تتجه البشرية بخطوات واسعة إلى “سن النضج” الديموجرافي “السكاني” أو الشيخوخة، فقد تجاوز عدد كبار السن في العالم 700 مليون. ووفقًا للأمم المتحدة، فإنه بحلول عام 2050 سيتخطى عدد كبار السن، عدد الأطفال دون الخامسة، ما يجعل الاهتمام بالحالة الصحية وتطوير قدراتهم الاجتماعية والثقافية وجعلهم أعضاءً فاعلين في مرحلة الشيخوخة ضرورة لتعظيم الاستفادة منهم.
وفي مصر بلغ عدد من تخطوا سن الستين عاما 6,9 مليون، وفقًا لجهاز التعبئة العامة والإحصاء فى العام 2022. وقد نصت المادة (83) من الدستور المصري لعام 2014 على أن “تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا”.
كما نص الدستور على “توفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة، وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين، على النحو الذي ينظمه القانون”.
ويأتي الحق في الصحة وتقديم رعاية طبية جيدة وشاملة على رأس هذه الحقوق التي تستلزم تخصصا طبيا يهتم باحتياجات تلك الفئة لتقييم وتقديم المساعدة على الحياة بجودة أفضل.
الدكتورة شرين مصطفى، أستاذة طب وعلوم الأعمار بجامعة عين شمس، في حوار خاص لـ “مصر 360″، حيث تكشف عن أهمية هذا الفرع في تقييم الحالة العامة للمسن، وتقديم التثقيف الطبي للمرضى وذويهم، وفريق مقدمي الرعاية للوصول لشيخوخة سليمة وصحية بالإجراءات الوقائية من تطعيمات المسنين وأهمية المسح الطبي الدوري لبعض الأمراض، وتقديم استشارات عن الرياضة والتغذية لكبار السن.
ما الذي يعنيه “طب الشيخوخة”؟
“طب الشيخوخة” مصطلح يحمل شقين، طب المسنين وعلوم الأعمار. أما علوم الأعمار فهو معني بالتغيرات الطبيعية التي تحدث في مرحلة الشيخوخة وتجعل الفرد عرضة للإصابة ببعض الأمراض المرتبطة بتقدم العمر، في حين أن الشق الأول (طب المسنين) يعتمد على التقييم الشامل للمريض من الناحية الطبية والنفسية الاجتماعية الوظيفية، والتعامل مع الأمراض التي تصيبه.
ولكي يتمكن “طبيب المسنين” من عمل ذلك، لا بد وأن يعاونه فريق عمل يشمل طاقم التمريض، وأخصائي نفسي واجتماعي، وأخصائي تخاطب، وأخصائي تغذية، لتقييم كل حالة وإحالتها إلى القسم الصحيح للمتابعة.
فطبيب المسنين هو طبيب مُلم بكل ما يحتاجه المسن من رعاية، والأمراض الشائعة المرتبطة بهذه المرحلة العمرية، يستطيع التدخل في حدود التخصص.ويمكنه إحالة المسن المريض إلى التخصص المطلوب. كما أنه معني بعمل ملف متكامل عن حالة كل فرد.
ومتى بدأ الاهتمام بممارسة “طب المسنين” في مصر؟
الحقيقة، تأخرنا بعض الوقت في ممارسة هذا النوع من الطب في مصر. فبعد “أبقراط” الطبيب اليوناني الذي اهتم بعمر الإنسان وكيفية الحفاظ على الصحة في مرحلة الشباب للوصول لشيخوخة صحية، بدأ العالم مؤخرًا في الاهتمام بممارسة “طب الشيخوخة” فى عشرينيات القرن الماضي.
وفي مصر بدأ الاهتمام سنة 1984 على يد الدكتور عبد المنعم عاشور، الذي أعجب بهذا التخصص في إنجلترا أثناء دراسته هناك، وعندما عاد إلى مصر، بدأ في تطبيقها “أي هذا النوع من الدراسة” بمستشفى الصحة النفسية والعصبية، وألحقت بالمستشفى عيادة خارجية نهارية، ثم تولى عاشور تأسيس قسم مستقل بجامعة عين شمس يهتم بـ”طب الشيخوخة”، وكان أول قسم متخصص من نوعه فى مصر والشرق الأوسط.
