مع بدء دخول موسم الزراعة الصيفي، الذي يضم محاصيل أساسية مثل “الذرة، الأرز، والقطن”، إلى جانب الفواكه، يصل الطلب على الأسمدة إلى ذروته، ويدور التساؤل بين المزارعين عن أسعار الأسمدة لهذا الموسم، خاصة بعد الارتفاعات التي شهدتها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على إمكانية تحقيق “ربح” ولو قليل من بيع المحاصيل، ناهيك عن الخسائر التي يتكبدها الفلاحون كل عام.
بحسب خبراء، فإن احتياج الأراضي الزراعية للأسمدة يختلف من تربة إلى أخرى. ووفق تقرير مركز الأرض لحقوق الإنسان، فإن الأراضي الزراعية المصرية تحتاج إلى ثلاثة أنواع من الأسمدة على النحو الآتي: “الأزوتية، الفوسفات، والبوتسيوم”، إلى جانب مبيدات مقاومة للأمراض. وتنتج مصر من الأسمدة الزراعية نحو 19 مليون طن سنويًا.
معاناة الفلاح
رغم الإنتاج المحلي الزائد، وتحقيق فائض للتصدير، لا يزال الفلاح المصري يعاني من أزمة “السماد”، سواء من ناحية ارتفاع أسعارها في السوق السوداء، أو خلل منظومة التوزيع بالجمعيات الزراعية.
يدلل على ذلك “محمد. ش” مزارع بإحدى قرى مركز أطفيح بقوله: “إن الجمعية الزراعية لا توفر سوى نوعين فقط من الأسمدة النترات، واليوريا، بفارق نحو 50 جنيهًا عن تجار السوق”. ويلفت إلى أن الفلاح يحتاج إلى أنواع أخرى من الأسمدة في ظل تردي حالة الأرض، وانتشار الأمراض التي تضر بالمحاصيل الزراعية.
ويضيف: “لذلك يلجأ الفلاحون في القرية إلى زراعة القصب، ويعدلون عن الفاكهة والخضروات بسبب سيطرة أصحاب الحيازات الوهمية على الجمعيات الزراعية، وعدم مراعاة الفلاح الذي يمتلك أقل من ربع فدان للزراعة، ومعظم الفلاحين ما بين القصب، أو البرسيم”، على حد قوله.
لكن بيانًا صادرًا عن الجمعية العامة للإصلاح الزراعي يشير إلى أن 80% من الشركات المنتجة للأسمدة محليًا، لم تف بالتزاماتها تجاه الجمعيات الزراعية من ناحية التوريد، وهو ما تسبب في خلو مخازن المحافظات، رغم إقبال المزارعين على موسم زراعي، وأن شركتين فقط هما “أبو قير، والدلتا” التزمتا بتوريد ما يعادل 80 ألف طن.
الخبير الزراعي جمال صيام يقول: إن الفلاحين في مصر يحتاجون إلى 4 ملايين طن من الأسمدة الزراعية خلال موسمي “الشتاء، والصيف”. ومع أن الإنتاج المحلي يستوفي الرقم، ويحقق فائضًا للتصدير، لكن ثمة خلل في منظومة التوزيع.
وينبثق الخلل، على حد قول صيام، من الجمعيات الزراعية المعنية بالتوزيع، والتي هي مستقلة تمامًا عن وزارة الزراعة، غير أنها تتضمن موظفًا واحدًا، بما يعني حتمية الخلل.
ويضيف صيام لـ “مصر360” أن الكميات المحددة المطلوبة للفلاح تفرضها الحكومة على شركات الأسمدة، معربًا عن أمله في أن يفي المجمع الجديد، مجمع الأسمدة الأزوتية بالعين السخنة، الذي افتتح مؤخرًا بمتطلبات الإنتاج الزراعي، ويسد الأزمة، بجانب أن يلتفت إلى الأراضي الجديدة المعدة للزراعة.
حجم إنتاج الأسمدة
ومؤخرًا، كشف السيد القصير وزير الزراعة في تصريحات متلفزة إبان كلمته أمام رئيس الجمهورية خلال افتتاح مجمع الأسمدة الأزوتية بالعين السخنة عن حجم الإنتاج من الأسمدة المعدنية بأنواعها المختلفة، لافتًا إلى أن إنتاج الأسمدة الأزوتية يتراوح ما بين 7- 7.5 مليون طن، بما يعادل 46.5% آزوت، أما الأسمدة الفوسفاتية فهي ما بين 4- 4.2 مليون طن، والأسمدة البوتاسية حوالي مليون طن.
وزير الزراعة أكد -في كلمته- على استمرار الوزارة في توفير الأسمدة المدعومة لصغار المزارعين والفلاحين لزيادة مقدرتهم على مواجهة الظروف الراهنة، ودعم قدراتهم الإنتاجية في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة عالميًا، حيث بلغ قيمة الدعم المقدم للفلاح خلال السنوات الثلاث الماضية بما يزيد عن 75 مليار جنيه، بما يعادل نحو 3 مليون طن سنويًا.
الجمعيات الزراعية.. محور الأزمة
ورغم ذلك، فإن أزمة التوزيع التي تنتج بدورها أضرارا بالغة يتحملها الفلاح المصري منشأها خلل الحيازات الوهمية الورقية، حيث أن بعض المزارعين يمتلكون حيازات وهمية، ويصرفون ما يزيد عن حاجتهم، ومن ثم يعيدون بيعها في السوق السوداء، دون آلية رقابية على الجمعية الزراعية.
يقول حسين عبد الرحمن أبو صدام نقيب الفلاحين، إن النقابة تسعى إلى تنقية الحيازات كحل أولي في طريق حل أزمة الأسمدة، مشيرًا إلى أن ثمة “كارت ذكي” يتضمن تحويل الحيازة الورقية إلى مميكنة، من أجل ضمان وصول الدعم لمستحقيه.
ويضيف لـ”مصر360″ أن ثمة 5 مليون حيازة ذراعية بموجب إحصاء رسمي لدى نقابة الفلاحين، من بينها نحو 3 ملايين أدرجت بشكل نهائي ضمن تقنية “الكارت الذكي”، والنقابة تسعى لضم الباقي.
نقيب الفلاحين لفت كذلك إلى أن عدد الجمعيات الزراعية المعنية بصرف الأسمدة في مصر يبلغ نحو 4336 جمعية، وتضم ما يقارب 6 ملايين حيازة.
لكن بين هذه الحيازات التي تصرف بموجبها الأسمدة الزراعية، أوراق وهمية، بياناتها غير خاضعة للرقابة، أو يصعب الرقابة عليها طبقًا لما أسماه “فسادًا دفتريًا”.
هذه الحيازات الفاسدة دفتريًا وفقًا لـ”نقيب الفلاحين” ستخضع في الفترة المقبلة لتحديث بياناتها وفقًا للكارت الذكي، ما سيمنح الجهة المشرفة أرقامًا رسمية حقيقية بحيازات الأرض، والمستحقين للدعم.
ويستطرد قائلًا: “بالنسبة للأسمدة نحتاج إلى 4 مليون طن سنويًا، في الموسم الشتوي 1.800 مليون، وفي الموسم الصيفي نحو 2.200 مليون، تُوزع حسب المحاصيل، والحيازات، حيث أن لكل محصول كمية محددة”.
وتستحوذ الجمعيات الزراعية على اهتمام الفلاحين في القرى، باعتبارها جهة الدعم، ويجري المزارعون الأعضاء انتخابات لرئاستها.
وينتخب المجلس لمدة خمس سنوات، ومن أبرز مهامه طبقًا للمادة 16 من قانون الجمعيات التعاونية الزراعية: توفير احتياجات الأعضاء من الآلات، والأسمدة، والبذور، والمبيدات سواء من الإنتاج المحلي، أومن الاستيراد.
تأكيد برلماني
يرجع النائب خالد مشهور أمين سر لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، أسباب أزمة الأسمدة إلى التأخر في نقلها للفلاح بالمناطق النائية، أو رفع أسعارها مع اضطرار الفلاح لشرائها من السوق السوداء، مشيرًا إلى أن ثمة فساد إداري ببعض الجمعيات الزراعية يسفر عن بيع الأسمدة المدعمة في السوق السوداء، وتحقيق أرباح خيالية من فرق السعر.
يأتي ذلك، في الوقت الذي تفضل فيه بعض شركات الأسمدة الاتجاه إلى التصدير للخارج نظير إقبال منقطع النظير على الأسمدة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، ما يتسبب في تقليل الإنتاج.
ويضيف “مشهور” أن مشروع الأسمدة الفوسفاتية الذي جرى افتتاحه مؤخرًا سيسهم بشكل كبير في إنهاء أزمة الأسمدة، لافتًا إلى أن أسمدة الفوسفات تخدم محاصيل كثيرة، معربًا عن أمله في القضاء على السوق السوداء، وتشديد الرقابة على مصانع الأسمدة.
أسعار الأسمدة والتصدير
حسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أسعار الأسمدة بمختلف أنواعها سجلت ارتفاعًا كبيرًا خلال العام الماضي، في حين أن صادرات الأسمدة قفزت إلى إجمالي 3,3 مليار دولار خلال العام الحالي، مقارنة بـ 2,2 مليار دولار خلال 2022، بنسبة ارتفاع قدرها 50%.
ووصل سعر سماد “اليوريا” في السوق المحلي إلى 9200 جنيه للطن، في حين أن سماد النترات بنحو 9000 جنيه للطن، والفوسفات سجل 2500 جنيه للطن، أما الفوسفات الخشن 3500 جنيه للطن.
وفي تصريحات متلفزة، لفت وزير الزراعة إلى أن مصانع الأسمدة في العالم بدأت في تخفيض طاقتها الإنتاجية تدريجيًا بسبب أزمة الطاقة، وغيرها، بالتوازي مع تزايد الطلب على الأسمدة لدعم الزراعة.
وعرج على ما ورد في بعض التقارير الدولية المعنية بملف الأسمدة، مشيرًا إلى أن برنامج الغذاء العالمي تضمن ما يفيد خطورة وضع نصف سكان العالم الذين يعتمدون على محاصيل منتجة بمساعدة الأسمدة المعدنية، مرجحًا أن تتصاعد أزمة الأسمدة خلال العام الحالي، نظير كون المعروض مصدر قلق للمنتجين الزراعيين.
يأتي ذلك إلى جانب توقعات انخفاض الإنتاج العالمي من الذرة، الأرز، فول الصويا، والقمح.
تصريحات الوزير تطرقت أيضًا إلى توفير حصص تصديرية لزيادة النقد الأجنبي “خاصة الأسمدة الأزوتية، والفوسفاتية”، مع تعظيم القيمة المضافة للموارد الطبيعية للدولة، وحماية الوطن من التقلبات العالمية للأسعار.
دعم الفلاحين
يقول جمال صيام الخبير الزراعي إن “تصدير الأسمدة للخارج في الوضع الحالي يمثل إغراءً كبيرًا، نظير ارتفاع أسعارها عالميًا، في ظل أزمة العملة الأجنبية التي تشهدها البلاد، ومع هذا لا يجوز للحكومة أن تقصر في دعم الفلاح، وعليها أن تفي بالتزاماتها بتوفير قيمة الدعم البالغة 4500 جنيه”.
ويضيف لـ”مصر360″ أن الجمعيات الزراعية ليس بها إرشاد زراعي، ولا هي جمعيات تعاونية قوية بالأساس، بما يعطل آلية الزراعة التعاقدية، داعيًا إلى وجود مؤسسات قوية تقوم بمهمة الرقابة، خاصة وأن نحو 80% من مزارعي مصر لديهم ما يقل عن مساحة فدان.
ويستطرد قائلًا: “وزارة الزراعة تستلم الأسمدة من المصانع، وعليها أن تتابع توزيعه بآلية رقابية تمنع التلاعب”.
يأتي ذلك في وقت يعتبر نقيب الفلاحين تصدير الأسمدة أمر طبيعي نظير وجود فائض من الإنتاج المحلي يصل إلى 35%، مشيرًا إلى أن ضبط المسألة الرقابية سينهي أزمة الأسمدة تمامًا.
وكشف مؤشر البنك الدولي لأسعار الأسمدة عن تضاعف الأسعار بأكثر من ثلاث مرات مقارنة بمستوياتها قبل عامين.
وتتسبب الزيادة في تكاليف مستلزمات الإنتاج واضطرابات سلاسل الإمداد والقيود المفروضة على التجارة، في تسجيل ارتفاعات متواصلة لأسعار الأسمدة.
وأعلن البنك الدولي ضرورة التخفيف من حدة أزمة الغذاء الحالية، باتخاذ إجراءات للحفاظ على إنتاج الغذاء من خلال تيسير الحصول على الأسمدة، وإتاحتها بأسعار معقولة عبر ثلاث خطوات أولها: رفع البلدان للقيود المفروضة على التجارة وصادرات الأسمدة، بجانب استخدام الأسمدة بمزيد من الكفاءة، بالإضافة إلى الاستثمار في الابتكار لتطوير أفضل الممارسات عبر أحدث وسائل التكنولوجيا بهدف زيادة الإنتاجية.