في 1940، عرض فيلم الديكتاتور العظيم لشارلي شابلن، أول فيلم ناطق في حياته، محاكيًا فيه الديكتاتور الألماني أودلف هتلر، الغريب لم يكن هو منع ألمانيا لعرض الفيلم، بل إنه تلقى تحذيرات في أثناء العمل على الفيلم من داخل الولايات المتحدة وبريطانيا بأن الفيلم قد يمنع من العرض، أو على أقل تقدير قد يتعرض لمشاكل مع الرقابة. حتى مارس 1939، كانت بريطانيا تواصل سياسة استرضاء هتلر، بينما لم تدخل أمريكا الحرب إلا في ديسمبر 1941، أي بعد عام من عرض الفيلم.

وحسب مذكرات شابلن، أنه تلقى تحذيرات من الجميع، من زملائه اللذين يشاركهم في ملكية شركة إنتاج الفيلم، وكذلك من شركة الإنتاج والتوزيع The United Artists، وكذلك رسائل من نيويورك تتوسل إليه ألا ينتج الفيلم الذي قد لا يسمح بعرضه في إنجلترا أو أمريكا.

علاقة شابلن بهتلر قديمة، لم تبدأ فقط عندما منع هتلر عرض كل أفلام شابلن في ألمانيا، نظرًا للتشابه بينهما، وعندما تلقى شابلن خبرًا بهذا المنع، قال لابنه الأكبر: فكر في الأمر، هو الرجل المجنون، وأنا الكوميديان، لكن كان من الممكن أن يحدث العكس”

عندما بدأ شابلن وفق الكاتب نيكولاس باربر في مقاله، الديكتاتور العظيم، الفيلم الذي جرؤ على السخرية من هتلر، كانت قوات الفوهرر قد غزت النمسا في ربيع 1938.

يقول ديفيد روبنسون، في كتابه شارلي شابلن: حياته وفنه. فيلمًا ثوريًا في مسيرة شابلن، فهو أول فيلم ناطق، كما أنه يعمل عليه من خلال نص نهائي، بينما طريقة عمل شابلن في أفلامه الصامتة السابقة كانت مختلفة، حيث كان يحكمها الارتجال، يبدأ شارلي شابلن أفلامه بلا نص سينمائي، من صورة قوية تلحّ على ذهنه، فكرة، مشهد واحد غامض، ثم يرتجل حوله مشهداً تلو آخر، حتى تتشكل حوله قصة. يأخذ أي موقف، ثم يكرّر تصويره، لا يهم كم من المرات، مرتين، ثلاث، قد يعيد المشهد الواحد ثلاثمائة مرة.

أوجه التشابه بين شابلن وهتلر مذهل، فقد ولد كليهما بفارق أربعة أيام فقط عن بعضهما البعض في إبريل 1889، وكلاهما عانى من والدين مخمورين، جلبا لهما التعاسة، ويحبان أمهاتهما إلى درجة العبادة، ولدى كل منهما ميراث عائلي من الإصابة بالجنون، والأبناء غير الشرعيين، وكذلك الشاربين.

أشيع أن هتلر هو من قلد شارب “الرجل الصغير” لشابلن لا العكس، كي يحصل على تعاطف الآخرين، كما أن الشارب يجبر العين غريزيًا على التركيز على الوجه.

كذلك اعتقد الاثنان أنهما يمثلان الرجل الصغير في مواجهة قوى المجتمع الحديث، أو بحسب ديفيد روبنسون، كل منهما عكس مرآة مشوهة، أحدهما تمثل الخير والأخرى تمثل الشر، حتى أن انطباع شابلن الأول عن هتلر أنه “يقدم انتحالًا سيئًا لشخصيته”

كذلك يملك الاثنان، موهبة لا تقاوم في سحر الملايين، واحد عبر الكوميديا والثاني عبر الخطب، وبينما بدأ شابلن لعب دور المتشرد على الشاشة، كان هتلر متشردًا، حرفيًا، في شوارع فيينا في سن العشرين.

كل منهما خلق عالمه، وسيطر عليه، وكان شابلن كهتلر يطلب من رفاقه “الطاعة المطلقة” وكان ديكتاتورًا في عمله، كلاهما متقلب المزاج، وينفجران في نوبات غضب وحشية وغير عقلانية، وعانيا من نوبات جنون العظمة.

كان هتلر يمثل من خلال الخطب، وقد تلقى بالفعل تدريبات على أدائها، والاثنان شابلن وهتلر، استندا في أدائهما إلى مشاعر الشعور بعدم الكفاءة والشفقة على الذات، إذ إن كل أفعالهما التي تهدف إلى سحر الجماهير ترغب في تغطية مناطق النقص تلك.

الاثنان اشتركا في الوله بشخصيات مثل نابليون والمسيح، ولم يكتفيا فقط بحب الموسيقى، بل اعتقدا أن بإمكانهما تأليفها، يذكر أن هتلر قال ذات مرة لأحد أعوانه “سأؤلف الموسيقى، وسوف تدونونها” كانت هذه بالضبط طريقة شابلن الذي ألف موسيقى أفلامه.

وعندما بدأ شابلن العمل الجاد على مشروع فيلم “الديكتاتور العظيم”، فشرع في مشاهدة عدد من الأفلام الإخبارية لهتلر أكثر من مرة، ليراقب كل تصرف وإيماءة، قال مندهشًا: هذا الرجل ممثل رائع، بل أعظم منا جميعًا كممثلين”.

ويقال إن هتلر نفسه شاهد فيلم الديكتاتور العظيم أكثر من مرة، حيث أخبر مسئول قسم الأفلام في وزارة الثقافة الألمانية، شابلن بعد الحرب، أن الفوهرر أصر على مشاهدة الفيلم بمفرده، ثلاث مرات في ثلاث ليال.

كانت خطبة شابلن في الفيلم، هي أول كلمة ينطقها شابلن على الشاشة، منذ أن احترف العمل السينمائي، لذا كانت حدثًا استثنائيًا يترقبه معجبوه، لكن الخطبة لم تعجب النقاد الأمريكيين، ليس فقط لمباشرتها، لكن لتجاوزها اتهام النازية، لتصبح خطابًا للعالم الأجمع، واتهموه حينها بالشيوعية.