هذه الأيام، تعيش تونس أوقاتا صعبة. بعد إلقاء القبض في أواخر يناير/ كانون الثاني على مسؤول نقابي بسبب تنظيمه إضرابًا. كما شنت حكومة الرئيس قيس سعيد سلسلة لا هوادة فيها من الاعتقالات ضد المعارضين السياسيين. واتهم الرئيس المعتقلين بـ “التآمر” ضد أمن الدولة ووصفهم بـ “الإرهابيين” دون تقديم أدلة كافية في معظم الحالات على التهم الموجهة إليهم.
أعطى هذا زخما لحركة احتجاجية نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي حشدت في 4 مارس/ آذار أكبر عدد من المتظاهرين ضد الرئيس قيس سعيد منذ توليه منصبه، مع احتجاجات كبيرة مماثلة نظمها تحالف من الأحزاب السياسية.
في تحليل نشره موقع ذا ناشيونال أنترست/ The National Interest، يشير كريم مزران مدير مبادرة شمال إفريقيا في المجلس الأطلسي. وسابينا هينبرج زميلة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. إلى أن هناك أربعة سيناريوهات يمكن تخيلها لكيفية حل هذه الأزمة.
وأكدا أن الأزمة الحالية في تونس “لا تمثل سوى قمة جبل الجليد”. حيث تنزلق منطقة شمال إفريقيا / الساحل بأكملها بسرعة إلى حالة من عدم الاستقرار العميق. وأنه يجب على الولايات المتحدة العمل مع الشركاء الأوروبيين تطوير خطة إقليمية أوسع للمصالحة السياسية، وإنفاذ حقوق الإنسان، والتعاون الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
اقرأ أيضا: معهد ستوكهولم: السعودية وقطر ومصر بين أكبر 10 مستوردين للأسلحة في العالم
الخروج الآمن
بالنسبة للسيناريو الأول، يمكن لسعيد أن يتنحى طواعية في مواجهة المعارضة المتصاعدة. لكن هذا السيناريو غير مرجح للغاية في هذه المرحلة.
يشير التحليل إلى أنه في حالات أخرى استقال فيها زعماء سلطويون تحت الضغط الشعبي، مثل حسني مبارك في مصر (2011) أو عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر (2019)، كان هناك أصحاب مصلحة دفعوا هذه القرارات.
. يقول: على سبيل المثال، تم حث مبارك على الاستقالة من قبل الجيش والولايات المتحدة. وبوتفليقة من قبل العشائر الحاكمة القوية في البلاد.
في المقابل، وعلى وجه الخصوص، منذ أن بدأ توطيد سيطرته على مؤسسات البلاد في يوليو/ حزيران 2021. بدا سعيدًا على نحو متزايد معزولًا وغير قابل للتأثير.
يضيف المحللان: بافتراض أنه سيستمر على نفس السلوك، توجيه اللوم فقط للمعارضين. بغض النظر عن أي أصوات تحاول الوصول إلى أذنه أو ظروف الشارع الذي يحتج.
الحوار الوطني
السيناريو الثاني يتماشى مع التقاليد التونسية، حيث يمكن لسعيد الموافقة على الحوار الوطني، كما يطالب الاتحاد العام التونسي للشغل.
ليست هذه السابقة الأولى كما يشير التحليل، ففي عام 2013، بعد اغتيالين سياسيين بارزين ومع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، نظم المجتمع المدني التونسي -بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل- حوارًا وطنيًا للأحزاب السياسية للتغلب على خلافاتهم، واستطاعوا صياغة دستور جديد.
من خلال آلية الحوار، وافق حزب النهضة الإسلامي المعتدل، والذي كان يقود حكومة ائتلافية، على تسليم السلطة إلى حكومة تصريف الأعمال المكلفة بقيادة البلاد إلى انتخابات جديدة، يقول التحليل: لسوء الحظ، هناك عدة أسباب للشك في أن سيناريو مماثل قد يتكشف اليوم.
يوضح: كان السياق في عام 2013 فريدًا من نوعه، كانت البلاد لا تزال تسودها الحماسة الثورية بعد الإطاحة بالرئيس السابق بن علي. وكان هناك مطلب شعبي كبير لتحقيق الاستقرار في الأوضاع الأمنية، وهو الأمر الذي ألقي باللوم فيه على حزب النهضة إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، أثقل كاهل حزب النهضة سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، لذا استجابت للحورا، ولم تكن تريد أن تعاني من نفس مصير اخوان مصر.
