نهاية الأسبوع قبل الماضي، قررت الحكومة المصرية رفع أسعار المازوت بنحو 1000 جنيه للطن الواحد، وذلك رفقة باقي أنواع الوقود “البنزين وغاز السيارات”. لتتراوح تلك الزيادة بين 10% للبنزين و20% للمازوت. على أن تسري تلك الأسعار حتى نهاية مارس/ آذار الجاري، أي قبل انعقاد الاجتماع الجديد للجنة تسعير المنتجات البترولية، لإقرار الأسعار الجديد للربع الثاني من 2023.
وباعتبار مصر واحدة من الدول التي توفر جانب من استهلاكها المحلي من المواد البترولية من الخارج -نحو 25 لـ 30%- فقد تأثرت حركة الأسعار المحلية بالتقلبات الاقتصادية العالمية، التي أحدثت تأثيرًا سلبيًا على كل من خام برنت العالمي، الذي يتداول في مستوى 85 دولارًا للبرميل. وكذلك سعر الصرف، وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، ووصوله إلى مستويات قياسية.
وفق محللين، فإن قرارات تحريك أسعار الوقود يمتد تأثيرها على العديد من القطاعات القائمة عليها. فكيف ستتأثر صناعة الأسمنت بارتفاع المازوت الذي يمثل نحو 40% من عملياتها التشغيلية؟ وحجم الزيادة المتوقعة في سعر الطن الفترة القادمة؟ ومدى إمكانية التحول إلى السولار كوقود بديل للمازوت بعد ارتفاع سعره؟
هربًا من أسعار الغاز
منذ فترة طويلة، قررت مصانع الأسمنت في السوق المحلية، اللجوء إلى بدائل وقود مختلفة للتشغيل، مثل الفحم والمازوت، كحل يغنيها عن الزيادات التي فرضتها الحكومة في أسعار الطاقة وبالتحديد في الغاز الطبيعي الذي زاد من تكلفة مدخلات الإنتاج.
في هذه الفترة، تصدر ترشيد استهلاك الغاز والعودة إلى المازوت جهود الحكومة المصرية، من أجل توفير كميات كبرى من الغاز الطبيعي، وتصديره إلى أوروبا، التي تشهد أزمة كبيرة في الطاقة على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتأتي الرغبة في ترشيد وتقليل استهلاك الغاز، مدعومة بتحقيق مصر رقما قياسيا في تصدير الغاز الطبيعي، بلغ 8 ملايين طن عام 2022 مقارنة بنحو 7 ملايين طن العام السابق له. وبقيمة بلغت 8.4 مليارات دولار، مقابل نحو 3.5 مليارات دولار عام 2021. بنسبة زيادة 140%، وذلك بسبب زيادة الأسعار بالأسواق العالمية.
ضد توصيات المناخ
مع هذا التحول، يرى البعض أن العودة إلى استخدام المازوت في تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء، بدلًا من الغاز الطبيعي، له أضرار جانبية. منها ما يتعلق بزيادة التلوث البيئي، والتأثير سلبًا على أعمار تلك المُحركات، التي تحتاج لصيانة أكثر تكلفة.
ويرى “وائل. ا” رئيس إحدى شركات الطاقة المتجددة، أنه حتى إذا كان سعر الغاز الطبيعي الذي سيتم تصديره أعلى من المازوت الذي سيتم استيراده، فعلى الحكومة أن تأخذ في حساباتها التأثير السلبي لاستخدام المازوت على كفاءة المصانع -أسمنت وغيرها- وحجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة بالبيئة.
وقال في تصريح خاص لـ “مصر 360″، إن نسبة المازوت في إنتاج الكهرباء كانت قد بلغت 25% في العام 2014-2015. وتراجعت إلى أقل من 2% في العام 2020-2021 مع تحسن موقف مصر من إنتاج الغاز الطبيعي وتحولها لدولة مصدرة. لكن مع العودة إلى استخدام المازوت اضطرت إلى استيراده مجددا بالعملة الصعبة.
