أمضيت ثلاثة أيام، بناء على دعوة من النائبة/ نشوى الديب، ومؤسستها كأحد الخبراء لمناقشة وصياغة مشروع قانون جديد عن حقوق المسنين، وإذ إن هذا الموضوع من الموضوعات التي غفل عنها مجلس النواب والمجالس النيابية السابقة، على الرغم من سبق وجود تجارب دولية وصكوك حقوقية معنية بهذا الأمر.
ولما كانت فئة كبار السن ليست بالفئة القليلة على مستوى العالم، فبحسب الإحصائيات الحديثة فإن أعداد المسنين حول العالم قد قاربت على ثلث سكن الأرض، وهو ما يقارب نسبة الأطفال والشباب حول العالم، وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والرعاية التي تليق بتلك الفئة التي قدمت جل حياتها سعياً في الأرض ومساهمة منهم في تطوير الحياة وتحديث ما أمكن من النظم حتى تنعم الأجيال المقبلة بما أنجزوه خلال حياتهم العملية، إذن فإن أقل ما يجب أن تقدمه الحكومات والمجتمعات معا لتلك الفئة من الأفراد يجب ألا يقل بحال من الأحوال عما قدموه من جهد وعمل، ولا يصح أن يُنظر إليهم على كونهم عالة على المجتمعات، أو كونهم فئة باتت غير مفيدة أو ذات نفع للمجتمع.
وتكمن أهمية موضوع فئة كبار السن كونها من الفئات التي أصبحت محل رعاية واهتمام من الجميع. ففي الوقت الراهن توالت الكتابات وانعقدت المؤتمرات وأنشئت المراكز والمؤسسات العربية والعالمية مظهرة الاهتمام بالمسنين ودراسة أحوالهم سواء كان ذلك من الجوانب الاجتماعية والنفسية والطبية والاقتصادية، ولكن حتى كتابة هذه السطور لم يتم العناية بهم من الناحية التشريعية في المدونة التشريعية المصرية، ويحظى موضوع رعاية المسنين وحماية حقوقهم بأهمية خاصة نظراً لما تحتله هذه الفئة من مكانة في جميع المجتمعات الإنسانية، ويرجع الاهتمام بهم كونها ذات تأثير واضح في التركيب السكاني للمجتمعات ولكون المسنين من الفئات الضعيفة في المجتمعات ولهم قضايا ومشكلات صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تمثل تحديات لا بد من التكاتف والعمل على مواجهتها ومعالجتها، لما لها من آثار مباشرة ومتعددة على الأسرة والمجتمع معاً.
وإذ أنه يحق لكبار السن أن يتمتّعوا بنفس حقوق الإنسان، تمامًا كأي فرد آخر. إلاّ أنّهم يواجهون عددًا من التحديات في سياق إعمال كامل حقوق الإنسان الخاصة بهم والتمتع بها. كما يواجهون أشكالًا متعددة من التمييز وعدم المساواة، بما في ذلك داخل مرافق الرعاية الصحية، وفي الاستخدام والتوظيف وعند الحصول على الخدمات. ويعانون أيضًا أشكالًا مختلفة من العنف وسوء المعاملة والإهمال والعزلة ومن ارتفاع معدلات الفقر في صفوفهم. وكبار السن هم أكثر المجموعات الديموجرافية تنوعًا، وغالبًا ما تؤدي العوامل المتداخلة والمتعدّدة الجوانب إلى تفاقم مواطن ضعفهم فيمسون أكثر عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان. هذه هي حال المسنات وذوي الإعاقة والمنحدرين من أصل إفريقي والمنتمين إلى الشعوب الأصلية، على سبيل المثال لا الحصر.
