انتهت مؤسسات تنظيم الإخوان، ممثلة في مجلس الشورى العام المصري، ومجلس الشورى العالمي، مؤخرًا، من اختيار قائم جديد بأعمال المرشد، خلفًا لإبراهيم منير، الذي وافته المنية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ذلك في محاولة للم شتات الجماعة المنقسمة بين جبهتين تتنازعان قيادة التنظيم الذي يعاني من حالة متردية إداريًا وتنظيميًا وسياسيًا؛ جبهة اسطنبول التي يتزعمها محمود حسين، وجبهة لندن التي كان يتزعمها منير قبل وفاته.

اختيار مؤسسات التنظيم الشورية، والذي لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي بعد، وقع على القيادي التاريخي صلاح عبد الحق، المتواجد في لندن، والمحسوب على ما يعرف بمجموعة القطبيين، نسبة إلى سيد قطب، حيث كان عضوًا بـ”تنظيم 1965“، وهو المتهم رقم 34 فيها مع سيد قطب وقيادات التنظيم. وكان وقتها لا يزال طالبًا في كلية الطب بجامعة عين شمس، وحكم عليه آنذاك بعشر سنوات سجنًا قضى جزءًا منها، إلى أن أفرج الرئيس الراحل أنور السادات عن سجناء الجماعة، فسافر إلى سلطنة عمان في بداية مرحلة انتشار الإخوان بالخليج، ثم استقر في السعودية فترة طويلة، قبل أن يحط رحاله في لندن.

والتحق عبد الحق، بالتنظيم في خمسينيات القرن الماضي، حين كان طالبًا في المرحلة الثانوية. وهو عضو مجلس الشورى العام المصري وعضو الشورى العالمي، ورئيس الجهاز التربوي العالمي للإخوان طوال 15 عامًا.

لماذا عبد الحق؟

وقع اختيار سدنة التنظيم الحاليين على عبد الحق، تحت وطأة الأزمة الداخلية والانقسام الذي يضرب الجماعة بعنف منذ 2015. خاصة وأن جبهة لندن كانت في حاجة لشخصية تملك شرعية قيادة، تواجه بها الشرعية التي يروج لها ويستند عليها محمود حسين، باعتباره آخر أعضاء مكتب الإرشاد القديم المتواجدين خارج السجن.

وانطلاقًا من هذه الجزئية، وجدت جبهة لندن ضالتها في عبد الحق، كونه ينتمي لجيل مرشد الجماعة السجين محمد بديع، والقائم بأعمال المرشد الأسبق محمود عزت، حيث رافقهم في تنظيم 1965، كما ينتمي لنفس مدرستهم الفكرية، ويمكن القول إنه نسخة شبه متطابقة من الرجلين.

سيد قطب والإخوان أثناء محاكمتهم في 1965 (وكالات)
سيد قطب والإخوان أثناء محاكمتهم في 1965 (وكالات)

وصية محمد بديع

أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها جبهة لندن في تسويق اسم عبد الحق سواء بين قواعدها أو بين داعمي التنظيم، قبل الإعلان الرسمي عن تنصيبه نظريًا قائمًا بالأعمال وعمليًا مرشدًا للتنظيم، في ظل غياب أية مؤشرات قد تقود لتفاهمات تقضي بخروج المرشد محمد بديع من السجن وعدم إكمال مدد الأحكام الصادرة بحقه، والتي تقدر بعشرات السنين، هي كون اختياره وصية بديع نفسه.

وصية بديع بحسب ما يشاع بين قيادات التنظيم جاءت عبر رسالة سربت من السجن في بداية الأزمة مع تصاعد الخلافات بين قيادات التنظيم، وكانت موجهة لمحمود حسين بعدم اتخاذ أي قرار إلا بعد العودة لثلاثة أشخاص أولهم صلاح عبد الحق، وثانيهم حلمي الجزار مسئول إخوان الجيزة السابق المتواجد حاليًا في تركيا، وثالثهم مدحت عاصم مكلفًا إياهم بمهمة لم الشمل وقتها، إلا أنه آنذاك أخفى محمود حسين تلك الرسالة، التي كانت تعني أنه ليس الخيار الأفضل لقادة السجون.

ماذا عن مستقبل التنظيم؟

هل يساهم عبد الحق في إنهاء الانقسام، ولم شمله كما أراد بديع بحسب المهمة التي كلفها إياه في رسالته المسربة من السجن. هذا هو التساؤل الأهم منذ أن وقع الاختيار عليه مطلع العام الحالي.

المدقق في أحوال الجماعة في الوقت الراهن ومن خلال المؤشرات والتصريحات المعلنة من جانب قادة جبهتي الصراع، يدرك أن حقبة عبد الحق لن تكون إلا حلقة جديدة من حلقات الصراع، فحسين الذي ظن أن الكفة ستميل لصالحه عقب وفاة إبراهيم منير صاحب شرعية القيادة التاريخية والتنظيمية، وجد على رأس الجبهة المناوئة له قيادة تملك من المقومات ما كان يملكه منير. ما يعني أن الوضع إن لم يزد سوءًا سيستمر على ما هو عليه. خاصة أن الاختيار الجديد جاء متجاوزًا للمطالب التي تحمل روحًا شبابية في أعقاب الفشل الذريع من جانب قيادة التنظيم التاريخية بجناحيها المتصارعين وقادت التنظيم إلى الحالة التي هو عليها الآن بين مطاردين ومشردين وسجناء. وهو ما يعني بشكل واضح مزيد من العزوف لأصحاب الرؤى الشبابية أو الأكثر حيوية ممن بإمكانهم حلحلة أزمة التنظيم.

وعلى صعيد التنظيم وأفكاره وتعاطيه مع المشهد العام، فإن اختيار جبهة لندن المعترف بها سواء من حلفاء التنظيم ورعاته الدوليين أو من كيانات الجماعة المنتشرة في عدد من الأقطار، هو تكريس لنمط القيادة الذي تسير عليه وامتدادًا لتلاميذ المدرسة القطبية، وفي المقدمة منهم مصطفى مشهور وبديع ومحمود عزت، وهي مدرسة تؤمن بجاهلية المجتمع وتؤسس للعمل التنظيمي السري المغلق. ويتسم أعضاؤها بالغموض والابتعاد عن الإعلام وربما عدم الاعتراف بأهميته.

الراحل إبراهيم منير كان يتزعم جبهة لندن بينما يقود محمود حسين جبهة اسطنبول (وكالات)
الراحل إبراهيم منير “يمين”كان يتزعم جبهة لندن بينما يقود محمود حسين “يسار” جبهة اسطنبول (وكالات)

تواجد عبد الحق على رأس إحدى جبهتي الصراع داخل الجماعة يعني بشكل واضح استمرار مدرسة كلاسيكية لم تنجح فى تكوين جيل من الجماعة قادر على الإبداع أو قبول التنوع، فضلًا عن القدرة على صياغة رؤية سياسية تؤمن بالتشارك.

وبحسب شخصيات قيادية بالجماعة شاركت في أوقات سابقة في محاضرات للقائم الجديد بأعمال المرشد، بحكم عمله كمسئول للتربية بالتنظيم العالمي، فإن أفكاره هي امتداد لأفكار سيد قطب، من حيث الإيمان بجاهلية المجتمع، وإن كان بحسب هؤلاء ينكر استخدام القوة للتغيير، فإنه يعتقد بأنهم وكلاء لإصلاح المجتمع.

إضافة إلى شخص القائم بأعمال المرشد الجديد، فإن تشكيل اللجنة الإدارية العليا الجديد، الموكلة بمعاونته، تسيطر عليها القيادات التاريخية رغم تطعيمها بشخصيات تحظى بقبول نوعًا ما داخل التنظيم. فمجلس الشورى العام للجماعة الذي يتبع جبهة لندن، انتخب مطلع العام الجاري، بحسب مصادر مقربة من التنظيم، هيئة إدارية عليا جديدة لإدارة شؤون الجماعة تعمل تحت القائم بأعمال المرشد، وتضم محمد البحيري مسئول النشاط الإخواني في إفريقيا والمحسوب على المدرسة القطبية، وحلمي الجزار مسئول القسم السياسي في الجماعة، ومحيي الزايد عضو مجلس شورى التنظيم، والشاب صهيب عبد المقصود المتحدث الإعلامي باسم جبهة لندن، بخلاف محمود الإبياري رفيق درب منير والمحسوب على المدرسة القطبية أيضًا والذي يتولى الأمانة العامة.

تحدي إقليمي

على المستوى الإقليمي والدولي، تواجه الجماعة بجبهتيها، أزمة حقيقية مع تساقط مواقف داعميها الدوليين والإقليميين، خاصة في ظل حالة التقارب المصري التركي الآخذ في التنامي، والذي أثرت خطواته الأولى على مستوى حضور أعضاء التنظيم وقياداته بالساحة التركية، ومن قبل تركيا، كان الموقف القطري حيث يفرض التقارب بين الدوحة والقاهرة، أسس تعامل جديدة، تمس في مجملها ملف التعامل مع الجماعة ودعمها.

في الخلاصة، يمكن القول إن اختيار صلاح عبد الحق الذي يقترب من عامه الثمانين سيمثل امتدادًا لأزمة التنظيم المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم، نظرًا لافتقاده المعايير التي تمكنه من بناء صورة جديدة للجماعة وإعادة تعويمها سواء على المستوى الدولي والإقليمي أوعلى مستوى الساحة المصرية.