هل كان قسمًا متكاملًا بإمكانات تناسب التخصص؟
في البداية، اتسع القسم لـ 22 سريرًا، ثم أخذ في التوسع بعد ما أُلحق به تخصصات أخرى مثل الرعاية المركزة، ثم تم إلغاء القسم، وبدلًا منه تم إنشاء مستشفى مستقل بطب المسنين في كلية طب جامعة عين شمس بمنطقة الدمرداش بالقاهرة، بتبرع من أحد الأسر الخيرية وبالتعاون مع جمعية مصر الخير وإدارة المستشفيات بالجامعة، وسمي المستشفى باسم الشهيد أحمد شوقي وتم افتتاحه عام 2019.
يتكون المستشفى من 6 طوابق، تضم عيادات داخلية بتخصصات مختلفة للمسنين، وأيضا رعاية متوسطة ورعاية حرجة، وبه عيادات خارجية منها عيادة للذاكرة والعظام وعيادة عامة وعيادة للرعاية التثقيفية والرعاية الأولية.
وكيف يتم تقييم حالة المسن المريض؟
يُعتبر أي مريض فوق سن 60 عامًا في حاجة لرعاية طب المسنين، ومن خلال أقسام المستشفى المختلفة يمكن التعامل معه. حاليًا المستشفى أصبح معروفًا أكثر من قبل، ويستقبل المرضى القادمين إليه مباشرة أو عن طريق قسم الطوارئ من خلال “طبيب مسنين” يتواجد بشكل دائم في عيادة الطوارئ العامة بطب عين شمس، حيث يتم تحويل أي مريض فوق سن 60 عامًا للمستشفى.
الخدمة بالمستشفى.. مجانية أم مدفوعة الأجر؟
يقدم المستشفى خدمة مجانية لغير القادرين واقتصادية للقادرين.
وهل هناك تواصل بين المستشفى ومؤسسات دور الرعاية الاجتماعية للمسنين؟
بالتأكيد، هناك تواصل. ففكرة طب المسنين قائمة على فريق العمل المتخصص والتقييم الشامل، وتهتم بأن يكون للمسن حياة أفضل، بحيث يستطيع أن يخدم نفسه دون الاعتماد على الآخرين محتفظًا باستقلاليته، وتحويله إلى عضو فاعل في المجتمع.
أيضًا، يقدم المستشفى دورات تدريبية “لجليس المسن”، والأشخاص الذين يقدمون رعاية للمسنين في دور الرعاية وغيرها، وبالتعاون مع نقابة الأطباء، يدرب المستشفى الأطباء على ممارسة طب المسنين للوقوف على احتياجاتهم المختلفة.
إضافة إلى أن المستشفى على تواصل مع بعض الجمعيات المرتبطة بمجالها، مثل جمعية ألزهايمر مصر والجمعية المصرية للمسنين، وهناك اتفاق مع وزارة التضامن للسماح لأطباء المستشفى بزيارة دور المسنين التابعة لها وتقديم الرعاية، ويقدم المستشفى فحصا دوريا في اليوم العالمى للمسن وتقديم تطعيمات في العيادات.
هل هناك جهات -غير الجامعة- تساعد فى تمويل البرنامج العلاجي للمستشفى؟
في الحقيقة لا يوجد. المستشفى تابع للجامعة التي تتولى عملية الإنفاق باعتبار المستشفى جزءًا منها.
كيف يصل الفرد إلى شيخوخة صحية؟
للوصول إلى شيخوخة صحية، يجب أن يبدأ الفرد في الاهتمام والإعداد لها من مرحلة الشباب، باتباع العادات الغذائية الصحية، والمحافظة على الوزن الصحي، وممارسة الرياضة، والامتناع عن التدخين.
أيضًا، لابد من تغيير أفكارنا المرتبطة بالتعامل مع كبار السن، وبشكل أساسي الخاصة باعتبار أنهم غير قادرين على الحركة، وأنهم يحتاجون إلى الاعتماد على الآخرين، لأن ذلك يُشكل طريقة تفكيرنا مع صحتنا قبل أن نصل إلى هذه المرحلة.
