أمام طهران.

بالفعل، استأنفت إيران والسعودية محادثات ثنائية مباشرة. كما استضاف العراق والأردن قمما إقليمية ضمت إيران من خلال “عملية بغداد” المدعومة من فرنسا. وحذت الإمارات حذو الكويت في الارتقاء بالعلاقات وإعادة السفراء إلى طهران الخريف الماضي، بعد غياب دام ست سنوات.

حتى أقرب شركاء الولايات المتحدة، بما في ذلك الأردن والإمارات، قاموا بتطبيع العلاقات مع حليف إيران الإقليمي، سوريا، وهو اتجاه من المرجح أن يتسارع بسبب الزلزال المأساوي في تركيا وسوريا.

وتشير كاي إلى أن الحفاظ على قنوات الاتصال بين واشنطن وطهران، في ظل غياب الدبلوماسية النووية، وفي خضم التصعيد العسكري، هو أمر بالغ الأهمية لإدارة الأزمات “الاتصال المباشر غير ممكن حاليا، نظرا للقمع الداخلي، والمعارضة القوية للمشاركة في كل من واشنطن وطهران. لكن شركاء الولايات المتحدة، مثل قطر وسلطنة عمان، يواصلون التوسط في عدة قضايا. يمكن استخدام هذه القنوات لإبلاغ النوايا المتعلقة بهجمات عسكرية محددة، للمساعدة في تجنب صراع غير مقصود”.