قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية -المعنية بمتابعة وتنفيذ آليات تطبيق التسعير التلقائي للمنتجات البترولية بشكل ربع سنوي- في اجتماعها الدوري الأربعاء، رفع أسعار البنزين بمختلف أنواعه في السوق المحلية. بمقدار 0.75 جنيه للبنزين 80 وجنيه للبنزين 92 و0.75 جنيه للبنزين 95.
وبحسب بيان صادر من وزارة البترول، فقد تم تعديل سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة اعتبارًا من صباح اليوم الخميس 2 مارس، لتصبح 8.75 جنيه للتر البنزين 80، و10.25 جنيه للتر البنزين 92، و11.50 جنيه للتر البنزين 95. مع زيادة غاز تموين السيارت ليصبح 4.50 جنيه/متر. فيما سجل سعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز بعد القرار، 6000 جنيه للطن. فيما تم تثبيت سعر بيع السولار عند 7.25 جنيه للتر.
يأتي قرار تحريك أسعار المحروقات بالتزامن مع ما يشهده السوق من ارتفاعات في أسعار عدد من السلع والمنتجات، على رأسها الدواجن واللحوم والمواد الغذائية. فهل سيؤدي تحريك أسعار الوقود إلى تحريك جديد على مستوى الأسعار بالسوق؟ ولماذا أوصت لجنة تسعير الوقود بفرض زيادة جديدة على المحروقات؟.
أي تأثير على المواطن؟
أسعار البنزين والمازوت لها علاقة مباشرة بالحياة اليومية للمواطن. ومن ثم، فإن تحريكها يؤثر سلبًا خاصة فيما يتعلق بفئة الطبقة المتوسطة ومحدودة الدخل. باعتبار أن زيادة سعر البنزين ترتد في شكل ارتفاع مباشر بأسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية، نتيجة تكاليف نقل البضائع والسلع. هذا فضلًا عما يتبع التحريك من رفع لأجرة الركوب.
هذا التأثر يوضحه أستاذ هندسة البترول رمضان أبو العلا. فيقول: “ليس هناك شك في كون تحريك أسعار البنزين يؤثر في شرائح مجتمعية عدة. بما يشمل الأنشطة التجارية. وما يتبع ذلك من ارتفاع بأسعار السلع والمنتجات. إذ أن جميعها مرتبط بالزيادة الجديدة في تكلفة مدخلات التشغيل من نقل وتوزيع”.
اقرأ أيضًا: بعد قفزات الدولار.. هل تجنبنا إجراءات التحوط ارتفاعات أسعار الوقود في 2023؟
وينفق محدودو الدخل نسبًا كبيرة من دخولهم في توفير الطاقة الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية -بنزين وسولار. وبالتالي، فإن أي زيادة في أسعار هذه السلع يترتب عليها مزيد من الضغط على هذه الفئة؛ يضيف أبو العلا، الذي يؤكد أنه لا بد للحكومة أن تعمل بشكل رقابي على الحد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لقرارات تحريك أسعار البنزين. ومن ثم ضبط ممارسات البعض الاستغلالية برفع زيادات غير مبررة في أسعار السلع.
ويشير “أبو العلا” أيضًا إلى أن تأثير زيادة أسعار البنزين سينعكس على معدلات التضخم في السوق خلال الربع الثاني من 2023.
ويتكون مؤشر التضخم من بنود عدة. على سبيل المثال، أسعار الطعام والشراب والمسكن والنقل والتعليم. ويستحوذ بند الطعام والشراب على النصيب الأكبر من المؤشر. ويقيس معدل التضخم الشهري والسنوي نسبة زيادة أسعار هذه البنود في فترة محددة مقارنة بفترة مماثلة.
كيف تُحدد الأسعار؟
وفقًا لما هو متبع في مصر، يتم تطبيق آلية للتسعير التلقائي لبعض منتجات البترول منذ يوليو/ تموز 2016. ذلك بعد أن وصلت بأسعارها إلى مستوى التكلفة من خلال برنامج تحرير أسعار الوقود.
