ضمن سعيها خلال السنوات الأخيرة في ملف العلاقات الخارجية، أعادت مصر صياغة وتحديث دوائر سياستها الخارجية اهتمامًا بمنطقة غرب ووسط آسيا، حيث مناطق نفوذ الطاقة ودوائر تقاطع الدول العظمى، فاتجهت القاهرة شرقًا لتعزيز العلاقات مع دول أسيوية، لم تكن على أجندتها السياسية الخارجية قبل العام 2014.
وشهدت العلاقات بين مصر ودول آسيا الوسطى ومنها كازاخستان، أوزبكستان، تركمنستان، طاجيكستان، قيرغزستان، زخما واضحا، فرغم عدم الاتصال الجغرافي إلا أن هناك العديد من القواسم المشتركة ومنها الجانب الديني والثقافي والرغبة المتبادلة في تعزيز التعاون الاقتصادي، إضافة إلى رغبة القاهرة في توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والثقافي.
وفي السياق، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف منذ أيام، وهي الزيارة التي جاءت بالتزامن مع احتفال البلدين بالذكرى الـ 31 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
دوافع الاهتمام المصري
الباحث جمال أمين همام، مدير الدراسات والأبحاث بمركز الخليج للأبحاث، يرى أن اهتمام مصر بدول آسيا الوسطى يأتي في إطار استراتيجية مصرية لتنويع شراكاتها الدولية، للاستفادة من الاقتصادات المهمة والصاعدة في العالم.
ويلفت همام النظر إلى جزء من اهتمام مصري بالدول الصاعدة في آسيا يتعلق بتوجه للحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون. يقول أن دول آسيا الوسطى تمثل قلب الأرض Heartland طبقًا للجغرافي البريطاني جون ماكيندر، الذي قال “من يسيطر على هذه المنطقة يتحكم في العالم”.
لذلك، وبحسب همام، هناك تنافس دولي وإقليمي محموم على التواجد في هذه المنطقة أو الشراكة معها، فروسيا تعتبرها جزءًا من المجال الحيوي الطبيعي لها، كما تشتد المنافسة الإقليمية عليها من عدة دول في مقدمتها إيران، وتركيا، وإسرائيل.
ويضيف همام، أنه على الصعيد العربي، رحبت دول آسيا الوسطى بالتعاون الاقتصادي مع الدول العربية لتقوية أواصر العلاقات التي ظلت لسنوات قاصرة على النواحي الثقافية وأبدت هذه الدول رغبتها في تنويع العلاقات وعن حاجاتها للاستثمارات العربية ودفع التعاون الاقتصادي مع العالم العربي إلى ما أبعد من العلاقات الدينية والثقافية.
دلالة التحركات المصرية
تواجه مصر العديد من التحديات الداخلية والخارجية، أبرزها مسألة الأمن المائي وأزمة سد النهضة والأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب، وكذلك تداعيات اقتصادية لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب على ذلك من آثار اقتصادية سلبية على الميزانية وارتفاع معدل التضخم.
ومن هنا تعمل مصر على فتح آفاق جديدة للتعاون، والترويج للفرص الاقتصادية الراهنة، والتي تتمثل في المشاريع التنموية (الطاقة المتجددة)، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، كذلك تسعى للاستفادة من وزنها السياسي باعتبارها دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقام السيسي بجولة لأوزبكستان في 2018، وتعد هي الزيارة الأولى لرئيس مصري منذ زيارة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في الخمسينيات من القرن الماضي، وتناولت التباحث بشأن تنمية التعاون الأوزبكي-المصري.
اقرأ أيضًا: ماذا تستفيد مصر من الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية؟
كما تعتبر جولة شوكت ميرزيوييف هي الزيارة الأولى له في مصر، وأسفرت عن الاتفاق بشأن توسيع التعاون بين دار الإفتاء المصرية ومركز الفتوى الأوزبكي للحد من انتشار التطرف، إضافة إلى الاستفادة من التجربة المصرية في مجالات الغاز والكيماويات والتصنيع والمنسوجات والصيدلة.
كذلك قام السيسي بزيارة لكلا من أرمينيا وأذربيجان في يناير/ كانون الثاني الماضي، وصفها الدكتور حسن أبو طالب مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية “إن هذه الزيارة تعكس الحاجة إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في القوقاز”.
