في ملف جديد يصدره موقع “مصر 360”، يستعرض 4 كتاب قضية أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي، مع إيلاء اهتمام خاص لدور مصر في ظل تنافس دولي وإقليمي على حيازة النفوذ في المنطقة.
داخل الملف، يستعرض أشرف الصباغ العلاقات الروسية- السودانية في جانبها العسكري منذ 2017 وتأثيراتها بناءً على تحليل اتفاق البلدين على إنشاء قاعدة عسكرية. بينما يشير محمد عبد الكريم إلى علاقات السودان بإسرائيل في ضوء خطط التطبيع، وما يحمله التعاون من مخاطر في ساحل البحر الأحمر.
وفي السياق، يستعرض لؤي هشام توغل الإمارات في مواني السودان، والطموحات الإماراتية للنفوذ وتعزيز المكانة، وموقع مشروع “نيوم” السعودي ودوره، عبر تتبع لتقارير وتحليلات سابقة حول المشروع كمعبر للتطبيع والاستثمار، وبوابة عبور لولي العهد السعودي محمد بن سليمان للحكم، مستخدما “نيوم” وجزيرتي “تيران وصنافير”.
كما يناقش محمد خيال مخطط الاستحواذ الإماراتي على منطقة قناة السويس الاقتصادية، ويشير إلى مخاوف مصرية من هذا التوجه. وفي تقرير آخر، يستعرض الكاتب النفوذ السعودي في البحر الأحمر، عبر مشروعات اقتصادية طموحة.
اقرأ أيضا: كيف يرانا الأفارقة وكيف نراهم؟ ورقة سياسات لـ “مصر 360” ترصد تحديات الفهم المصري- الإفريقي المتبادل
وتتمثل أهمية الملف في إيضاح صورة التنافس على البحر الأحمر، وأشكال الصراع على حيازة النفوذ في المنطقة. ويتضمن تقارير، ومقالات رأى، نشرت على موقع “مصر 360” تحاول رصد وتحليل أدوار القوى الإقليمية وتأثيراتها على مصر. وبينها دور كل من السعودية والإمارات وإسرائيل وتركيا.
لقراءة الملف :
إسرائيل وبوابة البحر الأحمر
يستعرض الباحث محمد عبد الكريم في مقال “التطبيع من بوابة منتجع البحر الأحمر“ كيف تسلت إسرائيل إلى السودان، مذكرا بواقعة تهريب “اليهود الإثيوبيين الفلاشا” إلى إسرائيل بالتعاون مع الرئيس السوداني السابق جعفر نميري لتأمين حكمه. ويشير إلى انخراط الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني في التطبيع مع إسرائيل بتنسيق واشنطن والإمارات.
كذلك، تناول عبد الكريم استثمارات الإمارات في ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر، وإقامة منطقة صناعية ومطار دولي ومنطقتين زراعية وتجارية، وبنية أساسية لنقل البترول من جنوب السودان.
ويرى عبد الكريم أن “إقليم البحر الأحمر” يشهد تطورات سياسية واقتصادية مهمة، تبرز فيها إسرائيل كقوة فاعلة، ويحدد دورها في السودان بما حققته من اختراقات غير مسبوقة على الأرض، بفضل تشابك المصالح مع أطراف خليجية.
وفي خط متصل، يعرض لوئ هشام توغل الإمارات في مواني البحر الأحمر، مركزا على ميناء “أبو عمامة” كجزء من حزمة استثمارات تبلغ قيمتها ستة مليارات دولار.
ويرى محللون أن الميناء الجديد سيضارع ميناء بورتسودان وربما يستأثر بأهمية أكبر، إذ ظل ميناء بورتسودان يعاني من مشكلات في البنية التحتية، وتعرض للإغلاق المستمر بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي.
ويراهن السودان على المشروع الذي سيحصل على نسبة عوائد 35 % من صافي أرباحه، وفقا لتصريحا سودانية رسمية.
توسع إمارتي
وبحسب موقع “أفريكا ريبورت”، فإن الإمارات باتت في موقع ممتاز لتكثيف نفوذها على ممر البحر الأحمر والقرن الإفريقي، بفضل مشاريع مواني بمليارات الدولارات والتي “تُمكن الإماراتيين من درء المنافسة مع القوى الإقليمية الأخرى”. لتصبح الإمارات رابع أكبر مستثمر عالمي في القارة، بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
وفي ورقة سياسات، بعنوان: “رأس المال الخليجي في شرق إفريقيا.. وتأثيره على مصر” يشير محمد عبد الكريم إلى أن الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا والصومال -على وجه التحديد- ساهمت في تغذية السياسات المناهضة لمصر ومصالحها ودورها الإقليمي. أو حتى علاقاتها الثنائية في بعض الحالات.
التأثيرات على مصر
يقول توربجورن سولتفيدت، المحلل الاقتصادي، إن الإمارات تحسن قدرتها على الوصول إلى الأسواق في جميع أنحاء إفريقيا، بالاعتماد على مكانتها كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية وإعادة التصدير.
ولا تنفك استراتيجية الإمارات للتوسع البحري واللوجستي عبر المواني من التأثير على مصر. ففي إطار الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الأخيرة، وضعت الجارة الخليجية نصب أعينها الاستثمار في مجموعة من المواني، وكذلك الاستحواذ على إدارة المواني المطلة على نهر النيل، بعد مشروع قانون لخصخصة المواني النهرية. هذا بجانب خطط الاستحواذ البحري، وهى لا تستبعد قناة السويس، حسب ما ينقل خيال عن تقارير تتعلق بالاستثمارات الإماراتية المحتملة، وأخرى قائمة فعليا تتعلق بالمواني.
تظهر إسرائيل في الرؤية الإماراتية لإقليم البحر الأحمر، وبالتحديد في خليج عدن وباب المندب. مع اتساع رقعة التطبيع بين تل أبيب وأبو ظبي في أعقاب توقيع اتفاقات إبراهيم، وتلاقي المصالح بينهما، خاصة على صعيد المخاوف الخليجية من التهديدات الإيرانية.
غلاف الملف الصادر عن “مصر 360”
اقرأ أيضا: ورقة سياسات| رأس المال الخليجي في شرق إفريقيا وتأثيره “الضار” على مصر
النفوذ السعودي
يمثل النفوذ السعودي المتقدم بإقليم البحر الأحمر، تهديدا لمكانة ومصالح مصر على المستويين السياسي والاقتصادي. خاصة أمام جموح بن سلمان، الراغب في قيادة الشرق الأوسط.
ومنذ أن أعلنت السعودية، مطلع أغسطس/آب 2017، إطلاق مشروع سياحي عالمي في المملكة تحت مسمى مشروع “البحر الأحمر”، بات النشاط السياحي المصري خاصة في منتجعات شرم الشيخ والغردقة في مرمى الخطر.
تسعى المملكة لحجز موقع القيادة السياسية والأمنية، عبر تجمع الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر “مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.”، الذي استأثرت بقيادته ومقره الدائم لديها، مستغلة في ذلك إمكانياتها المالية وحاجة الدول الأعضاء به لمساعداتها الاقتصادية. والكيان الجديد وجدت فيه الرياض ضالتها لمواجهة النفوذ الإيراني والتركي والإماراتي المتنامي حولها.
والمدقق في التحركات الأمنية والسياسية السعودية في الإقليم، سيتضح له من الوهلة الأولى أن الرياض لا تتعامل مع القاهرة كشريك، بقدر رغبتها في تقويض نفوذ القاهرة وقدرتها العسكرية ونفوذها في الإقليم. وتقديم دعم اقتصادي لا يتناسب أبدا مع حجم ما تريده.
وربما يكون ترؤس مصر لفرقة العمل المشتركة 153 في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي ستقوم بموجبها بتسيير دوريات عسكرية مأهولة وغير مأهولة، بما في ذلك قوارب وطائرات مسيّرة لتغطية مساحة أكبر في البحر الأحمر، جعل القاهرة تجد أن لها الأحقية في دور قيادي في المنتدى بحكم ثقلها.
الاتفاق الإبراهيمي
يعرض لؤئ هشام تحركات سعودية في البحر الأحمر، ترتبط بصفقات ومشروعات تعاون لأطراف اقليمية، مشيرا في تقرير إلى التقارب الإسرائيلي مع السعودية. ودور مدينة نيوم كبوابة للتطبيع السعودي الإسرائيلي.
ويورد في هذا الخصوص ما يقوله مركز “كارنيجي” لدراسات الشرق الأوسط عن إن العلاقات مع إسرائيل ضرورية للسعودية من أجل إنجاز مشروع “نيوم”. ولا يمكن أن تزدهر المدينة في غياب اتفاق مع إسرائيل.
التسلل الروسي إلى السودان
وفيما يخص السودان أيضا، يحلل الكاتب أشرف الصباغ، عمليات التسلل الروسي إلى السودان.. ومخاطر منافسة قناة السويس. ذلك من خلال تحليل زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى السودان في 8 فبراير/ شباط 2023، والتي أعادت فتح ملف إقامة القاعدة العسكرية البحرية الروسية في السودان مجددا.
يتعرض الصباغ إلى مراحل الاتفاق على القاعدة العسكرية، بداية من تلويح الرئيس المخلوع عمر البشير لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بإمكانية إقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، ذلك خلال زيارته إلى موسكو عام 2017.
بحسب الصباغ، كان البشير يرغب بامتلاك مساحة للمناورة وخط رجعة وحماية أمام ضغوط الغرب والعقوبات المفروضة على نظامه والمطالبة بتسليمه للمحكمة الدولية. بينما فوجئت المؤسسات السودانية، وعلى رأسها وزارة الخارجية، بتصريحات البشير.