وتحدد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية الأسعار كل 3 أشهر، بناءً على التغير في متوسط الأسعار العالمية خلال الربع عام السابق للقرار، والتحرك في سعر الصرف، بالإضافة إلى تكاليف الشحن وغيرها.
تربط كثير من بلدان العالم سعر الوقود بالتغيرات التي تحدث في أسعار خام برنت. فإذا ارتفع سعر النفط يرتفع سعر الوقود، وإذا انخفض ينخفض السعر وهكذا. وقد شهدت أسعار “برنت” خلال الشهر الأولى من 2023 تحركًا ملحوظًا، حيث تراوح سعر البرميل بين 85 و90 دولارًا.
وكانت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، قررت في اجتماها الأخير أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تثبيت سعر بيع الوقود في السوق المحلية، والإبقاء على الأسعار السائدة للربع الأخير من 2022. لكن وزير البترول طارق الملا، خرج بعد القرار وصرح بأنه كان من المفترض زيادة أسعار المحروقات في مصر بنسبة 10% وفق آلية التسعير التلقائي لمراجعة أسعار المحروقات. بينما تم التأجيل حينها مراعاةً للبعد الاجتماعي، على حد قوله.
كم تستورد مصر؟
يقول مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق: رغم برامج وخطط الحكومة الخاصة بزيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي، إلا أنه حتى الآن لا تزال وزارة البترول تعاني على مستوى سد حاجة السوق من الوقود. فتدبر جانبًا من الاستهلاك عبر الاستيراد الخارجي، الذي يزيد من الضغط على موازنة الدولة، يقول مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق.
ويضيف نائب رئيس هيئة البترول السابق، في حديثه لـ”مصر 360″: “حتى الآن توفر الحكومة من 25 إلى 30% من احتياجاتها النفطية من الخارج، في وقت ترتبط فيه مباشرة بالتسعيرة اليومية لحركة خام برنت، بعد اتباع برنامج لهيكلة تسعيرة الوقود كل 3 أشهر. ما يعني أن تحركات الأسعار العالمية ستُلقي بظلالها على هيكل الأسعار المحلي.
لماذا ارتفعت الأسعار؟
في تصريحاته لـ”سكاي نيوز عربية” عقب قرار تثبيت أسعار البنزين مارس/ آذار 2022، قال الوزير طارق الملا إن تأجيل رفع الأسعار حينها كان مراعاةً للبعد الاجتماعي. ومع ذلك فقد أشار إلى أن مصر ليست ببعيدة عن التأثر بالأوضاع الاقتصادية العالمية وتقلباتها. خاصة فيما يتعلق بقطاع النفط والمنتجات البترولية، التي تُراجع كل 3 أشهر، في محاولة لتقليص بند الإنفاق على دعم المواد البترولية بالموازنة العامة.
بينما أكد على تأثر اقتصاد مصر “سلبًا” بالصعود الكبير لأسعار البترول الناتجة عن الحرب الأوكرانية. وأضاف أن “تغير أسعار البترول لحظي ويحدث كل يوم. وهذا ليس في صالح مصر”.
ويعني تصريح وزير البترول أن ثمة ضرورة في قرار تحريك أسعار الوقود في الربع الأخير من 2022 -لكن تم التثبيت- لأن الوضع الداخلي كان متأثرًا وبشدة جراء التقلبات الدائرة على الصعيد العالمي، وقد ظل هذا التأثر خلال الفترة الماضية أيضًا دون تحسن ملحوظ. ما دفع لجنة تسعير الوقود إلى التوصية بحتمية فرض زيادة جديدة على المنتجات البترولية، لتقليص حجم الضغط على موازنة الدولة، كما توضح مصادر بهيئة البترول.