ما الاحتياجات الأساسية لكبار السن؟
احتياجات كبار السن مرتبطة ببعض التغيرات الطبيعية للمرحلة، فهم يحتاجون لرعاية جسدية نفسية مجتمعية، ولابد أن يدعمهم المجتمع بالخدمات، وإنشاء مدن صديقة للمسن، وإعداد الشوارع لتسهيل حركتهم، وتخصيص جزء لمن يعتمدون على الكرسي المتحرك، وتهيئة أماكن عامة للاختلاط بالناس والمجتمع، ودور رعاية خاصة للمصابين بالألزهايمر.
ما مدى استجابة المريض المسن للبرنامج العلاجي؟
تتوقف الاستجابة على دراية الطبيب بالتغيرات النفسية والاجتماعية التي تحدث للمريض وتحويله إلى التخصص المناسب، حيث أن أغلب الشكاوى من المرضى المسنين ترتبط بفقدانهم لدورهم الاجتماعي أو خروجهم على المعاش وترك العمل أو فقد رفيق حياة.
كما أنه من المهم الإلمام الجيد بحالة كل مريض مسن اقتصاديًا، التي توضح مدى تحمله لتكلفة العلاج. يسهل هذا الأمر اتباع الطريق الصحيح حتى تكون هناك استجابة للعلاج.
ما أكثر الأمراض المرتبطة بالشيخوخة؟
يُعد “الدمنشيا” وهو الاختلال المعرفي وقصور الوظائف المعرفية ومنها الألزهايمر، من الأمراض الشائعة، إضافة إلى هشاشة العظام والتلف البولي، والسقوط المتكرر، وهو عرض ينتاب المسنين، قد يكون مرتبطا ببعض الأمراض في الجهاز العصبي.
أيضًا، من الأمراض الشائعة عند كبار السن، عدم انتظام ضربات القلب، والهذيان، وهو عرض ناتج عن حالة مرضية حادة مثل إجراء عملية جراحية أو فيروس أو نتيجة اختلال أملاح الجسم تصيبه بالهذيان، يفقد خلالها جزءا من الوظائف المعرفية. وهنا، يتحتم على الطبيب تقييم الحالة بشكل جيد، هل هذا العرض ناتج عن تعرض المريض لظرف معين؟ أم هناك اختلال في وظائفه المعرفية؟.
من المفيد جدًا، إشراك “طبيب المسنين” في العمليات الجراحية لتقليل مثل هذه الحالات المرتبطة بخلل القدرات المعرفية بعد إجراء الجراحات. إضافة إلى تدريب جيد للمرافقين له لمساعدته على التعرف على التواريخ والأحداث لتحسين حالته بعد العمليات.
كما أنه من المهم جدًا، عدم تأخر الرعاية الطبية، لأن تأخيرها يقلل من فرص نجاح العلاج خاصة في مشكلات الذاكرة وألزهايمر.
بالحديث عن ألزهايمر.. هل يمكن تدارك أعراضه في حال اكتشافة مبكرًا؟
حتى الآن، لا يوجد علاج شافي للألزهايمر. لكن يمكن تأجيل المشاكل الناتجة عنه لأن مريض ألزهايمر يعتمد اعتمادًا كليًا على من حوله، ويتحول إلى شخص غير مدرك بالبيئة المحيطة به. من المهم جدًا إدماجه في المجتمع وممارسة الرياضة، وتقديم التغذية السليمة، بحيث يعتمد على نفسه أطول فترة ممكنة.
هل تقدم المستشفى توعية صحية بأمراض الشيخوخة؟
يُصدر المستشفى كتيبيات عن الشيخوخة وكيفية الوقاية من أمراضها. ويُدرب الأطباء وأطقم التمريض للمرضى وذويهم على خطة علاج كاملة تشمل كل احتياجات المسن، والمسن المريض، الغذائية والعلاجية والنفسية والرياضية.
هل تأخرنا كثيرًا فى تطبيق هذا التخصص؟
بالطبع تأخرنا بعض الوقت. لكننا تطورنا كثيرًا، والآن لدينا مستشفى متكامل، ويتم تدريب الأطباء على تطبيق هذا التخصص في الجامعات الأخرى. أصبحنا نمنح درجة الدبلوم والماجستير والدكتوراة للطلاب والدارسين من كل الجامعات المصرية لممارسة التخصص. وأيضًا لدينا وافدين من من بعض الدول العربية، فنحن متفردون في الشرق الأوسط بهذا التخصص.