وفي مطلع مايو/ أيار، 2019، وقع رئيس الحكومة الروسية نص قرار يعلن فيه موافقة الحكومة على توقيع اتفاقية مع السودان حول افتتاح قاعدة “دعم تقني– فني” بحرية للقوات العسكرية البحرية الروسية على الأراضي السودانية (على البحر الأحمر).
في يونيو/ حزيران 2021. دارت أحاديث صريحة عن أن السودان لن يستكمل إجراءات إقامة القاعدة العسكرية الروسية. ولكن موسكو ظلت تنفي ذلك. لكن رئيس الأركان السوداني، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، خرج في يونيو/ حزيران من هذا العام 2021، ليعلن عن إعادة النظر في الاتفاقية الموقعة بين روسيا والسودان.
وقال الحسين إن “هناك إعادة نظر في الاتفاقية لتحقيق مصالح السودان”. مشيرا إلى أن الاتفاقية لم تطرح على المجلس التشريعي لإقرارها النهائي.
اقرأ أيضا: ورقة سياسات| الوساطة القطرية.. من أفغانستان إلى القارة الإفريقية
من المعروف أن السودان يواصل التعاون العسكري مع كل من تركيا وروسيا، انطلاقا من حسابات سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى، وحسابات أخرى تخص علاقاته الإقليمية وبالذات المرتبطة بأزمات سياسية وأمنية.
حسب الصباغ، تحاول روسيا -إعلاميا ودبلوماسيا- وصم المنطقة بالفوضى، وانتشار الإرهاب، وتصدير المسلحين. بل، والتعمد لإثارة نوع من الفوضى المرتبطة أصلا بتدخل دولي تركي- روسي في المنطقة. عن طريق العصابات المسلحة التابعة لهما، عناصر “فاجنر” الروسية، وعصابات الإسلاميين التابعة لتركيا.
وتسعى تركيا كما يصف البعض لإعادة سيطرتها على ممالك الإمبراطورية العثمانية القديمة، وتحديدا دول منطقة الشرق الأوسط من جهة، واستحداث تفاهمات لاستعادة العالم التركي من جهة أخرى.
منافسة قناة السويس
الأمر الآخر المهم والخطير، هو اقتراب روسيا -عسكريا وأمنيا- من قناة السويس التي تشكل “أزمة” غريبة بالنسبة للروس. والمقصود هنا أن الجانب الروسي، وفي تصريحات كثيرة على لسان كبار المسؤولين، وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، يعتبرون أن هناك منافسة بين قناة السويس وبين طريق الشمال الروسي.
لذلك، تواجد روسيا عسكريا وأمنيا في منطقة البحر الأحمر، سيُمَكِّنُها من فرض سطوة أمنية تُكْسِبها بدورها نفوذا أمنيا، سواء عبر الأجهزة الاستخباراتية أو باستخدام الآلات والمعدات الرقمية. وبالتالي، ستبدأ بتنفيذ مراحل متقدمة من مبادراتها لما يسمى بـ “الأمن الجماعي لمنطقة الخليج العربي، والأمن الجماعي لمنطقة الشرق الأوسط”، وكلها مشاريع تصب في صراعات روسيا مع الدول الأوروبية من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة ثانية.
يحلل الصباغ “الشراكة” الروسية- التركية، ويرى أنها مبنية بالدرجة الأولى على العداء لأوروبا والولايات المتحدة. وتستخدم دول الشرق الأوسط -دول الخليج ودول شمال إفريقيا- كأوراق ضغط.
وفي استعراض للدور التركي أيضا في البحر الأحمر، جاء تقرير محمد خيال حول الفرص والتهديدات لمصر، حيث سعت تركيا إلى تعزيز حضورها في البحر الأحمر وتريد تحقيق جملة من الأهداف. أبرزها تعزيز قدراتها الاستثمارية والحفاظ على مصالحها بوجود عسكري. وهو ما يشكل مصدر خطر محتمل بالنسبة لمصالح مصر الأمنية والاقتصادية.
فرص مصرية
رغم المخاوف من أن تصبح أنقرة مهددًا حقيقيًّا لأمن مصر المائي بعد توقيع اتفاقية أمنية وعسكرية مع أديس أبابا. لكن القاهرة تتشارك، مع كل من الإمارات والسعودية، المخاوف بشأن الدور التركي. ما يعني أن هناك مصالح مشتركة بين الدول العربية الثلاث.
كذلك، تمتلك القاهرة أوراق ضغط على تركيا متمثلة في ملف شرق المتوسط.
كما يأتي خيار تحويل البحر الأحمر من منطقة نفوذ وتوازنات عسكرية إلى ممرّ للتنمية والاستثمار في المقومات الاقتصادية، ليضمن معادلة أمن دائمة ومستقرة.
ولذلك، فإن الأمر يقتضي على مصر باعتبارها معنية بمصالحها في المقام الأول بلعب دور في هذا الإطار بمحاذاة الأدوار العسكرية والأمنية، وهذا يتطلب تبني حزم من المشروعات الاقتصادية بين دول الإقليم البحري تقوم على توظيف قدراتها المختلفة.