اقرأ أيضًا: ماذا تخبرنا قطع “البانيه” و”الملابس الداخلية” عن التضخم في مصر؟
وهذا أيضًا يُفسر بالمعطيات التي ترتكز عليها لجنة تسعير الوقود في تحديد أسعار الوقود: سعر النفط عالميًا، وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار. وقد شهدت عددًا من المتغيرات خلال الفترة من يونيو/ تموز حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضية. واستمرت أيضًا من سبتمبر/ أيلول حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022. الأمر الذي لم يكن يُجدي معه الاستمرار في تحمل فارق التكلفة في فاتورة الاستيراد، التي ارتفعت بما يزيد عن 50%، خاصة بعد تراجع قيمة الجنيه، كما تشير مصادر هيئة البترول.
كذلك، لا تزال خطط تطوير إنتاج الوقود -بنزين وسولار- التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الماضية غير مجدية إلى الآن، على مستوى تحقيق الاكتفاء الذاتي. إذ تلجأ الدولة إلى توفير جانب من استهلاكها من الخارج. ما يجعلها عرضة للتأثر بأزمة سعر صرف الجنيه المستمرة والأزمات السياسية والاقتصادية. فتلجأ الدولة إلى خيار تحريك أسعار البنزين والسولار لتعويض جزء من ارتفاع تكلفة فاتورة الدعم الشهرية.
وتستقر أسعار النفط العالمي حاليًا عند مستوى نحو 85 لـ 90 دولار للبرميل -منذ الأزمة الروسية الأوكرانية. في حين اعتمدت الحكومة سعر برميل النفط في الموازنة الجديدة 2022-2023 بنحو 80 دولارًا للبرميل. أي بمعدل أعلى من المقدر في موازنة الدولة بنحو 10 دولارات لكل برميل. وهي نسبة لا يمكن للموازنة تحملها في ظل عدم جدوى إجراءات التحوط ضد تقلبات أسعار النفط.
كما أن سعر صرف الجنيه في تراجع مستمر أمام العملات الأجنبية. إذ تم اعتماد الدولار في موازنة العام المالي الجاري عند مستوى 17 جنيهًا. وحاليًا يتجاوز الدولار هذا المستوى بمقدار الضعف تقريبًا. أي أن الفارق في التقدير المعتمد بالموازنة لا يمكن استيعابه. لذا تتجه الحكومة إلى تحميل جانب من الفارق على المستهلكين، وفق المصادر.
حصيلة دعم المحروقات
على صعيد هيكلة دعم الوقود، فإن التسعير التلقائي للمنتجات البترولية قلص حجم الدعم الموجه إلى المحروقات خلال السنوات الماضية. وقد تراجع إلى حوالي 18.4 مليار جنيه خلال العام المالي 2021/ 2022، مقارنة بـ 28.2 مليار جنيه خلال 2020/ 2021. بينما في العام المالي 2019/ 2020 سجل 18.7 مليار جنيه، وفق طارق الحديدي رئيس هيئة البترول السابق.
وشهد دعم البترول تباينًا واضحًا بداية من العام المالي 2014/ 2015 ليسجل حينها 73.9 مليار جنيه. وفي عام 2015- 2016 بلغ 51 مليار جنيه. ثم عاود الارتفاع في العام المالي 2016/ 2017 وسجل نحو 115 مليار جنيه.
وسجل الدعم أقصى ارتفاع له في عام 2017/ 2018، حيث بلغ 120.8 مليار جنيه. لتبدأ مرحلة تقليص الدعم بشكل واضح في عام 2018/ 2019 والذي سجل حينها 84.7 مليار جنيه.
وقد صرح الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، في وقت سابق بأن إجمالي دعم المحروقات في موازنة 2022/2023 يقرب من 30 مليار جنيه لدعم المحروقات والبوتاجاز، موضحًا أن الحكومة وضعت احتياطات عامة لتدخل الدولة في العام المالي المقبل في حالة وجود أرقام تجاوزت الأرقام المتواجدة في الموازنة.
كما أشار إلى أن متوسط سعر السولار على الدولة خلال الـ3 أشهر الأخيرة وصل لـ11 جنيهًا للتر، بينما يتم بيعه بـ6.75 جنيه. أي أن الدولة (التي تستهلك يوميًا 42 مليون لتر سولار) تتحمل 4 جنيهات وربع.