بكل ثقة يقول أحدهم فلان منفسن، فلانة منفسنة، تلك الأحكام أو الصفات التي نطلقها على بعضنا البعض، لابد أن هناك شيء يحرك تلك الرؤية، لكننا ونحن نسمي أحدهم بأنه منفسن هل نرى النفسنة نوعا من الحقد، أم أن النفسنة هي حقد أو حسد ظهر في اسم مختلف؟

وهل النساء أكثر نفسنة من الرجال؟

ذات يوم كان هناك صديقتان (س) و (ص) تخرجا من نفس الكلية بتقدير متقارب جدا، ل (س) حظ أكبر ومهارات عقلية واجتماعية أكبر، تمكنت (س) من العمل في جهة هامة، وفى المقابل عملت (ص) كبائعة في أحد المحال، بعد فترة ساعدت (س) صديقتها للعمل بنفس الجهة التي تعمل بها، لكنها كانت مديرتها، فما كان من (ص) إلا أن استكثرت عليها ما فيه، وأخذت تفسد عليها عملها، ولم تنتبه (س) إلى ذلك إلا عندما وجدت نفسها مطرودة من عملها وانكشفت لها تدابير صديقتها (ص). لابد أنها مشاعر مريرة، وبالفعل ظلت (س) بل عمل لعدة أشهر، لكن لأنها سعت إلى الرضا بما حصلت عليه، وخلال أشهر التحقت (س) بوظيفة أعلى وبراتب أكبر، ولم تكترث لتعرف مصير من كانت صديقتها.

هذه القصة حقيقية وليست من قبيل قصص التنمية البشرية أو قصص العبر، فهي تكشف كيف يمكن لمشاعر النفسنة أن تفسد العلاقات وتسمم الحياة.

ما هي النفسنة؟

ربما لا نعرف متى على وجه الدقة ظهرت مثل هذه الكلمة، وربما كانت زيادة العدد وقلة الفرص هي ما دفعت لظهورها، كمعادل لكلمة حقود، والتي يعدها البعض قاسية بعض الشيء، لكن النفسنة هي أحد أشكال الحقد التي يمارسه إنسان تجاه آخر، ولكي تحدث لابد أن يشعر صاحبها من داخله بالدونية، لكنه أيضا يشعر بالاستحقاق، فعندما يؤدي إنسان عمله بصورة جيدة، فإن هناك من يرى في نفسه استحقاقا ليؤدي نفس الدور بنفس الطريقة، ولذا هو يستكثر على غيره أي فعل جيد وأي مكانة قد يصلون إليها.

سواء اعترفنا أو أنكرنا فإن قدرات الاحتمال تختلف من إنسان إلى آخر، فالفاسد لم يخلق فاسدا، لكن مقاومته للضغوط أو الإغراءات كانت ضعيفة، كذلك النفسنة أو الحقد هي سقطات يقع فيها الإنسان ضعيف المقاومة، مبالغ في مشاعر الاستحقاق دون بذل جهد يدعم إحساسه بأحقيته في شيء لم يبذل تجاهه جهد، أو فرصة لم تكن له، إنها النفسنة نوعا من المشاعر السلبية، وحقد يفيض عن النفس فيخرج في نظرة أو كلمة، أو يظل مكتوما لكنه ينعكس على الملامح.

النفسنة VS الرضا

تولد مشاعر النفسنة بداخل إنسان يشعر باستحقاق لشيء ليس له، كما أنه يستكثر ما لدى الغير عليهم، فهو يجد غيره أقل من أن يحصل على ما لديه، وبالتالي فهي مشاعر تخلو من الرضا بما لدى صاحبها، ولا تتوقف النفسنة عند حدود الأمور المادية، مثل العمل أو الممتلكات بل قد تمتد لأمور أخرى، مثل أن تستكثر إحداهن على أخرى جمالها، أو حظها، أو حتى حبيبها.

وقد تصل النفسنة في إحدى درجاتها إلى الحسد، وتمنى زوال النعمة لدى الغير، فهي مشاعر حقد مخففة، لكنها تفسد الروح.
بينما الرضا يعتمد على قبول ما نملك، والرضا به، دون النظر إلى النعم لدى الآخرين، ومن ثم فلا قلب يجمع بين الرضا والنفسنة.

هل يمكن علاج النفسنة؟

أي مشكلة يمكن علاجها شريطة أن يعترف أصحابها بوجودها، وعادة لا يرى الإنسان نفسه، ولا يتلمس عيوبه، ولكن إذا وعى الإنسان إلى مثل هذا العيب يمكنه أن يتعافى من ذلك، فمثل هذه المشاعر تعكر صفو الحياة.

تخيل أنك في عملك وهناك زميل حصل على ترقية أو مكافأة وأنت تستكثر عليه ما حصل عليه، وترى نفسك أحق، فهذه المشاعر سرعان ما ينتج عنها إحساس الظلم والغبن، فتأتي التعاسة نتيجة حتمية، ويضيق صدرك في مكان عملك، وربما امتد الأمر لأن تجد نفسك لا تستطيع مواجهة زميلك والذي في قرارة نفسك تشعر أنه أخذ حقك، ومن ثم صارت البيئة مسممة، فكيف يمكنك الاستمرار في مثل هذا المناخ؟

وتخيلي يا عزيزتي أنك ترى صديقتك تلتقي برجل وسيم وأنت ترينها لا تستحقه، كيف ستتعاملين معها، أو أن صديقتك التحقت بعمل بينما هي امكانياتها أقل بشكل عام أو أقل منك بشكل خاص، كيف يمكنك الاستمرار في التعامل معها؟

النفسنة مثل سم ملون لا تقتصر على تعكير الماء فقط بل تسممه أيضا، ولكي ننجو من هذه المشاعر فعلينا أن ننظر إلى أنفسنا، نفتش عن النعم التي وهبها الله لنا وميزنا بها عن غيرنا، لا بد من أن من يشعر بالنفسنة لديها صفات ومميزات عليه أن يظهرها، كما أن عليه أن يعي جيدا أن هناك أمورا قدرية، أكبر منه ومن المحيط الذي يعيش فيه، وأن الله يجعل لكل شيء سبب.

اليقين بأن الله يخفف عنا ويمنحنا ما يليق بنا في الوقت المناسب يجعلنا لا نستكثر على الآخرين ما يحصلون عليه، حتى مشاعر الظلم التي قد يشعر بها البعض سرعان ما تنكشف ويجد البعض أن مثل هذه المشاعر المؤقتة كانت لسبب، فجميعنا يعرف قصة الخضر وسيدنا موسى، لكننا لا نأخذها لمسار آخر، لا نتعلم منها أن هناك أسبابا لا قبل لنا بمعرفتها حاليا.

ولا مواجهة لمثل هذه المشاعر إلا بأخذ مسافة من الشخص الذي نستشعر منه نفسنة ، أما الشخص نفسه إذا وعى لمثل تلك الأحقاد في قلبه فيمكنه مواجهتها بتعزيز ثقته بنفسه، وإدراك أن هناك عوامل عدة تحدد المصائر ، أحيانا كثيرة لا تكون الحياة عادلة، لكن وبالتأكيد لن نواجه حيواتنا بتعميق المشاعر السلبية، وخلق الأحقاد بداخلنا، فقبل أن تفسد هذه المشاعر العلاقات بين الناس، هي تسود قلب مالكها، وتجعله لا يرى النعم والجمال الذي يحيط به، ولعلنا هنا نذكر بيت الشعر الشهير للشاعر إيليا أبي ماضي “كن جميلا ترى الوجود جميلا”.