كتب – شريف العصفوري:

جهود التقريب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بدأت بجهود من العراق وسلطنة عمان والأخيرة، تتبنى خطا ديبلوماسيا ينبئ بها عن الصراعات العميقة أو السطحية بين الأقطاب الإقليمية، وهي لمن لا يعلم تختلف عن جوارها تاريخيا باستقلالها ووجودها التاريخي وعقيدتها الأباضية (من فرق الخوارج).

أما العراق الجديد/ القديم بعد جروح وندوب البعثية والغزو الأمريكي والمحن الطائفية صار مفتوحا للعب دور ديبلوماسي لوقف حروب الوكالة على أرضه أو خارجها.

الوساطة الصينية التي أعلنت عن التقارب من بكين في توقيت نيل الرئيس الصيني الولاية الثالثة (المستحدثة).

ما لفت نظري أولا أن عودة العلاقات خلال شهرين؟ لماذا ليس فورا؟؟ أن الإعلان ليس عن اتفاق سياسي أو إعلان مبادئ بل عن عملية تصاعدية وتراكمية يلزمها حوكمة القادم، دعني أترككم هنا وأستعرض سيناريو تخيلي.

فرضا قامت حرب محدودة بين إسرائيل والولايات المتحدة (إحداهما أو معا) ضد إيران (حرب قائمة بالفعل منذ عقود) ولكن فلنقل إن طرفي ما قام بتدمير البنية الأساسية النووية لإيران، وأن الضربة حققت نجاحا ما بين 50-60%، وكان موقف الدول الخليجية وبالذات السعودية متعاطفا مع/ أو منحازا للضربة، أسهل ردا إيرانيا هو تدمير القدرة الإنتاجية للنفط ومصافي التكرير في المنطقة الشرقية بالسعودية وربما بكل دول الخليج الأقرب لإيران، بالحد الأدنى من الأسلحة الحديثة والصواريخ متعددة المراحل والعابرة للقارات.

سيصاب الغرب بضربة قوية وموجعة، لكن الضربة الأكبر ستصيب الصين وهي أكبر مستورد للنفط السعودي منذ عامين، الولايات المتحدة لديها اكتفاء ذاتي وقد تستطيع إذا ما انفجر سقف الأسعار نتيجة للحرب التخيلية (السيناريو المفترض) أن تصبح أكبر مصدرا للنفط في العالم بإطلاق إنتاج النفط الحجري، لكن إعادة بناء الاقتصاد الخليجي أو السعودي قد يحتاج لعقد من الزمان، بفرض انتهاء المواجهات سريعا.

إيران تستخدم ديبلوماسية فائقة منذ عدة عقود، وقد استطاعت الوصول لصفقة تاريخية بخصوص القلق الإسرائيلي/ الأمريكي بمفاوضات خمسة زائدين واحد (تحت إدارة باراك أوياما ) ولكن الإدارة الأمريكية تخارج من الاتفاق بعد سنة من توقيعه تحت إدارة دونالد ترامب، إيران تضغط وبشدة على العالم لجعل أمريكا تعود للاتفاق، مفاوضات جارية منذ تولي إدارة جو بايدن للعودة للاتفاق (عامين)، إيران تسرب للعالم زيادة تركيز اليورانيوم إلى 83% وهي نسبة قريبة جدا من 90% وهي نقطة التحول إلى اليورانيوم المستخدم في الأسلحة.

نعود للتقارب الإيراني السعودي، هناك نقاط ما زالت عالقة، وهي تحمل انتصارات وانكسارات هنا وهناك، ملف سوريا واليمن حملهما ولي العهد محمد بن سلمان قبل وصوله للولاية أيام كان وزيرا للدفاع، والملفان يحملان قدرا كبيرا من انكسار الأهداف السعودية وعبثية الحرب، فالنظام السوري باق ببشار الأسد بدعم إيراني أولا وروسي ثانيا وأكثر فعالية، واليمن استنزف مالية وقدرات السعودية والإمارات للعديد من السنوات دون بارقة أمل انتصار للسعودية وحلفائها، والغرب وبالذات الولايات المتحدة تكسبوا من الإنفاق العسكري ثم حظروا توريد الأسلحة لفرض وقف إطلاق نار. أما لبنان فهو يغرق اقتصاديا فقد توقفت إيران عن دفع أجرة حزب الله لتدخله في سوريا، والسعودية توقفت عن دعم الحكومة اللبنانية التي سيطر على تشكيلها حزب الله، وهكذا خسر لبنان تمويل الاثنين.

