في الثاني من مايو/ أيار، 2017 أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال حديث مع قناة “الإخبارية” السعودية، أن المملكة “لن تُلدغ” من إيران مجدداً. مشدداً على أنه لا توجد نقاط التقاء بين الرياض وطهران للحوار والتفاهم.
وقتها، أكد الأمير الشاب -خلال الحديث- أن عهد وثوق السعودية في إيران ولّى، مشدداً: “لا يُلدغ المرء من جحر مرتين”. مستطردا: لُدغنا من إيران مرة، المرة الثانية لن نُلدغ. ونعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني. الوصول لقمة المسلمين هدف رئيسي لإيران، ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية.
خمسة سنوات وثمانية أشهر، كانت هي المدة التي انقلب فيها الوضع رأسا على عقب. لتعلن الرياض وطهران عن اتفاق تاريخي، يقضي باستئناف العلاقات بينهما، بوساطة صينية، في أعقاب لقاءات سرية في بكين بين الأطراف الثلاثة.
تضمن الاتفاق تأكيد البلدين “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. واتفقا أيضا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعا لترتيب تبادل السفراء ومناقشة طرق تفعيل الاتفاق، كما اتفقا على تفعيل “اتفاقية التعاون الأمني” الموقَّعة بينهما عام 2001، و”الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب” الموقَّعة عام 1998.
اقرأ أيضا: “محور الشرق الأوسط يتغير”.. دلالات الاتفاق السعودي- الإيراني بوساطة صينية
إذا، ما الذي تغير؟ وما التداعيات والتأثيرات المرتقبة للاتفاق؟ وما هو حجم التأثر المصري به، وفرص القاهرة المتوقعة من ورائه؟
جميعها تساؤلات تنتظر إجابة واضحة منذ الإعلان عن الاتفاق.
أسباب سعودية
يرى مصدر خليجي رفيع المستوى، مطلع على اتخاذ القرار في المملكة، إن الاتفاق وإن بدا أنه جاء مفاجئا، إلا أنه محل تفكير دقيق وعميق داخل دوائر صناعة القرار الأمريكي منذ نحو ثلاثة أعوام. وبالتحديد في أعقاب الهجمات على المنشآت النفطية لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019، وطريقة التعامل الأمريكي معها برد باهت.
بحسب المصدر الخليجي، أيقنت المملكة بعد تلك الواقعة ضرورة تنويع الحلفاء الأمنيين، من جهة، ومن جهة أخرى البحث مسار يجنبها “الحماقات الإيرانية “.
الرياض، وفقا للمصدر، أرادت أن تواجه مخاوفها بشكل غير تقليدي. خاصة في ظل مرارة لدى صانع القرار السعودي جراء الخذلان الأمريكي. قال: ” طرحت دوائر سعودية تساؤل هام، مفاده لماذا لا نبحث عن حل مع مصدر التهديد نفسه، المتمثل في إيران”. وكانت الإجابة أنه رغم إدراك السعودية للنوايا الإيرانية، وحالة التنافس بين الرياض وطهران على مساحات النفوذ في الإقليم، إلا أنه يمكن التوصل لنقاط التقاء بخلاف ما سبق وقاله ولي العهد محمد بن سلمان. لكن “للوصول لتلك النقاط، لابد من توافر ضمانات حقيقية، تضمن عدم إخلال الجانب الإيراني بأي اتفاق يمكن التوصل له”.
ويعتقد المصدر نفسه أن من بين الأسباب المتراكمة على مدار السنوات الأربع الأخيرة، والتي دفعت ولي العهد السعودي لتجرع الاتفاق مع إيران، هو عدم قناعته بجدية الوعد المصري “مسافة السكة “، في إشارة إلى وقوف مصر عسكريا إلى جوار المملكة حال تعرضها لتهديد عسكري حقيقي من إيران. لافتا إلى أن المواقف التي جرى خلالها اختبار ذلك الوعد، وعلى رأسها الحرب في اليمن، كانت كاشفة لصناع القرار في المملكة، والذين توصلوا لقناعة أنهم ربما يكونوا بمفردهم في مواجهة التحدي الإيراني.
بعيدا عن ذلك، يضيف رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، سببا آخر، ربما يكون من بين الأسباب التي دفعت الرياض إلى الاتفاق مع طهران.
يقول الروابدة لـ “مصر 360 “: إن المملكة ربما تكون وصلت لقناعة، بأن توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، في ظل الحديث عن معدلات مرتفعة لتخصيب اليورانيوم، وفقا لآخر تقارير وكالة الطاقة الذرية، بات أمرا حتميا. لذلك، تسعى من خلال الاتفاق للنأي بنفسها وتحييد أي رد فعل إيراني غاضب، حال اندلاع مواجهة إيرانية-إسرائيلية خلال الفترة المقبلة.
تدفئة العلاقات
في مقابل المصدر الخليجي، وصف أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الاتفاق السعودي- الإيراني بشأن استئناف العلاقات بـ “شديد الأهمية”. قائلا لـ “مصر 360” إنه يقود نحو مزيد من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف “حتما ستنعكس آثاره على ملفات المنطقة، مثل الأزمة اليمنية؟ خاصة وأنه سيساهم في تدفئة العلاقات بين دولتين اسلاميتين رئيسيتين في الإقليم”.
