تصاعدت أزمة عمال شركة “كريازي” المتخصصة في صناعة الأدوات والأجهزة الكهربائية مجددًا، بعد انفراجة مؤقتة واتفاق بموجبه أنهى عمال مصنع العبور -أحد الفروع الرئيسية للشركة- إضرابًا كانوا بدأوه في فبراير/ شباط الماضي. قبل أن تتنصل الإدارة من وعودها وتلجأ إلى تهديدهم ببلاغات لمنعهم من مواصلة فعالياتهم الاحتجاجية.
مطالب العمال -ويبلغ عددهم في فروع الشركة الستة 10 آلاف- تضمنت صرف الأرباح المتأخرة ورفع الأجور المتدنية، وعودة مشروع العلاج. وهي مطالب منصوص عليها بلائحة سابقة، كانت ضمن الاتفاق الذي أنهى إضرابًا استمر لمدة أسبوع خلال الشهر الماضي. حيث تعهدت الإدارة وقتها بصرف 1000 جنيه زيادة في المرتبات على دفعتين؛ تصرف الأولى في إبريل/ نيسان المقبل، والثانية في يوليو/ تموز. بالإضافة إلى البدء في تنفيذ باقي المطالب المرتبطة بساعات العمل التي تجاورت ٨ ساعات يوميًا، وعودة مشروع العلاج مرة أخرى، وصرف الأرباح المتأخرة.
مسار الاحتجاجات
بدأت مشكلة العاملين بشركة كريازي -الواقعة في مدينتي العبور والعاشر من رمضان بمحافظة الشرقية- في التصاعد خلال العام 2018 على خلفية تدني الأجور، وعدم صرف الأرباح. حيث بدأ العمال -حينها- تنظيم وقفة احتجاجية. بينما كانت الاستجابة الفورية ضدهم بإصدار قرار بإلغاء مشروع العلاج كإجراء عقابي أصدره رئيس مجلس إدارة الشركة.
وخلال الفترة من 2019 إلى 2021 جدد العمال تحركاتهم مطالبين بصرف العلاوات الدورية وتطبيق الحد الأدنى للأجور وصرف الأرباح، ورفضوا زيادة ساعات العمل دون أجر.
وبينما كان إضراب فبراير الماضي، تعبيرًا عن معاناة متراكمة منذ 5 سنوات، جاء تنصل الإدارة من وعودها بتحقيق المطالب ليزيد من المشكلة تفاقمًا، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد حاليًا وارتفاعات أسعار المنتجات التي لا تتناسب معها قيم الأجور التي يحصل عليها العمال من الشركة.
الإضراب والحبس والمساومة
كما هو الأمر في حالات سابقة بمنشآت أخرى، شهد الإضراب الأخير، توقفا كاملا لخطوط الإنتاج، حيث سمح العمال بنقل البضائع للأسواق فقط. وهو أمر واجهته الإدارة بتقديم بلاغات ضدهم، اتهمتهم فيها “بالتحريض على الإضراب وتعطيل عجلة الإنتاج”. الأمر الذي أعقبه احتجاز قوات الأمن 9 من العمال، قررت النيابة حبسهم لمدة 15 يومًا، بتهم التظاهر من دون تصريح، والدعوة للإضراب لتعطيل سير العمل. وقد ساعد ذلك الإدارة في مساومة العمال بالتنازل عن البلاغات المقدمة ضد زملائهم المحبوسين مقابل وقف الاحتجاجات والانصياع لقراراتها، مع وعود بفحص الطلبات المقدمة لاحقًا.
وقد تم الإفراج عن العمال المحتجزين، وأوقف العمال إضرابهم في انتظار تحقيق مطالبهم، مع التهديد حينها بالعودة للإضراب في حال استمر الوضع على ما هو عليه. وخلال مرحلة التفاوض على المطالب، أصدرت الإدارة قرارًا إداريًا بصرف مكافأة تشجيعية بقيمة 250 جنيهًا للعاملين بخط إنتاج العاشر من رمضان (أحد أفرع الشركة). الأمر الذي اعتبره العمال التفافًا على مطالبهم، ولا يتناسب مع مستحقاتهم في الأرباح.
وبعد توقف خطوط الإنتاج في مصنع العبور، تفاوضت الإدارة على صرف 400 جنيه، لفض الإضراب، ولم يستجب العمال، إلا بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بصرف 1000 جنيه على دفعتين، مع وعد بعودة مشروع العلاج وصرف الأرباح. ووزعت الإدارة منشورًا على قطاعات الإنتاج بالمصنع يتضمن بنود هذا الاتفاق. لكنها تنصلت من هذا الاتفاق أيضًا.
مكاسب الشركة وحقوق مهدرة
أُنشئت الشركة منذ منتصف الثمانينيات، وساهمت في توطين صناعة الأجهزة الكهربائية المحلية. وبدأت تتوسع في السوق، ووصل عدد العاملين فيها إلى 10500 عامل. وهي ضمن أكبر الشركات المنتجة للأجهزة الكهربائية في الشرق الأوسط، وتصدّر منتجاتها للعديد من الدول الأوروبية والإفريقية والعربية منذ سنة 1990.
تضم الشركة 6 شركات لإنتاج الأجهزة المنزلية بكافة أنواعها، الأولى مقرها العاشر من رمضان في حين تأسست الشركة الثانية “كريازي للصناعات الهندسية” بمدينة العبور عام 1995. بينما تأسست الثالثة عام 1999 “كريازي إليكتريك”. وتخصصت الشركة الرابعة “كريازي جاز”، التي تأسست عام 2005، في إنتاج سخانات المياه التي تعمل بالغاز الطبيعي والكهرباء، أما الشركة الخامسة فقد تأسست عام 2007 بمدينة العبور أيضًا، وتنتج الثلاجات المنزلية، بينما تخصصت السادسة في إنتاج أجهزة التكييف المتطورة.
وفي مارس/ آذار 2009 طلبت الشركة من جمعية المستثمرين تخصيص أراض لها بمحافظة أسيوط لتوسيع أعمالها. كما استثنيت الشركة في ذات العام من من الرسوم الوقائية علي واردات ألواح الصاج، وردت وزارة التجارة حينها للشركة الرسوم إبان تولي رشيد محمد رشيد الوزارة في ذلك الوقت.
وفي 2014 كانت الشركة عضوا في مجلس الأعمال المصري اليوناني، ضمن مؤشرات أخرى على توسع أعمالها وطاقتها الإنتاجية، وتوسيع إمكانيات التصدير، وهي فعليًا تصدر لدول أوربية وإفريقية وعربية.
وفي حين أن الشركة لا تنشر أي بيانات عن أعمالها المالية وحساباتها، هناك شواهد على تطور في الإنتاج والتوزيع والتصدير. هذا في الوقت الذي تتعلل فيه الإدارة بعدم صرف المستحقات من أجور وحقوق العمال في نسبة من الأرباح بمرور الشركة بأزمة مالية.
مستوى الأجور والزيادة
بحسب أحد عمال الشركة -طلب عدم ذكر اسمه- فإن نسب الزيادة السنوية التي تقرها الدولة للعاملين، لم تُضف على الرواتب منذ 6 سنوات. ذلك على الرغم من إخطار إدارة الشركة مكتب العمل وهيئة التأمينات الاجتماعية بإضافة الزيادات السنوية على الأجور.
ويضيف العامل، أنه يعمل منذ 18 عامًا بالشركة، ولم يصل راتبه إلى 4 آلاف جنيه حتى الآن، بينما أغلب العاملين يتقاضون مرتبات في متوسط 2500 جنيه، في حين أن الشركة تعمل في قطاع صناعي يمتاز بربحية عالية.
وقال عامل آخر، لـ “مصر 360”: “إن الشركة اعتادت على انتقاص حقوقنا المالية حيث تقوم بإخطار مكتب العمل والشؤون الاجتماعية بصرف الأرباح بقيمة شهرين عن كل سنة، لكنها تقوم بصرف 10 أيام فقط، وتم وقفها منذ سنتين، بشكل نهائي”.
وفي تصرف يعتبر تمييزًا، تصرف الإدارة الأرباح للمهندسين والإداريين بصفة دورية بقيمة ثلاثة أشهر عن كل سنة، لكنها تحرم العمال الفنيين منها، رغم كونهم القوة الأساسية على خطوط الإنتاج، فضلًا عن ذلك قامت الإدارة بزيادة ساعتين عمل دون أجر، حيث ينصرف العمال الساعة الخامسة مساءً بعد أن كان يوم العمل ينتهي الساعة الثالثة.
مخاطر صحية
في الوقت الذي يتعرض فيه العمال لمخاطر ترتبط بقطاع الصناعات الهندسية بشكل عام، رفعت الشركة رسوم علاج العمال، قبل أن يتوقف مشروع العلاج بشكل تام، ويشير مصدر بالشركة إلى تعرض العاملين بخطوط الغاز والخراطة واللحام إلى مخاطر مهنية متكررة، نتاج نقص إجراءات الصحة والسلامةالمهنية .
يقول أحد العمال -الذي يشتكي من أن الأجور لا تكفي طعام أطفاله: “ننتظر رد الإدارة ونسعى لعدم تعطيل العمل، وننتظر إقرار الزيادات وصرفها”. ويضيف أنه مع ضعف الأجور ليس هناك حلول أمام العمال، في مواجهة ارتفاع متواصل في الأسعار إلا المطالبة بمستحقاتهم خاصة في نسبة الأرباح، والتي ينتجها العمال من جهدهم وعملهم المتواصل على خطوط الإنتاج.