تابع: هذا التوجه يتعارض مع التوجهات العالمية، وتوصيات قمم المناخ التي تعقد بشكل دوري، للمناداة بحتمية الحفاظ على المناخ، وخفض الانبعاثات الضارة الملوثة.
كما انتقد اتجاه المصانع للاعتماد على المازوت بداعي أن حرقه أرخص 4 مرات من حرق الغاز الطبيعي “فتحقيق المكاسب على حساب المناخ لن يُجدي كثيرا. لأنه سيتم إنفاق أموال طائلة لاحقًا لخفض الانبعاثات والحفاظ على البيئة”.
انكماش حركة البناء
مع الزيادة التي لحقت مؤخرًا بتسعيرة بيع المازوت في مصر والتي بلغت 6 آلاف للطن، فسيتبع ذلك زيادة على مستوى تكاليف إنتاج مختلف المنتجات القائمة على المازوت في عملياتها التشغيلية. وبالتالي، سيتحرك سعر بيع المنتج النهائي. وفق مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول.
وأشار يوسف، في تصريح خاص لـ “مصر 360″، إلى أن الزيادة الأخيرة في أسعار المازوت سترفع تكلفة الإنتاج لدى مصانع الأسمنت التي تشغل به بعض خطوطها، وإن كان التسعير في النهاية يخضع بشكل أساسي للعرض والطلب في السوق.
تابع: كذلك، جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يلزم شركات الأسمنت بوضع سقف للإنتاج يتناسب مع مستوى الطلب المتوقع. وذلك بموجب قرار خفض الإنتاج الذي جرى تمديده حتى منتصف يوليو/ تموز 2023.
وصرح رئيس شعبة الأسمنت أحمد شيرين، في تصريح خاص لـ “مصر 360″، أن الزيادة التي حدثت بالنسبة لسعر المازوت سيتبعها تحرك على سعر بيع المنتج النهائي من مصانع الأسمنت. باعتبار أن المازوت هو المشغل لنحو 40% من طاقة المصانع. متوقعًا وصول الزيادة إلى نحو 100 لـ 150 جنيهًا في الطن الواحد.
ولفت إلى أن تكلفة الإنتاج هي عنصرًا مهمًا في تحديد تعريفة طن الأسمنت في السوق، لكن المحُدد الرئيسي هو حجم العرض والطلب. الذي يتم على أساسه تحديد سعر البيع للمستهلك النهائي. مشيرا إلى أن أي تحرك على مستوى سعر بيع مواد البناء -وليس الأسمنت فقط- يؤثر تلقائيًا على حركة البناء في السوق “فتراجع أسعار مواد البناء يزيد من انتعاش السوق العقاري. وعلى العكس أيضًا، ارتفاعها يزيد من معاناة المشروعات السكنية والعقارية التي تُنفذ بالدولة”.
تأثير متوقع على التضخم
أشار مدحت يوسف إلى تأثير آخر متوقع لتحريك أسعار المازوت -بخلاف تبعاته على صناعة الأسمنت- وهو الخاص باحتمالية ارتفاع معدلات التضخم محليًا خلال الفترة القادمة. فقد تأثرت مصر خلال 2022 والربع الأول من 2023 بتبعات الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها على ملف أسعار الوقود، الذي أدى إلى ارتفاع مؤشرات التضخم، ووصولها إلى مستويات قياسية.
وتشير بيانات البنك المركزي إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى 31.24% على أساس سنوي خلال الشهر الأول من العام الجاري، مقارنة بنسبة 24.4% في الشهر الأخير من 2022.
ولفت يوسف إلى أن اقتراب شهر رمضان في ظل الأسعار الحالية المستمرة في الصعود وتأثر بعضها بحركة أسعار الوقود بما فيها المازوت -المؤثر الأول حاليًا على صناعة الأسمنت وغيرها- سيزيد من ارتفاع معدلات التضخم خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان.
