أصدر اتحاد الناشرين العرب مؤخرًا، دراسة للكاتب خالد عزب، يتناول فيها تأثيرات كورونا على حركة النشر والترجمة. وقد رصدت التأثير السلبي للجائحة، خاصة  فى ليبيا واليمن ولبنان، وتناولت أيضًا حركة تسويق الكتب والتوزيع إلكترونيًا في ظل الجائحة، ودفعت على سبيل المثال إلى دخول فضاء الكتاب الرقمي إلى ليبيا ونشاطه في السعودية.

اتخذ “العزب” عامي 2020-2021 مجالًا زمنيًا للدراسة، رصد خلاله مظاهر الركود الذي أصاب المنطقة بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، بعد أن كانت سنوات سابقة على الجائحة شهدت توسعًا فى حركة النشر لا سيما في بلدان عربية ضمنها السعودية والإمارات والأردن والمغرب.

دراسة خالد عزب
دراسة خالد عزب

أدوار مجامع اللغة

تناولت الدراسة تأثيرات الجائحة على النشر، إذ ضرب “العزب” مثالًا على مجمع اللغة العربية فى دمشق، والذي نشر 21 كتابًا خلال 2014، بينما تراجعت الإصدارات إلى 5 كتب عام 2021.

أما مجمع اللغة العربية في القاهرة، فكانت مطبوعاته محدودة التوزيع، ولم تتح رقميًا، في الوقت الذي تبنى مجمع اللغة العربية في الأردن خطة تفاعلية عبر الإتاحة الرقمية لكل مطبوعاته.

حسب الدراسة، تفاعل مجمع الملك سلمان للغة العربية في زمن قياسي مع متطلبات العصر التقنية، معتمدًا على الذكاء الاصطناعي، فوفر مدونات لغوية متخصصة، بينما يعد مركز أبو ظبي للغة العربية من المبادرات الحديثة الفاعلة، تبنى مشاريع منها مائة كتاب، مائة لتعريف القراء العرب بأهم الروايات العربية.

مراكز الترجمة

رصدت الدراسة تراجع دور المركز القومي للترجمة في القاهرة، وصعود دور مركز الترجمة التابع لجامعة الملك سعود في الرياض، وتوقعت زيادة عدد الكتب المترجمة نتيجة لمنحة هيئة الأدب والنشر عبر مبادرة “ترجم”، والتي تدعم الناشر والمترجم السعودي، وصدر ضمن المنحة خلال 2021 عدد 222 كتابًا مترجمًا، فضلًا عن مشروع الهيئة لترجمة 42 دورية علمية في مختلف التخصصات.

كذلك شهد العراق حركة ترجمة نشطة، خاصة عبر دار المأمون الحكومية، وقدمت الدار في السنوات الأخيرة 150 كتابًا مترجمًا، ولديها خطة لتقديم 100 كتاب مترجم، كما  قدمت دار الرافدين عددا من العناوين التي لاقت إقبالًا في المنطقة العربية.

النشر باللغة العربية خارج المنطقة

رصدت الدراسة تصاعد وتيرة النشر باللغة العربية خارج المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، خاصة في لندن وباريس وليدن “مدينة هولندية” وألمانيا وكندا، وتوسعت دار المتوسط التي تنشر من ميلانو في نشاطها. كما ترجمت بعض أعمال الأدب العربي إلى الإيطالية.

على جانب آخر، لفتت الدراسة الانتباه إلى انتقال متصاعد لنشر الكتب العربية وكتب الدراسات الإسلامية في الهند وإندونيسيا في ظل وجود سوق كبير للكتاب العربي في الهند وجنوب شرق آسيا. وهذا ما قد يعزز انتقال ثقل إنتاج ونشر كتب الدراسات الإسلامية إلى هذه المنطقة.

مساهمات قطاعات النشر

خصصت الدراسة قسمًا لحالة النشر ووزنه في الاقتصاد، إذ يساهم قطاع النشر في الإمارات بـ 260 مليون دولار من إجمالي الدخل الوطني، ومقدر أن يرتفع إلى 650 مليون دولار بحلول عام 2030.

يوجد في الإمارات وحدها 166 دار نشر، وتبرز ثلاثة مراكز للنشر في الإمارات، هي: أبو ظبي، ودبي، والشارقة.

وقد بينت الدراسة أن الأردن لديه خطة واعدة للنهوض بقطاع النشر وضعتها وزارة الثقافة الأردنية. خاصة مع صمود دور النشر خلال جائحة كورونا، ومع إطلاق منصة (الكُتْبا) للكتب الرقمية لتحفيز الشباب على القراءة.

فيما ذهبت الدراسة إلى أن حركة النشر في موريتانيا باتت على المحك في ظل ضغوط عديدة، وتفضيل الأدباء والكُتاب الموريتانيين النشر خارج موريتانيا، فضلًا عن قلة وضعف بنية المكتبات العامة.

تونس والجزائر

وبالرغم من الأزمات السياسية والاقتصادية، إلا أن مشهد النشر في تونس يبرز صمودًا نسبيًا طبقًا للدراسة، فبرزت دار نشر سوتيميديا التي استطاعت أن تقدم أقلامًا جديدة لحركة النشر العربية. وكانت الدار في عام 2019 نشرت 23 كتابًا، تراجعت في عام 2020 إلى 14 كتابًا، لتعود في عام 2021 لتنشر 23 كتابًا في مؤشر على استعادتها لقدراتها.

وفي مدينة صفاقس تبرز دار نشر محمد علي التي تأسست عام 1983، وهي بالرغم من جائحة كورونا استطاعت زيادة عدد مطبوعاتها بفضل شبكة من المؤلفين المتعاونين معها الذين يتجاوزون 400 مؤلف وشبكة قراء كبيرة.