برأيي أن الاتفاق الصيني للتقارب، بارع سياسيا ولأغراض دعائية أكثر منه واقعيا، السعودية تأمل من الاتفاق النأي بالمملكة عن أخطار حرب قد تطال خسائرها العميقة المملكة، وإيران تريد فتح شرخا في الجبهة الأمريكية/ الإسرائيلية/ السنية التي تحاول الديبلوماسية المناوئة بنائها.

ماذا تملك الأطراف الأخرى لفعله إزاء الإعلان الصيني؟ كمْ مرة أعلنت دول عربية المصالحة أو الوحدة الاندماجية ثم عادت لشفير الحرب أو تجاوزته؟ هناك مثال تقليدي مهم، عندما أدرك الاتحاد السو ڤ ييتي أن ألمانيا النازية بصدد حرب كبرى، توصلت الدبلوماسية السوفيتية إلى معاهدة بين جوزيف ستالين وادولف هتلر بعدم الاعتداء، وسريا بتقاسم بولندا، إلا أن حتى الانتصارات الألمانية الكبرى لم تثن هتلر عن غزو الاتحاد السوق ڤ سيتي دون ذرائع في يونيو ١٩٤١. تميزت إيران والسعودية ببراجماتية سياسية جبارة طوال العقود من بعد 1988 (نهاية الحرب الإيرانية العراقية- وقفت السعودية خلف العراق). باستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية تدمير الاتفاق باصطناع هجوم بحوثي على السعودية! أو حتى اغتيال قيادات سعودية بواسطة متطرفين أو مشعوذين (تمتلئ منطقتنا بهم)، لماذا زار وزير الخارجية الأمريكية بلينكن الرياض هذا الشهر؟

هناك متغير آخر مهم، إيران ستتزود بمنظومة الصواريخ الروسية أس 400 قريب، وهذا قد يجعل من الضربة الاستباقية الإسرائيلية أو الأمريكية على المنشآت النووية شبه مستحيلة أو يجعل احتمالات نجاحها صفرا. إسرائيل بغاراتها المستمرة على الضفة الغربية وعلي مراكز الوجود الإيراني في سوريا، منذ عام هو مؤشر آخر لإجهاض ردة الفعل الإيرانية المحتملة إذا ما ضربت إيران.

وصول الصواريخ الروسية المضادة للطائرات والصواريخ لإيران هو إغلاق لنافذة الضربة، فنحن فعليا أمام سباق ديبلوماسي استعدادا للحرب وليس تفاديا لها، ما يمنع وصول الصواريخ الروسية لإيران هو تسوية سريعة في أوكرانيا! اتفاقية تحفظ ماء وجه القيصر بوتين قبل مايو القادم، بوتين بعد أن خصخص الحرب وترك معركة باخموت بالكامل للجيش (القطاع الخاص) مجموعة واجنر لعدة شهور دون نصر، جعل رئيس شركة واجنر ينتقد العقيدة العسكرية الروسية وطريقة إدارة الحرب وعقيدة القادة العسكرية!

نحن إذن (برأيي المتواضع) أمام مهلة زمنية لكل الأطراف، امتداد الحرب في أوكرانيا يعني من ضمن ما يعني وصول منظومة أس 400 لإيران، فإما ضربة عسكرية لإيران قبل وصول المنظومة، وبالاتفاق قد تنجو المملكة العربية السعودية من الآثار المدمرة لردة الفعل الإيرانية. أو استسلام أمريكي/ إسرائيلي لإيران النووية، وتجعل السعودية السنية في مواجهة إيران الشيعية (الدولتان مبنيتان على العقيدة مثل الاتحاد السوفييتي وألمانيا سنة 1939) دون الحلفاء الغربيين، فقط ستعتمد سلامة المملكة على رغبة الصين في إقرار السلام الصيني في الشرق الأوسط.