وقال: كميات كبيرة من السلع الاستهلاكية خلال شهر رمضان يتم استهلاكها من الخارج بأسعار مرتفعة، وستؤدي كذلك إلى مزيد من التضخم. وإذا أخذنا في الاعتبار تأثير حركة الوقود على السوق، فإن الوضع داخليًا سيشهد مزيدًا من التحرك على التضخم غير القابل للسيطرة عليه، إلا بمزيد من إجراءات الحماية للسلع والمنتجات من ارتفاع تكلفة إنتاجها.
هل تحول المصانع للسولار يحل الأزمة؟
استبعدت مصادر بالشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس”، احتمالية لجوء بعض مصانع الأسمنت إلى الاعتماد بصورة كثيفة على مصادر أخرى للطاقة كالغاز أو السولار. وذلك لتفادي الزيادة الأخيرة في أسعار المازوت.
أوضحت المصادر، التي تحدث إليها محرر “مصر 360″، أن أي تغيير في المحركات التشغيلية للمصانع -لتشغيلها بالسولار البديل للمازوت- تحتاج إلى تكلفة باهظة وهذا ليس متاحًا لدى كافة الشركات. كذلك باقي أنواع الوقود ليست ببعيدة عن تحركات الأسعار، فغالبية موارد الطاقة شهدت ارتفاعًا في الأسعار خلال الفترة الماضية.
بعبارة أخرى “لا يوجد مصدر للطاقة سعره ثابت. لذلك، التحول لمصادر أخرى لن يكون له عائد اقتصادي أكثر جدوى من المازوت”، وفق تعبير أحد المصادر.
أشار المصدر نفسه، أيضا، إلى إمكانية لجوء بعض مصانع الأسمنت للحصول على التمويلات بنكية للاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، التي قد تحقق وفرًا -ليس بكبير- لمصانع الأسمنت وتجنب التأثر بحركات أسعار الوقود الأحفوري “مازوت وفحم وسولار وغاز”.
صادرات مصر من الأسمنت
خلال عام 2022 ارتفعت صادرات مصر من الأسمنت بنسبة وصلت إلى 44%، لتسجل 670 مليون دولار، مقابل 465 مليون دولار خلال 2021، حيث تم التصدير لحوالي 77 دولة.
وأظهر التقرير الشهري الصادر عن المجلس التصديرية لمواد البناء، استحواذ 10 دول على 76.8% من إجمالي صادرات مصر من الأسمنت خلال 2022، بقيمة 514.395 مليون دولار.
وحلت غانا في المركز الأول بقائمة أكبر الدول المستوردة للأسمنت من مصر بنسبة 22,2% من إجمالي قيمة الصادرات بنحو 148.578 مليون دولار في مقابل 68.257 مليون دولار بنمو 118%. واحتلت ساحل العاج المركز الثاني بقائمة الدول المستوردة للأسمنت المصري بقيمة 84.783 مليون دولار خلال 2022 في مقابل 66.206 مليون دولار بنمو 28%.
ونمت قيمة صادرات مصر من الأسمنت إلى الكاميرون بنسبة 265% لتسجل 64.406 مليون دولار مقابل 17.668 مليون دولار، ولفلسطين بنسبة 117% لتبلغ 26.289 مليون دولار في مقابل 12.119 مليون دولار. وقفزت قيمة صادرات الأسمنت المصري للجابون بنسبة 829% خلال 2022 لتبلغ 21.011 مليون دولار في مقابل 2.261 مليون دولار خلال 2021، ولغينيا لنحو 20.43 مليون دولار في مقابل 7.501 مليون دولار.
وزادت قيمة صادرات مصر من الأسمنت إلى السودان بنسبة 59% لتسجل 50.261 مليون دولار مقابل 31.529 مليون دولار، ولأمريكا بنسبة 36% لتبلغ 30.741 مليون دولار في مقابل 22.574 مليون دولار، ولأوغندا بنسبة 34% لتبلغ 19.572 مليون دولار في مقابل 7.501 مليون دولار. وتراجعت صادرات مصر من الأسمنت إلى ليبيا لنحو 48.327 مليون دولار خلال العام الماضي في مقابل 73.679 مليون دولار خلال 2021 بانخفاض 34%.