وتتوقع الدراسة طبقًا لعدد من المعطيات أن تحتل الجزائر خلال السنوات المقبلة مكانة متقدمة في حركة النشر العربية. ويعود هذا إلى وجود أجيال جديدة من الأدباء والمفكرين الواعدين.

كانت الجزائر تنتج سنويًا بين 400 إلى 600 عنوان، حتى تسعينيات القرن العشرين، ليرتفع العدد إلى 1000 عنوان. والآن تصدر سنويًا بين 3 آلاف و5 آلاف. وقد أثرت  الجائحة سلبًا، فصدر 218 كتابًا خلال 2021.

قطر تصاعد تدريجى مدفوع بجهود الجامعات

وتشهد قطر منذ عقد تقريبًا تصاعدًا تدريجيًا في نشر الكتب وإن تراجع نسبيًا في عام 2021 إلى 914 عنوانًا. ويعود النشاط إلى تأسيس كل من جامعة حمد وجامعة قطر لداري نشر وكذلك بدء مؤسسة كتارا في النشر، وكذلك ظهور عدد من دور النشر الخاصة لأول مرة بقطر بصورة أكثر احترافية من ذي قبل.

سوريا.. الثقافة أسيرة الحرب

تركت الحرب والأوضاع الاقتصادية آثارها على حركة النشر في سوريا حتى أغلقت مكتبات ودور نشر، ومنها دار معابر التي تخصصت في الكتب المترجمة وكتب الفلسفة.

أتى هذا الإغلاق أيضًا بسبب هجرة المترجمين السوريين إلى خارج سوريا. وفي ظل الأزمة ابتكرت الدار بين عامي 2015 و2021 تأجير كتبها للطلبة، إلا أنها انهارت، فاضطرت للإغلاق، في حين أن دار كنعان للنشر والتي تأسست عام 1989 خفضت عدد النسخ التي تطبعها من 4000 إلى 500 نسخة.

لبنان والسعودية والمغرب

كذلك، تراجعت حركة النشر في لبنان خلال عامي 2020 و2021 بصورة غير مسبوقة، بينما احتلت السعودية المرتبة الأولى عربيًا لأول مرة في عدد الكتب الصادرة في تاريخ النشر العربي.

صدر 16500 عنوانًا خلال عام 2021 عدد 16500 عنوانًا، وذلك يعود لسياسات تحفيز النشر وأيضًا وجود دور نشر قوية حافظت على قدراتها، كما  جرير والعبيكان ودار المنهاج، فضلًا عن الجهود المثمرة لهيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة.

وحسب الدراسة، تعد المغرب من مراكز النشر العربية الواعدة، فبينما تراجعت حركة النشر نسبيًا خلال عامي 2020 حيث نشرت 2702 عنوان، وفي عام 2021 نشرت 2382 عنوانًا.

السودان والعراق واليمن

لا يتناسب عدد الكتب المنشورة في السودان، طبقًا للدراسة، مع عدد القراء، فالسودانى قارئ نهم، فضلًا عن وجود طبقة من الكُتاب والأدباء السودانيين لا يقابلهم حراك للنشر مواز لهم. ورغم  جائحة كورونا، هناك زيادة طفيفة في الكتب المنشورة.

نشر السودان 853 عنوانًا في عام 2019، وفي عام 2020 نشر 873 عنوانًا. ويعود ذلك إلى دور نشر جديدة دخلت ساحة النشر كصدى للحراك السياسي في السودان طبقًا للدراسة.

كشفت الدراسة أن العراق ليس لديه سياسة وطنية تدعم صناعة النشر. رغم أنها رصدت نجاحًا غير مسبوق لمعرض البصرة للكتاب الذي أقيم عام 2019.

أيضًا، مثلت هجرة الكتاب اليمنيين ملمحًا جديدًا في حركة النشر. وقد نشرت دار أروقة في القاهرة 42 عنوانًا لكُتاب يمنيين، ولكن النشر في اليمن مازال يقاوم للبقاء، ومن دور النشر التي مازالت تنشر بشكل جيد، دار حضرموت، ومازال هناك 25 دار نشر مازالت تعمل في اليمن.

حركة النشر في مصر

تراجعت حركة النشر والكتاب في مصر، ترصد الدراسة تطورًا في أداء دار المعارف ودار المحروسة، وظهور دور نشر على يد جيل جديد من شباب الناشرين مثل دار إشراقة التي قدمت جيلا جديدا من الكُتاب والمترجمين،  ومنصة كتبنا التي نشرت 1550 عنوانا مطبوعا و1850 كتابا رقميا.

استطاعت  بعض دور النشر تجاوز الركود الذي أصاب الكتاب مع أزمة كورونا ، في حين كانت تجربة مكتبة الأنجلو عبر منصتها الرقمية ملفتة للانتباه حيث أتاحت بعض اصدارتها للقراءة المجانية مما جذب الزورا لها وزاد من الاقبال علي كتبها المطبوعة.

فى الكويت، ارتفع عدد الناشرين من 119 إلى 125 ناشرًا، وزاد عدد الكتب المنشورة ليتجاوز لأول مرة حاجز الألف عنوان، ووصل عدد العناوين المنشورة في 2021 إلى 2038 عنوانًا.

الوضع في فلسطين

رغم تعسف الاحتلال الإسرائيلي، ما يزال النشر في فلسطين متماسكًا ويقدم إبداعات جديدة، وإن كان عدد المطبوعات لم يتراجع كثيرًا في ظل كورونا.