حظى الاتفاق الذي أبرمته السعودية وإيران في العاصمة الصينية بكين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بحالة من الزخم وردود الأفعال الإقليمية والدولية المتباينة، نظرا لما سيعكسه الاتفاق على استقرار مصادر الطاقة في العالم من جهة، ومن جهة أخرى على أمن الممرات المائية الدولية، والتي تحولت إلى ساحات صراع بالوكالة بين البلدين خلال السنوات السبع الماضية.

ورغم هذا الزخم والاهتمام الدولي، إلا أن الطرفين لم يفصحا حتى الآن عما جرى من تفاهمات تم التوافق عليها في المباحثات السرية التي استضافتها بكين وانتهت بالبيان الثلاثي (سعودي إيراني صيني) الصادر يوم الجمعة 10 مارس.

ارتدادت الاتفاق وتداعياته على أزمات الأقليم شغلت دوائر صنع القرار في عواصم العالم التي لها مصالح مباشرة أو غير مباشرة بالشرق الأوسط، وتتسابق الصحف ومراكز الأبحاث الدولية والإقليمية للوصول إلى حقيقة ما جرى في الكواليس والغرف المغلقة ووضع سيناريوهات وتصورات لانعكاسات إنهاء التوتر بين القوتين الإقليميتين المتصارعتين على مجمل الأوضاع في المنطقة وعلى مسارات الحرب والسلم في اليمن على وجه التحديد باعتبارها بؤرة الصراع الواضحة بين البلدين خلال سنوات التأزم الماضية.

حدد البيان الثلاثي المشترك الذي نشرته منصات الإعلام الرسمية في الرياض وطهران وبكين مهلة زمنية شهرين لتفعيل البنود المعلنة من الاتفاق والتي شملت استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارتين وتفعيل التعاون الأمني واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية على أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين لترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات.

وفيما أكد مراقبون على أن الملف اليمني سيكون محل اختبار التوجهات الجديدة للدولتين، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية نقلا عن مسئولين أمريكيين وسعوديين القول إن إيران وافقت على وقف تسليم شحنات أسلحة سرية إلى الحوثيين في اليمن، كجزء من اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، في خطوة قد تضفي زخما جديدا على الجهود المبذولة لإنهاء أطول الحروب الأهلية في المنطقة.

وأوضح المسئولون الأمريكيون والسعوديون أنه إذا توقفت إيران عن تسليح الحوثيين، فقد تضغط على الجماعة للتوصل إلى اتفاق تسوية سياسي لإنهاء الصراع.

وأفاد مسئول سعودي للجريدة بأن المملكة تتوقع أن تحترم إيران حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة والذي يهدف إلى منع وصول الأسلحة إلى الحوثيين، حيث يؤدي قطع إمدادات الأسلحة إلى صعوبة استهداف المملكة وتوسع الحوثيين في السيطرة على محافظات اليمن.

وأعرب مسئولون أمريكيون وسعوديون عن تطلعهم إلى معرفة مدى تمسك إيران بتنفيذ اتفاقها مع المملكة.

وفي نفس السياق، قال مسئول أمريكي إن الاتفاق على استئناف العلاقات السعودية الإيرانية يعطي دفعة لاحتمال التوصل إلى اتفاق يمني في المستقبل القريب، مضيفا أن نهج إيران تجاه الصراع سيكون «اختبارا حقيقيا» لنجاح الاتفاق الدبلوماسي.

لم يكن الاتفاق والذي جرى التوصل إليه بعد أربعة أيام متواصلة في العاصمة الصينية بكين سوى جولة من 5 جولات معلنة للتفاوض عقدت بين البلدين في العراق خلال العامين الماضيين، كما تواترت أنباء عن جولات أخرى لم يُعلن عنها الطرفان واستضافتها سلطنة عُمان، هذا إلى جانب مباحثات مباشرة تمت بين الرياض وجماعة الحوثي في العاصمة العمانية مسقط أو في السعودية نفسها.

مركز المخا للدراسات يذهب إلى أن الاتفاق قد لا يكون بمستوى الاهتمام الدولي الذي حصل عليه، وذلك لأنه اتفاق «اضطراري»؛ أجبرت عليه إيران بفعل «تدهور أوضاعها الداخلية وما تواجهه من تحديات خارجية» هذا من جانب، ومن جانب آخر ترغب السعودية في «تجنب الصدام العسكري المباشر مع إيران وتقليل المخاطر الأمنية التي يسببها الحوثيون» والتي أثرت بشكل أو بآخر على التوجهات الاقتصادية التي تتطلبها رؤية السعودية 2030 وهي الحامل الشعبي والسياسي الرئيسي لولي العهد محمد بن سلمان.

ويؤكد مصدر يمني لصاحب هذه السطور أن المباحثات السعودية الإيرانية تضمنت توافقا تاما على ضرورة الوصول إلى تسوية للملف اليمني، لافتا إلى أن الظروف في إيران ساعدت الرياض على انتزاع أكبر قدر ممكن من مطالبها فيما يخص هذا الملف.

وشلمت التفاهمات، بحسب المصدر، التزام ثنائي أمني ودفاعي بعدم الاعتداء عسكريا وأمنيا، على أن يتم «تشكيل لجنة ثلاثية رفيعة لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق حتى دخوله حيز التنفيذ بعد شهرين».

المصدر ذاته أشار إلى أن ملف الاتفاق النووي لم يكن مطروحا على مائدة البحث في بكين، «المحادثات شهدت 5 جلسات مكثفة للغاية، وكانت أصعب القضايا التي طُرحت الأزمة اليمنية وتداخلات البلدين فيها، وقدرة كل طرف على إقناع حلفائه بإنهاء الصراع الدائر».

ويرى مركز المخا للدراسات وهو -مؤسسة بحثية مستقلة تهتم بدراسة الشأن اليمني والمؤثرات الإقليمية والدولية عليه- أن السعودية مضت في توقيع هذا الاتفاق انطلاقا من محاولة البحث عن البدائل المتاحة للحفاظ على أمنها وأمن المنطقة في ظل حالة الإحباط العميق من السياسة الأمريكية تجاه المخاطر الجدية وغير المسبوقة التي تتعرض لها دول الخليج، بعدما شنت جماعة الحوثي وإيران وجماعات أخرى موالية لها هجمات موجعة ضد السعودية والإمارات دون أن تحرك الولايات المتحدة الأمريكية ساكنا سوى الدعم اللفظي «بل أنها وفي ذروة تلك المخاطر قامت بسحب منظومة الصواريخ الدفاعية من دول المنطقة».

وتسعى الرياض بحسب دراسة نشرها المركز قبل أيام إلى استمالة الصين ومحاولة اختراق التحالف الصيني الروسي الإيراني «كان توقيع الاتفاق في بكين ومن خلال بيان مشترك محاولة لتقديم الصين على أنها راعية سلام وهي خطوة مكملة للخطوة الأولى والمتمثلة في دعوة الرئيس الصيني لزيارة المملكة وحشد قادة المنطقة للقائه».

وفيما أشار المركز إلى أن الاتفاق بين الرياض وطهران فيما يخص الملف اليمني قد يؤدي إلى تراجع الدعم السعودي للسلطة الشرعية اليمنية وخاصة في الجوانب العسكرية واللوجستية، توقع أيضا أن المباحثات التي جرت قد تثير حنق واشنطن وقد يدفعها إلى التنسيق مع بعض الأطراف لتخريب الاتفاق بما فيهم الحوثيين.

ووضع المركز ثلاث سيناريوهات للملف اليمني الذي كما أشرنا هو السؤال الصعب في اختبار الثقة السعودي الإيراني.

السيناريو الأول؛ المضي في مسار التسوية:

ويقضي هذا السيناريو بأن يتم الإعلان عن اتفاق بين السعودية والحوثيين، ثم تدعو المملكة أطراف النزاع للتفاوض حتى يتم التوصل إلى التوقيع على إعلان وقف إطلاق النار ثم تبدأ مباحثات الحل السياسي «وهو مسار بات كل طرف يستعد له بما في ذلك السلطة الشرعية، فقد أنجزت هيئة التشاور والمصالحة مؤخرا المسودة الأولى لوثيقة الرؤية السياسية للسلام».

السيناريو الثاني؛ تعنت جماعة الحوثي:

ويذهب هذا السيناريو إلى أن تظهر جماعة الحوثي تثاقلا عن المضي في مسار السلام في محاولة لابتزاز السعودية والحكومة الشرعية من خلال سقف مطالب مرتفع «قد يكون هذا السلوك بفعل يقين المنتصر أو قد يكون بسبب المزايدة بين الأجنحة المتنافسة داخل الجماعة»، وينتهي هذا المسار بالعودة مجددا إلى جبهات الحرب.

السيناريو الثالث؛ التعثر:

وهو مسار وسط بين المسارين السابقين، حيث تمضي الخطوات الأولى في مسار التسوية غير أنها تتعثر بفعل تعقيدات المشهد اليمني أو غياب الثقة بين الأطراف المختلفة أو نتيجة لسلوك جماعة الحوثي «وفي هذه الحالة تتعثر الجهود فلا تمضي باتجاه التسوية السياسية ولا يكون بمقدور الأطراف الرئيسية الرجوع إلى مسار الحرب، وتفيد الخبرة اليمنية السابقة أن هذا السيناريو هو الأقرب إلى الحدوث».