هو سؤال ظل مطروحا لسنوات طويلة دون إجابة قاطعة: هل ستعود العلاقات المصرية الإيرانية؟ ولماذا ظلت مقطوعة منذ نجاح الثورة الإيرانية في 1979 وإلى الآن؟ والحقيقة أن هذا السؤال أعيد طرحه مرة أخري عقب الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي برعاية صينية، وأعلنت فيه كلا الدولتين عودة العلاقات الدبلوماسية والبدء في حل المشاكل العالقة بينهما وخاصة في ساحات الصراع في اليمن ولبنان.
مصر وإيران
كانت علاقة مصر الملكية بإيران الملكية في أفضل حال، وعرفت مصاهرة ونسبا ولم يكن أحد يميز بين سنية تعيش هنا وتتزوج شيعي يعيش هناك، واستمرت العلاقة على أفضل حال حتى قامت ثورة يوليو 52 والتي أتخذت توجها تقدميا اشتراكيا حارب “الإمبريالية” الأمريكية وحلفاءها في المنطقة وعلي رأسهم نظام شاه إيران.
وقد دعمت مصر محاولة رئيس الوزراء الإيراني الإصلاحي محمد مصدق وسميت الشوارع باسمه ولكن سرعان ما انكسرت تجربته بإنقلاب خشن وبقي الشاه في الحكم حتي اندلاع الثورة الإيرانية في 1979.
وهنا تبدو المفارقة في علاقة مصر بإيران ففي عصور مصر الجمهورية عرفت البلاد نظاما اشتراكيا تحرريا واجه الاستعمار وأمريكا وإسرائيل، في مقابل نظام ملكي إيراني تحالف معهم، وحين تأسست الجمهورية الإسلامية في إيران عقب نجاح ثورتها بقيادة الإمام الخميني وبدأت في مواجهه “الاستكبار العالمي” أي أمريكا والغرب وأعلنت قطع علاقتها بإسرائيل كانت مصر في نفس التوقيت تطبع علاقتها مع إسرائيل عقب توقيع الرئيس السادات على معاهدة كامب دافيد في 1979.
والحقيقة أن إيران تغيرت في السبعينيات عكس التغير الذي عرفته مصر في نفس الفترة أي حين كانت مصر “ممانعة” كانت إيران معتدلة ومطبعة، وحين تحولت إيران إلي الممانعة ورفضت الهيمنة الأمريكية كانت مصر تتحول نحو الاعتدال و99% من أوراق الحل في يد أمريكا، وهي مفارقة ظلت تحكم علاقة مصر بإيران، وأن توجهات نظمها الجمهورية كانت في كل بلد عكس الأخرى.
وعقب مجيء الرئيس مبارك للحكم ظل الوضع على ماهو عليه، فظل الرجل مخلصا لمعادلة “الثبات على الثبات” ولم يستجب لبعض الدعاوي التي طالبت بعودة العلاقات بين البلدين، واعتبر أنها ستعمل “دوشة” وربما سوء فهم مع الدول الخليجية، كما كانت هناك مخاوف أمنية بعضها صحيح من تمدد الأذرع الإيرانية في مصر، وكثير منها كان وهميا وخاصة ما روج عن خطط التشيع.
ورغم أن هناك تيارا مهما وسط النخب المصرية والعربية ظل يدافع عن فكرة تحالف الثلاثة الكبار أو الأهرامات الثلاثة أي مصر وتركيا وإيران، وهي فكرة ظل لها بريق نظري وحضور في أوساط من يعطون بعدا حضاريا في علاقات التحالف الاقتصادي والسياسي بين الدول واعتبروا التاريخ الحضاري الإسلامي الذي يربط بين الدول الثلاثة بمثابة عنصر مهم يعزز من فرص التحالف السياسي والاستراتيجي بينهم.
التحديات السياسية
إذا كانت هناك أبعاد ثقافية وتعقيدات سياسية حكمت عودة العلاقات بين مصر وإيران، فإن السؤال المطروح لماذا لا تعود هذه العلاقات خاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني؟، وهل ستنقلب الدنيا لو عادت هذه العلاقة أم أن الأمر يحتاج لقرار مصري جريء يعيد هذه العلاقات الدبلوماسية مرة أخري؟
الحقيقة أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران لا تعني بالضرورة أنهما متفقان في كل الملفات، إنما تعني إيجاد طريقة متحضرة لحل الخلافات بعيدا عن التحريض أو الأدوات الخشنة من عنف وسوء فهم وتآمر.
وإذا كانت العلاقات بين السعودية وإيران قطعت في 2016 وظلت متوترة حتى الآن ودخلا فيما بينهم في حملات تحريض وحروب بالوكالة في أكثر من ساحة عربية ومع ذلك قررا عودة العلاقات، في حين أن أحد أسباب تردد مصر في إعادة علاقتها مع إيران ترجع إلى عدم إغضاب الدول الخليجية في حين أن معظم هذه الدول بما فيها الإمارات لديها علاقات دبلوماسية مع إيران وأن السعودية خصمها اللدود ستعيد علاقاتها معها وفق الاتفاق الذي رعته الصين
يقينا الموقف المصري حكمته أيضا دوافع داخلية بعضها يرجع لاعتبارات أمنية لم تكن في محلها لأنها اعتبرت العلاقات مع إيران مدخل لاختراق مصر في حين أن علاقات مصر مع دول العالم كله بما فيها إسرائيل لم ينظر لها على أنها أداة لاختراق مصر، إنما تعتبر العلاقات الدبلوماسية ساحة آمنه وشفافة لا بديل عنها لحل الخلافات بين الدول ولا تعني التحالف والاتفاق، وأن تحدي الاختراق تواجهه الدول بأدوات مختلفة لأنه وراد حدوثه بصرف النظر عن وجود علاقات ديبلوماسية من عدمه.
سيبقى على مصر أن تعيد تقييم أسباب تلك القطيعة الممتدة مع إيران منذ 44 عاما، وهو أمر غير معتاد في السياسة الخارجية وفي العلاقات بين الدول، فلم يكن بين مصر وإيران حروب دامية استمرت لسنوات، وحتى الدول التي دخلت فيما بينها في حروب عالمية (الأولي والثانية) سقط فيها ملايين الضحايا عادت وأصبحت علاقتهم “سمن على عسل” وبعضهم دخل في تحالفات استراتيجية مشتركة.
يقينا الخبرة السياسية المصرية مختلفة عن الإيرانية، ونظامنا الجمهوري يختلف عن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، كما أن هناك ملفات سياسية تختلف فيها مواقف البلدين عن بعضهما البعض إلا أن عودة العلاقات لا تعني إلغاء الخلافات إنما هي ضمانة لعدم تعمقها، وأيضا تفتح الباب أمام تحقيق مصالح مشتركة يستفيد منها كلا الشعبين.