وعلى المستوى الدولي الحقوقي، في 27 أيلول/ سبتمبر 2013، اعتمد مجلس حقوق الإنسان القرار 24/20 وأنشأ بموجبه ولاية الخبير المستقل المعني بتمتع كبار السن بجميع حقوق الإنسان. وفي العام 2019 تم تجديد الولاية بموجب القرار 42/12
كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة مبادئ خاصة بكبار السن، جاء فيها أنه ينبغي أن تتاح لكبار السن إمكانية الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى والملبس والرعاية الصحية، بأن يوفر لهم مصدر للدخل ودعم أسري ومجتمعي ووسائل للعون الذاتي، كما ينبغي تمكين كبار السن من العيش في بيئات مأمونة وقابلة للتكييف بما يلائم ما يفضلونه شخصيا وقدراتهم المتغيرة، وكذلك، ينبغي أن يظل كبار السن مندمجين في المجتمع، وأن يشاركوا بنشاط في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة في رفاههم، وأن يقدموا للأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم. علاوة على مجموعة من الحقوق الأخرى التي تكفل لهم العيش بكرامة وإنسانية تليق بهم.
ومن الناحية الدستورية فقد جاء بالدستور المصري الأخير في المادة 83 منه على أن : تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وترفيهيًا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.
وحيث إن هذا الموضوع لم يسبق تنظيمه تشريعياً، فإنه يجب أن يأخذه مجلس النواب على محمل الجد، وأن يتم الاقتداء بما نظمته العديد من التشريعات في هذا الصدد، بما يضمن لهم حياة كريمة، ويجب قبل أن يتم إقرار هذا القانون أخذ وجهات نظر المسنين أنفسهم فيما يتم صياغته لتنظيم أحوالهم، ولا يتم التحجج بالأحوال الاقتصادية التي تمر بها البلاد لعدم إقرار العديد من الحقوق لهذه الفئة تحت زعم تكلفة الخزانة العامة، وإن كنت أحبذ مشاركة القطاع الخاص بمساهمات مادية ملموسة لصالح هذه الفئة، سواء كان من الناحية الصحية أو الثقافية أو الرياضية أو الترفيهية، عرفاناً منهم بما قدموه في شبابهم لصالح القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.
وإن كنت أعلم أن هناك مشروعين لقانونين تم تقديمهما لمجلس النواب، أحدهما مقدم من الحكومة، يتم مناقشتهما الآن في لجان مجلس النواب، هذا بخلاف المشروع الذي شاركنا في صياغته الأولية، إلا أن الأمر في مجمله يجب التحوط فيه بشكل دقيق، بما يضمن إقرار الحقوق اللازمة لفئة المسنين على نحو لا يستأهل إعادة النظر فيما يسن خلال سنوات قليلة، وذلك بما يتناسب لما للقانون من صفات أهمها الصلاحية لما تتناسب وما أُقر به من حقوق أو التزامات، حيث أن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن القوانين التي تصدر من البرلمان المصري يتم تعديلها خلال سنوات لا تكمل في بعض الأحوال خمس سنوات، وهو الأمر الذي يؤكد على أن صياغتها لم تكن على النحو الذي يتفق والهدف الذي من أجله تم تشريع القانون، وأعلم أن الدولة ذاتها قد سبقت المجلس النيابي في إقرارها لبعض الحقوق لفئة المسنين منها على سبيل المثال، القرار الذي صدر بتخفيض أجرة الركوب في المواصلات العامة والقطارات بحيث تكون نسبة نصف الأجرة المقررة لمن بلغ ستين عاماً، وأن تكون مجانية لمن بلغ سبعين عاماً، فهذه ناحية من النواحي التي يجب المساهمة فيها حتى من القطاع الخاص، ولو بنسبة تقل عن مساهمة القطاع الحكومي.
وبالتالي يجب على مجلس النواب المصري أن يحتذي بتلك التجربة الحكومية فيما هو معروض عليه وتتم مناقشته أمام لجانه المتخصصة قبل أن يتم عرضه على الجمعية العامة لمجلس النواب للإقرار.