وأكد أوغلو أن الاتفاق يدعم بدرجة كبيرة إرساء السلام في الإقليم.
وكانت العلاقات بين الرياض وطهران قد انقطعت عام 2016، عندما هاجم محتجّون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعيّ معارض يُدعى نمر النمر
وعلى صعيد تأثير الاتفاق على العلاقات الأمريكية- السعودية، قال أوغلو إن “هذا سيرتبط بمسار تنفيذ الاتفاق خلال الأيام المقبلة”.
اقرأ أيضا: بعد استعادة العلاقات السعودية – الإيرانية.. هل تزيح الصين الولايات المتحدة من الشرق الأوسط؟
ماذا عن مصر؟
أثار الاتفاق السعودي- الإيراني، تساؤلات بشأن شكل وطبيعة العلاقات المصرية- السعودية خلال الفترة المقبلة. خاصة أنها تمر بمرحلة فتور في الوقت الراهن.
في هذا الإطار، يرى الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى، أن التطورات المتسارعة في المنطقة، تقتضي ضرورة مراجعة الموقف بشأن العلاقات المعطلة بين مصر وإيران. خاصة أنه لا يمكن بأي حال إغفال التحركات الإيرانية والتركية في المنطقة.
ويؤكد الأمين العام السابق للجامعة العربية، أن ملف العلاقات المصرية- الإيرانية في الوقت الراهن “متواجد على الطاولة”. في إشارة إلى أنه محل دراسة من المسئولين.
في المقابل لذلك، يعتقد مصدر مصري أن ملف تطبيع العلاقات المصرية مع إيران “ليس بالسهولة المتخيلة”، قائلا إن الأمر معقد، خاصة في ظل حالة التوسع في الاستحواذات الخليجية، وفي المقدمة منها السعودية.
ويتابع المصدر المصري “كذلك لا يمكن إغفال حجم الودائع السعودية في البنك المركزي المصري، والتي تتجاوز العشرة مليارات دولار، في وقت تعاني فيه مصر اقتصاديا، وليست لديها القدرة على تحمل أي هزة اقتصادية، نتيجة خلاف أو سوء تفاهم مع أيا من الشركاء الخليجيين وعلى رأسهم السعودية بالطبع”.
وقال: بالتأكيد ملف تحسين العلاقات مع إيران والاستجابة للرغبات الإيرانية، والرسائل المتتالية من طهران، محل دراسة بشكل مستمر. متابعا “أعتقد أنه لن يتجاوز هذا المربع على الأقل في الفترة القريبة المقبلة”.
ويشير إلى أن “السعودية وإن كانت تتجه إلى استئناف العلاقات مع إيران، فإن هذا لا يعني أن تتقبل بسهولة التوسع في العلاقات المصرية- الإيرانية. إذا أن الضغط بورقة مصر سيظل أحد أهم الركائز التي ستعتمد عليها السعودية في علاقاتها مع إيران، في ظل السعي الحثيث من جانب طهران لاستعادة العلاقات مع القاهرة، وإدراكها -أيضا- مدى تأثير السعودية في هذا المسار”.
أمّا التأثيرات الممتدة للاتفاق الوليد، أشار إليها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بقوله إن الاتفاق “ستكون له تأثيرات إيجابية” على علاقات طهران بدول المنطقة.
وأوضح كنعاني، في مؤتمر صحفي، إن الاتفاق الإيراني- السعودي ستكون له تأثيرات “إقليمية إيجابية أخرى”. بما في ذلك العلاقات بين إيران والدول الأخرى، حسب ما نقلت عنه وكالة تسنيم المحلية.
وأضاف أن الدبلوماسية “نتائجها جيدة”، مشيرا إلى أن الاتفاق بين إيران والسعودية “أثبت كفاءة الحلول الدبلوماسية لأي سوء تفاهم”. ولفت إلى أن إيران والسعودية “اتفقتا على عقد جولة جديدة من المفاوضات على مستوى أعلى من المحادثات السابقة، التي أسفرت عن اتفاق تقارب في بكين”.
في الخلاصة، يمكن القول إن الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات حتما سيكون من بين تأثيراته الإقليمية، إعادة النظر في العلاقات بين القاهرة وطهران، وما يستوجب نظرة خالصة للمصالح المصرية، خاصة في الفترة الراهنة، وتقاطع هذا الملف مع ملفات المصالح المصرية المختلفة في الإقليم، بما يمكن من مصر من إضافة أوراق لعب جديدة إلى جعبتها.
وفي هذا الإطار، يجب عدم الالتفات إلى الآراء المقللة من حجم التأثير المصري، ودور القاهرة في الفترة الحالية نتيجة الوضع الاقتصادي والأزمة التي تمر بها حاليا. إذ أن تلك الأزمة، وإن كانت تمثل عنصر ضغط، إلا أنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤثر على حجم ودور مصر في الإقليم، باعتبارها قوة وازنة.