دلالات كثيرة للحفل الذي أقامته هيئة الترفيه بالرياض، لتكريم الموسيقار الكبير هاني شنودة بعد مشوار عطاء موسيقي يتخطى النصف قرن، وهو التكريم الذي كان أول من دعا إليه الكاتب بلال فضل عبر قناته على يوتيوب في حلقة امتدت لساعة وربع تطالب بهذا التكريم وتشرح حيثياته.
ذكرنا بلال فضل أن هاني شنودة ليس مجرد موسيقار كبير، بل رجل ساهم حقًا في صناعة ذائقة موسيقية للمصريين ليس فقط عبر أغاني فرقته التي حملت الاسم نفسه، لكن عبر اكتشافه أو مساهمته في اكتشاف القامتين اللذين سيغيران من مسار الأغنية المصرية، كأهم مشروعين غنائيين منذ الثمانينات: عمرو دياب ومنير، وأيضا هو واضع الموسيقى التصويرية لعدد من أبرز الأعمال السينمائية، وصاحب أيقونة “زحمة يا دنيا زحمة” لعدوية.
ذكرنا بلال، أن هاني شنودة أكبر من مجرد فنان، بل صديق عمر لكل مصري.
وكنا بالطبع نتمنى أن يكون ذلك التكريم من مصر، لكن في الحقيقة وكما أشار الزميل الصحفي محمد بصل، مصر منحت جائزة التفوق عام 2015، لهاني شنودة، وكان تصريحه حينها أن قيمة الجائزة بالنسبة إليه: أنها قادمة من الدولة المصرية، لأن بالطبع امتنان دولته، شعبه وناسه اللذين خرج منهم وغنى لهم هام بالنسبة إليه، لكن لنا أيضًا أن نفخر بأثره في الوجدان العربي، فالفن عابر للحدود والقارات.
كما أن المسألة كلها كما يشير الصحفي عبد الرحمن مصطفى، مسألة مبادرة، كل ما حدث أن هيئة الترفيه بالرياض قد امتلكتها، وهو أمر مختلف عن امتلاك المال، رغم أن المال بالطبع حاضر هنا، وهو السبب المباشر في سرعة استجابة نجوم كبار كمنير ودياب وعدوية وأنغام لأن يكونوا جزءًامن تكريم لا يكونون محوره، بل أن توضع صورة هاني شنودة على الأفيش فوق صورهم.
يقول الصحفي محمد بصل في ملاحظته اللافتة: أراهن أن أفكارًا كتلك وأبسط منها قد عرضت على النجوم المصريين، لكن استجابتهم كانت أقل، ويقارن بصل بين استجابة نجوم لبنان للمشاركة في حفلات الدولة المصرية أكبر من استجابة النجوم المصريين، وهو ما يؤكده مهرجان الموسيقى كل عام.
لكن ذلك التكريم بكل هؤلاء النجوم اللذين حضروا لغناء أغاني هاني شنودة بصوتهم، مختلف أيضًا، إنه يعيد إليه الزخم المستحق، الذكرى التي لا تمحى، بينما تمنح جائزة التفوق في مصر بعقليات الموظف أصلًا، حيث تبدو استكمالا لشكل بيروقراطي مطلوب استكماله، مفرغ من المعنى. مدام عفاف وهي تسد الخانات والأختام وجدول أعمال السنة.
لم تتحرك مصر بعد مبادرة تركي آل شيخ، وجاءت الاستجابة من مؤسسة مستقلة فنية الآن، هي مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون، والتي كان مؤسسها أحد أعمدة أنظمة حكم مبارك، والتي أعلنت اعتماد مجلس أمنائها بالإجماع لترشيح الموسيقار الكبير هاني شنودة لجائزة الاستحقاق الكبرى، لعام 2023، والتي تبلغ قيمتها 100 ألف جنيه مصري.
وهي الجائزة الوحيدة بين جوائز مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون المخصصة لشخصية ثقافية كبيرة، لها إنجازها البارز في الفنون والآداب، بينما تقتصر باقي الجوائز على الواعدين من المواهب الشابة في مختلف المجالات الإبداعية.
وهي مبادرة مشكورة، لكنها جاءت تأكيدًا على غياب دور الدولة المصرية في أن تقدر الفن الحقيقي، فالفن المطلوب الآن هو فن غث دعائي يمجد في سياسات الدولة، دون أن يحقق أثرًا ملموسًا، بينما حلقة في برنامج يوتيوب لكاتب حوصر داخل مصر، حتى إن اللذين كان سبب شهرتهم من ممثلين يخافون ذكر اسمه، استطاع أن يكون له تأثير كبير وملموس.
مصر ليست فقيرة من المواهب، رغم أنها لا تستطيع أن تجاري السعودية في مسألة الأموال، والدليل هو أنها مازالت تعتمد على المواهب المصرية، المسألة مسألة قرار بأن تؤمن الدولة المصرية بالفن، لكنها حاليًا – للأسف- تؤمن تستوستيرون الفنان أحمد العوضي وعشرات من الفنانين مثله، يقضون في قاعات الجيم وتطوير عضلاتهم، أكثر مما يقضونه لتطوير فنهم.