علاوة على ذلك، كان هناك هدف واضح يتم تنظيم الحوار حوله: وضع اللمسات الأخيرة على دستور جديد، تم إطلاق عملية صياغته بناءً على توافق تمت صياغته من خلال التعبئة الشعبية. لكن، من غير الواضح في الظروف الحالية، أي نوع من خارطة طريق متفق عليها تمكن من اجراء حوار جديد بين الاحزاب والكتل المتصارعة.
وأكد التحليل أن الاتفاق على دستور جديد أو معدل، أو إجراء انتخابات تشريعية جديدة، لن يكون منطقيًا، خاصة وأن قيس سعيد، والذي لا يزال يحتفظ بقاعدة دعم كبيرة نسبيا، أعلن عن خارطة طريق فى ديسمبر/ كانون الأول 2021.
اقرأ أيضا: الساحة الفلسطينية.. تحذيرات من الفوضى
انقلاب عسكري
يشير السيناريو الثالث إلى احتمالية الاستيلاء العسكري على السلطة.
يقول: سيكون هذا خروجًا واضحًا عن التقاليد في تونس، التي قام رئيسها الأول بعد الاستقلال، الحبيب بورقيبة، بتنمية جيش صغير غير سياسي عن عمد.
في عام 2011، ضمن الجيش التونسي مكانته كمؤسسة محبوبة، عندما رفض إطلاق النار على المتظاهرين، مما دفع بن علي إلى الفرار. منذ ذلك الحين، استمرت القوات المسلحة في التمتع بسمعة طيبة، في الوقت الذي تلعب فيه أيضًا دورًا رئيسيًا في إعادة إرساء الأمن بعد تصاعد النشاط الإرهابي بين عامي 2011 و2015.
في عهد سعيد، وسع الجيش من هيبته ودوره في السياسة. كان الرئيس -الذي تم انتخابه كغريب بدون قاعدة دعم واضحة- في حاجة إليه دائمًا كحليف.
لكن في يوليو/ تموز 2021، عندما منعت الدبابات والقوات النواب من دخول مبنى البرلمان بعد حل سعيد للمجلس، تزايد قلق المراقبين من تخلي الجيش عن دوره التقليدي غير السياسي. كل هذا يجعل سؤال كيف سيرد الجيش في حالة الاضطرابات المتزايدة؟
يشير التحليل إلى أنه في حالة حدوث انقلاب عسكري “من غير الواضح كيف سيتقدم أولئك الذين يتولون زمام الأمور”.
يقول: من شبه المؤكد أن القوات المسلحة تريد تسليم السلطة إلى حكومة مدنية جديدة في أسرع وقت ممكن. لكن إيجاد حكومة انتقالية محايدة سيكون أمرًا صعبًا، نظرًا للمشهد الحالى شديد الانقسام، والمختلف عما جري فى عام 2013، عندما تم تشكيل حكومة انتقالية فعالة بقيادة التكنوقراط، برئاسة مهدي جمعة.
البقاء في السلطة
السيناريو الرابع الذي يطرح باحثا المجلس الأطلسي ومعهد واشنطن هو حالة الجمود التي طال أمدها، والتي تخمد فيها الاعتقالات والاحتجاجات في نهاية المطاف، ويبقى سعيد في السلطة.
يشير التحليل إلى أن “هذا هو الاحتمال الأرجح، لا سيما بالنظر إلى أن اندلاع العنف على نطاق واسع، على الأقل في هذه المرحلة، لا يبدو وشيكًا”.
يضيف: لسوء الحظ، في ظل هذا السيناريو، نظرًا لأن سعيد فشل في تحقيق أي تغيير ذي مغزى وسيهتم بشكل متزايد بحماية سلطته، ستستمر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في التفاقم والانحدار.
لذلك، وفق المحللان، بالنظر إلى هذه الاحتمالات، يجب أن يكون اللاعبين الدوليين -وعلى رأسهم واشنطن- مستعدين لدعم تونس اقتصاديًا، خاصة إذا لم يأتِ مقرضون آخرون.