بالرجوع للماضي، إلى عام 2015، آخر مرة أقامت فيها المملكة العربية السعودية وإيران علاقات دبلوماسية، كانت الدولتان على خلاف في سوريا، حيث دعمتا أطرافًا متعارضة في الحرب الأهلية ضد الرئيس بشار الأسد. كذلك في اليمن، التي سقط الكثير منها في أيدي الحوثيين، وهم جماعة شيعية معارضة. كانت إيران غاضبة بسبب التقارير التي تفيد بأن الشرطة السعودية اعتدت جنسيًا على حجاج إيرانيين شبان في مطار جدة.

ثم في عام 2016، أعدمت المملكة العربية السعودية، نمر النمر رجل الدين الشيعي المعارض. ونهب المشاغبون في إيران البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران العاصمة، ومدينة مشهد.

قطعت المملكة بسرعة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.

وفجأة، في العاشر من مارس/ آذار الجاري، وافق الخصمان القديمان على إنهاء الخلاف الذي دام سبع سنوات. أصبحت الصفقة موضوعًا لعناوين الأخبار المثيرة في الشرق الأوسط وأمريكا. بالنسبة للشرق الأوسط بدا أنها تشير إلى نهاية حرب بالوكالة طويلة الأمد ومدمرة. أما أمريكا فبدت أقل اهتمامًا بالمضمون على عكس المكان: لم يتم التوقيع عليه في عاصمة إقليمية ولكن في الصين، وهي دولة لم تلعب حتى الآن دورًا مهمًا في دبلوماسية الشرق الأوسط الفوضوية.

ردود الفعل كانت غزيرة بعض الشيء. سيبقى الاثنان “إيران والسعودية” في حالة قلق. مشاركة الصين أكثر إثارة للاهتمام، لكنها لا تزال مبالغ فيها: الصفقة سقطت في حضنها. لدى إيران والسعودية سبب وجيه للإشادة بدورها. لكن من غير المرجح أن تصبح صانع سلام إقليمي جديد.

أمضت السعودية وإيران سنوات في الحديث عن المصالحة، واكتسبت مثل هذه المحادثات إلحاحًا جديدًا في الأشهر الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى استنفاد طاقة البلدين. لقد فشل السعوديون في مناوراتهم الرئيسية في السياسة الخارجية على مدى العقد الماضي، سواء كانوا يحاولون الإطاحة بالأسد أو الإطاحة بالحوثيين. وعلى جانب آخر فإن انتصار إيران، إذا كان فوزًا، كان باهظ الثمن: إنه ناجح في الخارج لكنه يمثل حالة غضب في الداخل، حيث يحتدم غضب الشباب ضد الاقتصاد المنهار والدكتاتورية الفاسدة.

إن أولوية المملكة العربية السعودية هي إخراج نفسها من حربها في اليمن، التي بدأت في مارس 2015. فبعد ثمان سنوات ومئات الآلاف من القتلى، لا يزال الحوثيون يسيطرون على جزء كبير من البلاد، وقد دفعتهم الحرب إلى الاقتراب من إيران، حيث يزود الملالي “طبقة رجال الدين الحاكمة في إيران” الحوثيين بالسلاح والمال والتدريب. اليوم، السعوديون حريصون على عقد صفقة مع الحوثيين من شأنها أن تترك الجماعة في السلطة مقابل إنهاء الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار عبر الحدود.

لأشهر، أراد السعوديون أن تضغط إيران على الحوثيين لقبول ذلك. لذا فإن الاتفاق السعودي الإيراني قد ينذر باتفاق منفصل في اليمن، لن ينهي ذلك الصراع، الذي كان حربًا أهلية قبل تدخل التحالف السعودي، لكنه سيوفر للمملكة مخرجًا من الأزمة الحالية.

أيضًا، يمكن أن يكون للاتفاق تداعيات على قناة إيران الدولية، وهي قناة تلفزيونية فضائية تأسست في لندن في عام 2017 وتبث انتقادات لا هوادة فيها للنظام الإيراني. وينفي رؤساؤها وجود أي صلات مباشرة بالحكومة السعودية. ومع ذلك، فقد طالب رجال الحكومة الإيرانية، السعودية بكبح جماح القناة.

وتزايدت هذه المطالب عندما اجتاحت احتجاجات الشوارع إيران في سبتمبر/ أيلول الماضي. وبدأ النظام الإيراني أيضًا في تهديد الصحفيين العاملين في “إيران الدولية”. وقالت القناة الشهر الماضي إنها ستنقل بثها إلى واشنطن.

لا يبشر أي من هذا بعصر من الصداقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث تعود نزاعاتهم الإيديولوجية إلى الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، وسيظل السعوديون قلقين بشأن برامج إيران النووية والصاروخية الباليستية وشبكة وكلائها في الدول العربية. أما إيران، ستستمر في رؤية يد سعودية في الاضطرابات الداخلية.

ومع ذلك، قد تقلل المعاهدة من فرص اشتعال “الحرب الباردة”. خاصة بعدما توصلت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى نتيجة مماثلة في العام الماضي، أعادت هي الأخرى العلاقات الكاملة مع إيران، بعد أن خفضتها عقب الهجوم على البعثات السعودية في عام 2016.

كانت الإمارات العربية المتحدة متوترة من هجمات الطائرات بدون طيار في العام الماضي على العاصمة أبوظبي، وفي الوقت نفسه تخشى أنها قد تواجه انتقامًا من هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت النووية الإيرانية.

تبدو هذه النقاط كلها ثانوية بالنسبة لأمريكا، فقد كان التركيز على الدولة التي توسطت في الصفقة، وليس الموقعين عليها. هذا تحول لا يمكن إنكاره فيما يخص دور الصين. في عام 2021، اقترح وانج يي، وزير الخارجية الصيني آنذاك، “خطة سريعة” للسلام في الشرق الأوسط، مليئة بالشعارات المبتذلة مثل “الدعوة إلى الاحترام المتبادل” و “دعم المساواة والعدالة”. كانت هذه الكلمات الجوفاء هي نطاق الدبلوماسية الصينية في المنطقة. الآن لعبت الصين دورًا عامًا أكبر بكثير.

لدى كل من إيران والمملكة العربية السعودية سبب لتضخيم المشاركة الصينية. في عام 2021، وقع الإيرانيون على “شراكة استراتيجية” لمدة 25 عامًا مع الصين. إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، يريد من مواطنيه أن يعتقدوا أن العلاقات الاقتصادية مع الصين هي بديل للعلاقات مع الغرب. أما بالنسبة للسعوديين، فقد استضافوا الرئيس الصيني شي جين بينج في قمة كبيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

الصين هي أكبر شريك تجاري للسعوديين، وأكبر مشتر لصادرات النفط في العالم. بعد عامين قاسيين مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لا يضر تذكير الأمريكيين بأن للمملكة أصدقاء أقوياء آخرون.

الجميع على استعداد للاستفادة قليلًا. يمكن للمملكة العربية السعودية تخفيف حدة التوترات مع جار لا يرحم. يمكن لنظام المحافظين في إيران أن يبدو منفتحًا على الدبلوماسية. يمكن للصين أن تدعي انتصارها الدبلوماسي. لكن القضايا الأساسية لا تزال قائمة. هذه الصفقة تتعلق بالإدراك أكثر من الواقع.


محتوى مترجم من العدد الأسبوعي لـ”الإيكونوميست”