الأسبوع الماضي، سافر وفد رفيع المستوى من المسئولين والبرلمانيين الليبيين إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، من أجل حشد الدعم لعملية الانتخابات المتوقفة، في محاولة لإنهاء دائرة الصراع في بلادهم التي دامت عقدًا من الزمن. عبر لقاءات بمسئولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

هناك، حذر المسئولون الليبيون من أنه بدون إنهاء الجمود السياسي بشأن اقتراح الأمم المتحدة بإجراء انتخابات، قد تتحول البلاد إلى موجة أخرى من الصراع، بما سيترك تداعيات بعيدة المدى على شمال إفريقيا وجنوب أوروبا.

الوضع في ليبيا الآن هادئ لكن مع وجود العناصر المسلحة في الشرق والغرب إذا تأخر  التوصل إلى اتفاق قد  تنفجر البلاد

يشير تقرير حديث كتبه روبي جرامر مراسل شؤون الدبلوماسية والأمن القومي في فورين بوليسي/ Foreign Policy، وزميله ليام سكوت. إلى أن ليبيا منقسمة سياسياً بين حكومتين متنافستين، إحداهما في العاصمة طرابلس مدعومة من تركيا وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، والأخرى في شرق البلاد و”مدعومة -اسميا- من قبل أمير الحرب الليبي خليفة حفتر”، حسب تعبير التقرير.

ينقل التقرير عن نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبد الله اللافي، قوله “الوضع في ليبيا الآن هادئ، لكن مع وجود العناصر المسلحة في الشرق والغرب، إذا تأخر  التوصل إلى اتفاق قد  تنفجر البلاد في الصراع مرة أخرى.

وأضاف: عدم إجراء انتخابات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات.

اقرأ أيضا: المونيتور: فاجنر تتوسع في ليبيا رغم الضغوط الأمريكية

ومع ذلك، يحذر خبراء إقليميون آخرون من أن تركيز المجتمع الدولي على الانتخابات مضلل، لأن الانتخابات لن  تقضى على المصادر الكامنة وراء عدم الاستقرار السياسي، والفساد العميق، والضيق الاقتصادي في البلاد.

ويسلط الجدل الضوء على الكيفية التي تحولت بها ليبيا إلى مستنقع سياسي، وتركت سكانها البالغ عددهم حوالي 7 ملايين نسمة فاقدي الأمل في إنهاء حالة العنف.

قوى متصارعة

يشير التقرير إلى  أن التدخلات الدولية، والتنافس الاقليمى على النفوذ داخل ليبيا، أدى إلى تفاقم اوضاع البلاد،  بما في ذلك مواقف  روسيا وتركيا ومصر والإمارات ودول أوروبية كبرى. ما أدى إلى  إطالة أمد الأزمة.

فبينما تدعم الإمارات وروسيا الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر، تدخلت تركيا لدعم حكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

لذلك، يؤكد اللافي لمراسلي فورين بوليسي أن “طرد القوات الأجنبية من ليبيا عنصر أساسي لنجاح المشروع الانتخابي”.

كانت ليبيا غارقة في النسيان السياسي منذ أن أسست خطة السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في عام 2021 من أجل حكومة مؤقتة ، كان من المفترض أن تأتى للسلطة، حكومة منتخبة في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام، لكن الانتخابات لم تجر قط.

ينقل التقرير عن توماس هيل، الخبير في شؤون شمال إفريقيا لدى الولايات المتحدة بمعهد السلام، قوله: “لقد بلغت الأزمة، بما فيها الصراع  العنيف ما يقرب من 10 سنوات، وأظن أن الاهتمام العام بالعملية الديمقراطية يفقد الزخم إذا لم يكن  تلاشى”.

وأضاف: هو فشل آخر ربما  يزيد  من احتمال أن يستسلم الليبيون للاعتقاد بأن فرض السلام  يحتاج إلى رجل قوى وقوة عسكرية.

يحذر المسئولون الغربيون من احتمالية أن تلعب روسيا دورًا مفسدًا في الانتخابات، حال أن لم تعلن دعمها لخطة توسطت فيها الأمم المتحدة

وفي حين يعتقد الخبراء أن غالبية الليبيين يريدون إجراء انتخابات، فإن الحكومتين المتنازعتين قد وصلتا إلى طريق مسدود في المفاوضات حول الأساس القانوني للانتخابات وتكوين النظام السياسي الجديد.

وتدعم موسكو الجنرال حفتر من خلال مجموعة فاجنر المرتزقة، ويشير اللافي إلى أن وجود قوات عسكرية روسية في المنطقة يمثل خطرا كبيرا حتى على نجاح خطة الانتخابات التي توسطت فيها الأمم المتحدة  لذا “نحن بحاجة إلى دعم دولي لاتفاق خروج القوات المسلحة الأجنبية الموجودة في ليبيا”.

انقسامات وتحالفات

في مؤتمر صحفي عقد هذا الشهر في العاصمة الليبية طرابلس، قال كبير مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا، الدبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي، إن البلاد قد تجري انتخابات هذا العام، إذا أصدر كلا الكيانين التشريعيين المتنافسين قوانين انتخابية واضحة، وخارطة طريق للانتخابات بحلول يونيو/ حزيران.

وأوضح باثيلي أن بديل  سيناريو الانتخابات سيكون المزيد من الفوضى والذي يزيد من مخاطر الصراع ويشير إلى حصاد المرحلة الانتقالية قائلا “الترتيبات المؤقتة المتعاقبة، والحكومات الانتقالية التي لا نهاية لها، والهيئات التشريعية التي انتهت ولايتها، هي مصدر عدم الاستقرار”.

في أواخر فبراير/ شباط، استضافت نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، كل من باثيلي وكبار المسئولين، من مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة، لمناقشة الدعم الدولي للانتخابات. لكن، وفق التقرير، فقد فشل الاجتماع في إحراز تقدم في المفاوضات.

تؤكد كلاوديا جازيني، الباحثة المختصة فى الشان الليبى بمجموعة الأزمات الدولية، أن الهدف النهائى وما تحتاجه البلاد ليس الاقتراع فى حد ذاته بقدر أن تنتج الانتخابات  حكومة جيدة، لكن هذا لن يتحقق.

تقول: الانتخابات وحدها لا يمكنها حل مشاكل ليبيا. لا تزال ليبيا بحاجة إلى توحيد مؤسساتها  المالية والتنفيذية والجيش، وجميعها منقسمة وهناك  منحدر هابط، يتضمن  الحكم السيئ، وانتشار الفساد وازدهار الاقتصاد غير المشروع .

ولفتت إلى أن “هناك فكرة ساذجة للغاية عن القوة التحويلية للانتخابات.”

من ناحية أخرى، لا يمكن لليبيا أن تحصل على حكم رشيد، حتى يكون لديها حكومة جيدة، وهذا سيتطلب انتخابات في مرحلة ما. لكن، تبرز إحدى النقاط العالقة وهى  مشكلة  تعطل المفاوضات حول الانتخابات بين الحكومتين المتنافستين .

في الحقيقة، لا يريد أي من الجانبين المضي قدمًا في التصويت، ما لم يُمنح الأعضاء الحاليون في المجالس التشريعية حصانة من المقاضاة على جرائم ربما ارتكبوها أثناء وجودهم في مناصبهم.

لذلك أكد اللافي أن المفاوضات حول هذه النقطة ما زالت جارية.

الآفاق قاتمة نوعًا ما لأن المجموعات التي تتنافس حاليًا من أجل السيطرة على البلاد  ليس لها مصلحة في تغيير الوضع الراهن

اقرأ أيضا: ليبيا| تعديلات دستورية ومبادرة أممية.. الانقسام لا يزال سيد الساحة

قادة الأمر الواقع

ينقل التقرير عن حنان صلاح، الباحثة الليبية في هيومن رايتس ووتش، قولها إن عقدا من الحرب قد رسّخ قادة الأمر الواقع “الذين تمتعوا بالحصانة والإفلات من العقاب، وانعدام المساءلة”، وهو ما أدى إلى الأزمة الحالية، ويمكن أن يحول دون إجراء انتخابات.

تقول حنان: الآفاق قاتمة نوعًا ما، وذلك أساسًا لأن المجموعات المختلفة التي تتنافس حاليًا من أجل السيطرة على البلاد،  ليس لها أي مصلحة على الإطلاق في تغيير الوضع الراهن. ترك  عقد من القتال والانقسام الكثير من الندوب في جسد ليبيا.

تضيف: “لقد رأينا حكومات مؤقتة تأتي وتذهب، لكن لم تتم محاسبة أي شخص على أعمال القتل غير القانونية، وحالات الاختفاء والاعتقالات الجماعية التعسفية. أعطى هذا للناس فكرة أنه يمكنك ارتكاب جريمة بدون تكلفة، وهذا يمثل  الحافز الآن للالتقاء والاتفاق فعليًا على خارطة طريق، ولإجراء انتخابات بطريقة حرة ونزيهة، لوضع البلاد على مسار ديمقراطي”.

وتلفت إلى أنه “بالنسبة للنخبة المتنفذة، فإن الوضع الهش أكثر ربحية من تجدد الحرب، خاصة من دون احتمال الحصول على دعم أجنبي واسع النطاق”

لكن بالنسبة لغالبية الليبيين العاديين، فإن الركود السياسي ليس واحة للراحة. لا يمكن الاعتماد على الكهرباء في أحسن الأحوال. الليبيون ينتظرون ساعات في الطابور لملء سياراتهم بالبنزين، ويخشى الآباء أن يتعرض أطفالهم للقصف أثناء وجودهم في المدرسة”.

وتؤكد حنان أن “الخاسر هنا حقًا هو الليبيون العاديون الذين يريدون فقط ممارسة حياتهم اليومية وأن يعيشوا حياة طبيعية. يريد الناس حقًا عودة الوضع إلى طبيعته”.