كما فتحت نتائج انتخابات نقابة الصحفيين باب الأمل لإصلاح مهنة الصحافة التي تردت أحوالها خلال السنوات القليلة الماضية، بعثت أيضا أملا جديدا أمام المجتمع المصري الذي حاصرته مشاعر الإحباط واليأس إثر تبدد فرص تغيير الأوضاع السيئة التي فرضتها سياسات وتوجهات السلطة الحالية عبر أدوات وآليات ديمقراطية.

تعامل البعض مع ما جرى في 4 شارع عبد الخالق ثروت يوم الجمعة الماضي باعتباره نموذجا يجب اعتماده بل ودراسته في أي استحقاق انتخابي ستشهده مصر خلال السنوات المقبلة، ففكرة أن تنجح مجموعة من الشباب في تنظيم أنفسهم وحسم معركة انتخابية من هذا النوع فكرة جاذبة وتستحق المراجعة، لكن الأهم هو أن ينجح هؤلاء الشباب في إدارة المؤسسة التي تحقق للصحفيين مصالحهم المهنية والمادية بما يجعل من التجربة كلها بدءا من الترتيب لخوض الانتخابات حتى نهاية الدورة الانتخابية نموذجا ملهما يحتذى به.

في تلك الانتخابات أجمعت إرادة الناخبين أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين على ضرورة تغيير الوضع القائم القاتم الذي نشأ نتيجة حصار السلطة لمنصات الصحافة والإعلام عبر ممارسات وتشريعات ولوائح لم تقف حائلا أمام الصحفيين وقيامهم بواجبهم المهني فحسب بل أثرت على مصادر دخلهم للدرجة التي دفعت بعضهم إلى العمل في مجالات أخرى ليس لها علاقة بالصحافة من قريب أو بعيد.

دفع الصحفيون في تلك الانتخابات بمن ظنوا أنهم قادرين على تغيير تلك الأوضاع البائسة ومقاومة عمليات السيطرة والتحكم التي نفذتها السلطة على منصات الإعلام، اختارت الجمعية العمومية من انحاز إلى الصحافة وحريتها واستقلال منصاتها، راهنت على من عرف عنه الدفاع عن حق الصحفيين في نشر المعلومة والرأي دون خوف من ملاحقة أو حساب، وأخرجت من السباق الانتخابي معظم من بارك ممارسات السلطة أو قبل بها دون أن يعلن رفضه أو حتى امتعاضه لها بكلمة.

قال الصحفيون المصريون كلمتهم وانحازوا للصحافة والنقابة أملا في أن يتحول هذا الانحياز إلى خطوات قد تغير الواقع الكارثي، توافقت أغلبية الجماعة الصحفية على تشكيل مجلس نقابة يضع قضية الحرية كأولوية على جدول أعماله، وأصدروا للمجلس الجديد تكليفات عاجلة كلها على تماس بهذا الملف.

أصدرت الجمعية العمومية وبالإجماع مجموعة من القرارات التي لو عمل المجلس على تنفيذها مستخدما كل أدواته القانونية والنقابية لانقشع بعض من الغبار الذي سمم أجواء المهنة وأفسد مناخها في السنوات الماضية.

على رأس قرارات الجمعية العمومية؛ فتح حوار مع مجلس النواب عبر آلية «الحوار الوطني» الذي يتولى فيه نقيب الصحفيين المنتهي ولايته ضياء رشوان موقع منسق عام مجلس أمنائه، لإعادة النظر في التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام والتي صدرت عام 2018 بهدف تقييد وحصار العمل الصحفي وليس تنظيمه وتيسيره.

نصوص القانون رقم 180 لعام 2018 الخاص بالمجلس الأعلى للإعلام ومواد لائحته التنفيذيه، شرعنت عمليات الحجب والمنع التي كانت تمارس قبل التصديق على القانون، نقلت مواد هذا التشريع المقيد للعمل الصحفي سلطات الرقيب الاستثنائي إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حتى يتمكن من ممارسة دوره في حصار الصحافة مستندا إلى قاعدة قانونية.

ورغم الإلزام الدستوري الذي فرض على الدولة ضمان استقلال وحرية الصحافة، وحظر الرقابة على وسائل الإعلام إلا في حالتي الحرب والتعبئة العامة، وتسهيل ترخيص وإصدار الصحف والقنوات والمواقع، صدر القانون المعيب بمباركة نواب البرلمان السابق وبعض أعضاء مجلس النقابة قبل نحو 5 سنوات، وهو ما يستدعي معركة تفاوضية شاقة يجب أن يخوضها مجلس النقابة الجديد لتعديل كل المواد المتعارضة ليس مع مواد الدستور فقط بل مع الاتفاقيات الدولية المعنية بالحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها مصر، وبأحكام المحكمة الدستورية العليا التي أكدت أن «حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها».

بالتوزاي؛ على المجلس الجديد أن يسعى بنفس الآليات لتحويل النص الدستوري الذي يُحصن الصحفيين وأصحاب الرأي من الملاحقة والحبس في قضايا النشر إلى واقع ملموس، ولدى المجلس على رفوف أرشيف النقابة مشروع قانون جاهز أعدته اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية التي تشكلت عام 2014 لتحويل مواد الدستور الجديد إلى قوانين وتنقيح التشريعات القائمة من المواد التي تتضمن مواد سالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية.

اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية، والتي أطلق عليها لجنة الخمسين حينها، بذلت جهدا كبيرا في تتبع المواد التي تعاقب بالحبس في جرائم النشر داخل منظومة التشريعات المصرية، ونتج عن هذا الجهد حصر تلك المواد في مشروع قانون جاهز لطرحه ومناقشته في البرلمان، إلا أن المشروع دخل «الدرج» كما دخلت باقي فصول القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام «أدراج» آخرى ليتم في النهاية طبخ القوانين الثلاثة التي صدرت في 2018.

وعطفا على هذا التكليف، وافقت الجمعية العمومية على قرار بمخاطبة كل الجهات ذات الصلة وعلى رأسها النائب العام لإخلاء سبيل الصحفيين المحبوسين على ذمة قضايا نشر بضمان النقابة أو بأي ضمان يراه، وظني أن الجهات المختصة وصلتها رسالة الصحفيين في هذا الشأن وستتعاطى مع ما جاء بها بما يناسب مكانة النقابة كإحدى مؤسسات الدولة المصرية.

وكما تم الانقلاب على ما جاء في مواد دستور 2014 الخاصة بحرية الصحافة واستقلال الصحف وتحصين الصحفيين من الحبس في قضايا النشر، تم أيضا تجاهل الإلزام الدستوري الذي يفرض على الدولة إصدار قانون لحرية تداول المعلومات بما يسهل على الصحفيين الوصول إلى المعلومة ونشرها لتقديم خدمة صحفية إخبارية تليق بالجمهور.

وهو ما يستدعي أيضا أن يكون ضمن الملفات التي يجب على مجلس النقابة الجديد العمل عليها ليس فقط باعتباره أحد قرارت الجمعية العمومية الواجبة النفاذ بل لأنه إلزام دستوري وضرورة مهنية لا تستقيم عملية صناعة المحتوى الصحفي بدونها.

أصدرت الجمعية العمومية تكليفات أخرى لها علاقة بالأجور والمعاشات، وهي قرارات مهمة خاصة في ظل الأحوال المعيشية البائسة التي يمر بها معظم الصحفيين، وأرى أن تلك الحزمة سيجري تنفيذها ولن تحتاج إلى الجهد الذي سيبذل في الحزمة الخاصة بتعديل التشريعات وإصلاح المناخ والبيئة المحيطة بالعمل الصحفي.

مجلس نقابة الصحفيين الجديد الذي أحيا الأمل في نفوس الجماعة الصحفية وفتح الباب أمام تحقيق رغبات الصحفيين في إصلاح ما فسد، أمامه فرصة مهمة لتصدير نموذج نجاح  تجربة ديمقراطية عبر فيها الناخبون عن إرادتهم وراهنوا على خيار من خارج الإطار التي تحدده السلطة أيا كانت المعوقات أو التدخلات.

أوصي أعضاء المجلس الجديد كما أوصي نفسي باعتباري عضوا به؛ بالتوافق وبذل الجهد واستخدام كل الأدوات التفاوضية والقانونية حتى نتمكن من إنجاح التجربة وإقناع الرأي العام بأنه يمكن تكرارها واستدعائها، لأن الفشل لن يخصنا وحدنا كأعضاء مجلس أو كجماعة صحفية بل سيطال كل من يبشر بضرورة اللجوء للآليات الديمقراطية كخيار استراتيجي وقاعدة أساسية في بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها.