في الوقت الذي تزداد فيه الأسعار بشكل غير مسبوق، ويخشى المواطنون من الزيادة المرتقبة في أسعار الخدمات المقدمة، ومنها أسعار الكهرباء والغاز والمياه، ثبتت مصر سعر بيع الغاز الطبيعي المخصص لإنتاج الكهرباء عند 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في الموازنة الحالية 2022/2023، أي دون تغيير عن السعر المعتمد في 2022، ويشمل قرار تثبيت سعر الغاز الشركات التابعة لوزارة الكهرباء.
يخضع تسعير الغاز الطبيعي بالنسبة لبعض الأنشطة للمتغيرات الاقتصادية والبيئية والسياسية والاجتماعية داخل السوق المحلية طبقًا لأحكام قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز. حيث يتم إجراء مراجعة لهذه الأسعار كل 6 أشهر بمعرفة اللجنة الوزارية المختصة.
قرار تثبيت سعر الغاز الموجه للكهرباء لهذا العام، يدفع للسؤال عن تداعيات القرار على المستوى الاقتصادي من ناحية، ومن ناحية أخرى عن: ماذا يعني/ يمثل قرار التثبيت بالنسبة للمواطن؟، ثم ماذا عن سعر الغاز الموجه إلى المصانع؟.
اقرأ أيضًا: الإعلان عن حقل غاز جديد.. أي استفادة لمصر؟
السبب الأول.. دعم المواطن
“الغاز هو المتحكم في حجم التكلفة وأي ارتفاع في سعره يتم تحميل جزء منه على المواطن لتعويض ارتفاع تكلفة الإنتاج”، وفق مصادر في وزارة الكهرباء.
وتابعت المصادر أن المناقشات التي حدثت مؤخرًا حول محددات قيمة دعم الكهرباء بالموازنة الجديدة، تطرقت إلى أهمية تثبيت سعر تكلفة الغاز تجنبًا لحدوث زيادة كبيرة في الأسعار، ولعدم تراكم المديونيات المستحقة على وزارة الكهرباء والناتجة عن زيادة سحوبات الغاز.
وقد ساهم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي نهاية 2018، في تلبية كامل احتياجات قطاعات الدولة من الغاز. الأمر الذي قد يكون سببًا في حدوث استقرار نسبي في أسعار توريد الغاز لمختلف القطاعات وبالتحديد الكهرباء، لدخوله كعنصر أساسي في التكلفة النهائية بنسبة 60٪، على اعتبار أن جزءا كبيرا من محطات الكهرباء لا تزال تعمل بالوقود الإحفوري.
وأشارت إلى أن التوجه إلى الاعتماد على المصادر الجديدة والمتجددة، الشمس والرياح، يقلص بدرجة كبيرة اعتماد محطات الكهرباء على الوقود، كما أن التوجه إلى محطات الدورة المركبة يخفض استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة تقارب 1/3 الاستهلاك بالمحطات التقليدية.
اقرأ أيضًا: 2023| زيادة مرجحة بسعر الوقود.. وتساؤلات عن عدم استخدام عائدات الغاز لكبح “البنزين والسولار”
ووفق المصادر بوزارة الكهرباء، فإنه لا يمكن تثبيت سعر الغاز الموجه إلى القطاع الصناعي. لأن المصانع تقوم بتصدير كميات كبيرة من إنتاجها إلى السوق العالمية وتحقق مكاسب دولارية. وبالتالي تتم عمليات بيع الغاز وفقًا لأسعار التكلفة وحسب السوق العالمي. “تثبيت سعر الغاز للمصانع هيحقق خساير كبيرة للدولة لصالح المصنعين وده هيضر بموازنة الدولة”.
أسامة عسران نائب وزير الكهرباء، يقول إن تسعيرة الغاز الطبيعي الذي تحصل عليه محطات الكهرباء تصل لـ 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في حين تتولى وزارة المالية سداد باقي تكلفة توريد الغاز للكهرباء، وأن قطاع الكهرباء لم تشمله قرارات زيادة أسعار الغاز الأخيرة لمنع حدوث أية زيادات في أسعار شرائح استهلاك الكهرباء التي تم إعلانها سابقًا.
وتابع عسران أن هيكل أسعار شرائح الكهرباء مُعلن منذ فترة وحتى 2025، وبالتالي لا يمكن المساس بمدخلات الإنتاج لمنع فرض زيادات جديدة خاصة على الشرائح الصغيرة. موضحًا أن أسعار الكهرباء ثابتة دون تغيير؛ وبالتالي تم تجنيب قطاع الكهرباء الزيادات الأخيرة الخاصة بالغاز؛ باعتبار أنه لا يزال هناك شرائح استهلاك تحصل على دعم من الدولة، عدا من يزيد استهلاكهم عن 1000 كيلو وات شهريًا.
في حين يرى مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق، أن زيادة أسعار الوقود، مثل المازوت وغيره، تأتي متوقعة نظرًا لموجة التضخم العالمية وارتفاع أسعاره خارجيًا، موضحًا أن هناك تأثيرا مرتقبا لهذه الزيادة على أسعار مختلف القطاعات سواء الكهرباء أو الصناعة بسبب استخدامها الغاز بشكل رئيسي في الإنتاج لكن الحكومة قررت تأجيل زيادة الغاز بالنسبة للكهرباء.
وأوضح يوسف لـ “مصر 360” أن قرار تثبيت أسعار الغاز الموجه إلى الكهرباء ليس “رفاهية” بالنسبة للحكومة. “لو الحكومة كانت زودت سعر الغاز للمحطات مفيش حد كان هيقدر يلومها لأن مستوى الأسعار ارتفع كتير الفترة الماضية والدولة لسه مثبتة السعر لغاية دلوقتي. وبالتالي هناك طرف خاسر في المنظومة وهو وزارة الكهرباء التي تبيع الغاز بسعر أقل”.
خفض التشابك المالي
وتقول المصادر إن رفع أسعار الغاز الموجه من وزارة البترول إلى محطات الكهرباء، كان سيزيد من حجم التشابك المالي بين القطاعين “هناك ديون كبيرة على وزارة الكهرباء لصالح البترول والتي تمثل قيمة الوقود المورد إلى محطات توليد الكهرباء”. وبالتالي فإن أي تحريك على مستوى أسعار بيع الغاز كان سيزيد من حجم الفاتورة الشهرية المستحقة على وزارة الكهرباء. ما يعني مزيدًا من التشابك المالي بين القطاعين.
التحول للاعتماد على مصادر الطاقة البديلة، الشمس والرياح، يقلص بشكل كبير من استهلاك الكهرباء من الغاز؛ ومن ثم فض التشابك المالي بين قطاعات الدولة؛ إضافة إلى توجيه كميات الغاز إلى صناعات القيمة المضافة “البتروكيماويات” التي تعزز من عائد الغاز، وفق مصادر وزارة الكهرباء.
هذا في الوقت الذي تضاعف حجم استهلاك الغاز الطبيعي لأكثر من 20 ضعفًا خلال السنوات الماضية. ووصل إلى 47 مليون طن خلال 2021/2022، استحوذ منها قطاع الكهرباء على كميات بنسبة 60%، وقطاع الصناعة 12%، وبلغت كميات استهلاك غاز المنازل بنسبة 6%.
ما الذي يعنيه قرار التثبيت؟
خلال مارس/ آذار الجاري قررت الحكومة فرض تثبيت جديد على سعر الغاز الموجه للكهرباء، الذي يستحوذ على 60:65% من تكلفة الإنتاج، في الوقت الذي قررت فيه الدولة تأجيل فرض أية زيادة في فواتير الاستهلاك ما يعني أن الموازنة العامة ستتحمل دعمًا مضاعفًا خلال 2022/2023 بما يفوق المقدر في الموازنة، وفق مصادر بالشركة القابضة للكهرباء.
وبالنسبة إلى المصانع، فإنها تحصل على الغاز الطبيعي بسعر يصل إلى 5 و 6 دولار لكل مليون وحدة حرارية ما يعني أن الغاز يُباع بسعر ضعف الذي تحصل عليه وزارة الكهرباء. وبالتالي ستتحمل موازنة الدولة زيادة جديدة في فاتورة الدعم للكهرباء بنهاية العام المالي بما يزيد عن 40% ، وفق المصادر.
وفق المصادر أيضًا، فإن الدولة لن تستطيع تحمل مزيد من الدعم دون أن تجري تحركات على مستوى زيادة أسعار الكهرباء، وبالتالي قد تشهد الموازنة الجديدة 2023/2024 تحريكًا على مستوى أسعار شرائح الكهرباء ورفع سعر قيمة الغاز الموجه للكهرباء بما يزيد عن 3 دولارات للمليون وحدة حرارية.