الأهمية الاستراتيجية
تقع منطقة آسيا الوسطى والقوقاز في مفترق طريق استراتيجي بين أوروبا وآسيا، مما جعلها محل تنافس بين الدول الكبرى لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، وتعد الأخيرة أكبر شريك تجاري لأوزبكستان، حيث تمثل 23.1% من إجمالي واردات أوزبكستان، كما يهيمن النفط والغاز على صادرات أوزبكستان وأذربيجان.
وتلعب الزراعة دورًا حاسمًا في التنمية الإقليمية، وتعد كازاخستان واحدة من أكبر منتجي القمح عالميًا، كذلك تعتبر الزراعة من أهم قطاعات الاقتصاد الأرمني، مدفوعة بواقع 70% من أراضي أرمينيا مصنفة أنها أراض زراعية.
كما تسهم الثروة الحيوانية ومزارع الأسماك بقدر كبير في ميزانية أرمنيا، ويتم إنتاج حوالي 18 طنًا من لحم الضأن سنويًا، كما لديها القدرة على تصدير 180 إلى 200 ألف رأس من الأغنام سنويا.
بينما يرتكز الاقتصاد الأذربيجاني على إنتاج النفط والغاز، والذي يمثل ما يقرب من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ومنذ بداية 2021، أصبح خط أنابيب ممر الغاز الجنوبي (SGC) يعمل بكامل طاقته، والذي يمر عبر تركيا إلى الأسواق الأوروبية.
الفرص الاقتصادية
تعد أوزبكستان فرصة ثمينة أمام مصر لأن تكون بوابة للصادرات المصرية لأسواق آسيا الوسطى، وتبلغ حجم الاستثمارات المصرية الأوزبكية المشتركة 1.6 مليار دولار في مجالات منها النقل والاتصالات.
كما بلغت قيمة التبادل التجاري 49.9 مليون دولار في عام 2022 مقارنة بـ 46.6 في عام 2021، بزيادة قدرها 7 %، وفقًا لتصريحات وزير التجارة والصناعة أحمد سمير.
دعمت أوزبكستان مصر في الحصول على صفة “شريك الحوار” في منظمة شنغهاي للتعاون في القمة الأخيرة تحت رئاسة أوزبكستان للمنظمة العام الماضي.
وفي يناير 2021، التقى نائب رئيس الوزراء- وزير الاستثمار بجمهورية أوزبكستان س. أومورزاكوف مع السفيرة فوق العادة والمفوضة المصرية لدى أوزبكستان أميرة فهمي، واتفقا على بدء دراسة مشتركة لإنشاء مجلس الأعمال الأوزبكي المصري.
وخلال زيارة السيسي لأذربيجان، جرى الاتفاق على تشكيل مجلس أعمال مشترك لرجال الأعمال والمستثمرين من القطاع الخاص، كما التقى السيسي برجال الأعمال البارزين، الذين استعرضوا خططهم للاستثمار في مصر، أيضا جرى التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم المشتركة في مجالات الثقافة والموارد المائية، والتجارة والصناعة.
وفي أرمينيا، أبرم السيسي مع نظيره الأرميني عدد من مذكرات التفاهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والثقافة والشباب والتعاون المؤسسي في مجال الاستثمار. كما وقع مشروع أرمينيا مذكرة مع الهيئة المصرية العامة للاستثمار.
تفعيل التعاون الثقافي
تسعى مصر نحول تفعيل أدوات القوة الناعمة، على سبيل المثال، يلعب الأزهر دورًا بارزًا في توثيق العلاقات بين مصر والدول الإسلامية، وتحصد الدول الآسيوية عددا كبيرا من زيارات شيخ الأزهر.
وتمتد العلاقات بين الأزهر ودول آسيا الوسطى خاصة لنحو 30 عاما، وخلال 2022 وقع مركز حوار الأديان بالأزهر الشريف ومركز نور سلطان في كازاخستان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين الطرفين والترويج للحوار بين الأديان والحضارات.
كما وقعت أرمينيا ومصر مذكرات تعاون في مجالات الرياضة والعلوم والتكنولوجيا تستهدف التعاون في العلوم والتقنيات والتدريب وتنفيذ مشاريع علمية مشتركة، بالإضافة إلى تبادل الخبراء والمختصين. كما ترجع العلاقات الثقافية بين الطرفين إلى توقيع اتفاقية التعاون في الثقافة والتعليم في 1997.