وفي حين ستتكبد الدولة بحسب المصادر مزيد من ادعم بسبب قرار التثبيت، فإن طارق الحديدي رئيس هيئة البترول السابق، يقول لـ “مصر 360” إن تثبيت أسعار الغاز الطبيعي حاليًا الموجه إلى قطاع الكهرباء سيحفز المستثمرين وشركات الطاقة العالمية إلى الدخول للسوق المصرية ومحاولة اقتناص مزيد من المشروعات الكهربائية بالسوق. موضحًا أن التحول الطاقي والاعتماد على المصادر البديلة لا يزال هو الخيار الأفضل للحكومة. وبالفعل بدأت الدولة في اتخاذ خطوات جادة في تقليص الاعتماد على الغاز والوقود الأحفوري والاتجاه نحو الاقتصاد الأخضر.
وتابع الحديدي أن دعم العام الجاري سيشهد ارتفاعًا عكس ما سارت عليه موازنة الدولة السنوات الماضية. وبالتالي فإن إعادة الهيكلة وتقليص مخصصات الوقود ببند الدعم في موازنة 2022-2023 لن يتشابه بالسنوات الماضية، وسيقفز إلى مستوى ربما يتجاوز الذي تحقق قبل 5 سنوات.
دعم هائل
يذكر أن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أكد في 14 يناير/كانون الثاني الماضي أن الدولة تتحمل حجم دعم هائل في فاتورة الكهرباء، ولولا ذلك الدعم وتثبيت سعر الغاز، بحسب مدبولي “لكانت فاتورة الكهرباء ستتضاعف ثلاث مرات على المواطن وترفع من 300 جنيه لـ 1000 جنيه. لو المواطن بيدفع 300 جنيه المفروض يدفع 1000 جنيه. الدولة شايلة عنك ثلاث أضعاف الأسعار”.
حينها، أشار رئيس مجلس الوزراء، إلى أن قرار تأجيل زيادة أسعار الكهرباء لمدة عام كامل فضلًا عن زيادة تكلفة إنتاج الكهرباء بسبب ارتفاع أسعار الوقود والغاز وسعر الصرف، رفعت من قيمة الدعم السنوي المقدم من الدولة. “فاليوم حجم الدعم للدولة المصرية تتحمله عن المواطن وهو لا يشعر بذلك، هو بيدفع الفاتورة هي هي كل شهر.. وهو مش واخد باله لأن لو إحنا طبقنا الفاتورة دي كل شهر كانت الفاتورة دي تضرب في 3 على الأقل، ولو كل مواطن النهاردة بيقول أنا بدفع 300 جنيه يبقى المفروض كان يدفع 1000 جنيه”؛ كما قال مدبولي.
تغير خريطة الغاز
خلال السنوات القليلة الماضية، تغيرت خريطة الغاز المصري الذي تحول من مرحلة العجز عن تلبية الاحتياجات الداخلية إلى تحقيق فائض يسمح بالتصدير ويحقق عائدًا دولاريًا جيدًا للدولة، يُمكِنها من تلبية احتياجات باقي قطاعات الدولة من العملة الصعبة.
بفضل الاحتياطات الغازية التي تمتلكها الدولة حاليًا، وصلت مصر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في سبتمبر/ أيلول 2018. وعادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال، واحتلت في 2020 المركز 14 عالميًا والخامس إقليميًا والثاني إفريقيًا في إنتاج الغاز، بحجم إنتاج سنوي بلغ 58.5 مليار م3، وفي عام 2020/2021 وصل حجم الإنتاج إلى 66.2 مليار م3. استُهلك محليًا 62.9 مليار م3، وفائض 3.3 مليار م3.
وفق مصادر مسئولة بالشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس”، فإن احتياطي مصر من الغاز في الحقول التي سترتكز عليها السنوات القادمة في تلبية حاجة السوق، وكذلك دعم صادرات الغاز المسال، يتمثل في 5 حقول يقوم على تشغيلها 5 شركاء أجانب، بحجم إنتاج يتراوح بين 40 و45 تريليون قدم مكعب، حقل “ظهر” بحجم احتياطي 30 تريليون قدم مكعب، حقول “شمال الإسكندرية” بحجم احتياطي 5 تريليون قدم مكعب، حقل “نرجس” بحجم احتياطي أولي 3.5 تريليون قدم مكعب غاز، حقل “نورس” بحجم احتياطي 2 تريليون قدم مكعب، وحقل “أتول” بحجم احتياطي 1.5 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي.